أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

صعوبات مرحلية:

هل يتجاوز قطاع النفط العراقي التوترات الراهنة؟

13 يناير، 2020


تواجه صناعة النفط العراقية تحديات عديدة في الآونة الأخيرة، تمثلت في اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية في المدن المختلفة منذ أكتوبر الماضي وإلى الآن، وتصاعد حدة التوتر بين العراق والولايات المتحدة على خلفية مقتل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني من خلال غارة جوية أمريكية بالأراضي العراقية. وعلى الرغم من أن هذه التهديدات لم تفرض إلا آثاراً محدودة على عمليات إنتاج وتصدير النفط العراقي حتى الآن، إلا أن استمرارها قد يؤثر بشدة على إمدادات النفط العراقية، خاصة إذا ما اتجهت الإدارة الأمريكية إلى تطبيق عقوبات اقتصادية على العراق حال إصرار الأخيرة على إخراج القوات الأمريكية من أراضيها.

مخاطر متزايدة:

يتعرض قطاع النفط العراقي لمخاطر متزايدة، في ظل حالة الاضطراب السياسي والاقتصادي التي تشهدها البلاد منذ أكتوبر الماضي، عندما اندلعت احتجاجات شعبية في عدة مدن، بسبب سوء الأوضاع المعيشية وقلة فرص العمل، على نحو هدد عمل المنشآت النفطية، لاسيما مع قطع الطرق والجسور القريبة من الحقول النفطية، وإغلاق الموانئ الرئيسية بالبلاد بصفة مستمرة، إلى جانب إضراب العاملين في عدد من الأجهزة الحكومية والمنشآت الخاصة.

ومما زاد من تعقيد المشهد تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والعراق مؤخراً بعدما هددت الحكومة العراقية بإخراج القوات الأمريكية المتمركزة في عدة قواعد عسكرية في الأراضي العراقية، على خلفية القرار الذي اتخذه البرلمان في هذا السياق، وذلك احتجاجاً على مقتل القائد السابق لـ"فيلق القدس" قاسم سيلماني في 3 يناير الجاري.

وقد دفع الموقف العراقي السابق الإدارة الأمريكية، بحسب بعض الاتجاهات، إلى التهديد بفرض عقوبات اقتصادية على العراق، ومنها منع وصول بغداد لأرصدتها المالية الدولارية الموجودة بحساب في البنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، علاوة على تقييد تصدير النفط العراقي للأسواق الدولية. وعلى هذا النحو، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 12 يناير الجاري: "إذا طلبوا منا المغادرة، إذا لم نفعل ذلك بطريقة ودية للغاية، سوف نفرض عليهم عقوبات، لم يسبق لها مثيل من قبل".

ورداً على ذلك، هددت بعض المليشيات العراقية المدعومة من إيران، مثل "كتائب حزب الله"، بقطع تدفق إمدادات النفط من المنطقة، وقال أبو علي العسكري القائد الأمني للميليشيا عبر "تويتر": "إذا فرض ترامب عقوبات اقتصادية على العراق فسنعمل مع الأصدقاء لمنع تدفق النفط لأمريكا".

تبعات محتملة:

تسبب المشهد السياسي العراقي في إرباك صناعة النفط، على نحو بدا جلياً في قيام بعض الشركات الأجنبية، ومن بينها الشركتين الأمريكيتين "تشيفرون" و"إكسون موبيل"، بجانب شركة "بتروفاك" البريطانية، بإجلاء موظفيها من الأراضي العراقية. ومع ذلك، فإن عمليات إنتاج وتصدير النفط استمرت بشكل طبيعي لاسيما مع توافر إمكانية إحلالهم بموظفين وعمالة عراقية.

وحالياً، تتولى بعض الشركات الأجنبية إنتاج النفط من عدد من الحقول الرئيسية في جنوب العراق، وفي مقدمتها حقل "غرب القرنة 1" الذي تشغله شركة "إكسون موبيل" الأمريكية، وحقل "الرميلة" الذي تشغله شركة "بي بي" البريطانية، وحقل "زبير" الذي تشغله شركة "إيني" الإيطالية، بينما تقوم شركة "لوك أويل" الروسية بتطوير حقل "غرب القرنة 2"، وتنتج هذه الحقول أكثر من نصف إنتاج العراق البالغ نحو 4.5 مليون برميل يومياً، وهو ما يعني أن توقف إنتاجها سيضر بشدة بصادرات العراق النفطية.

فضلاً عن ذلك، فقد أثرت الاحتجاجات الشعبية في الأشهر الأخيرة، نوعاً ما، على صناعة النفط العراقية، حيث تسبب قطع الجسور والطرق والإضرابات العمالية في تعطيل عمل بعض الحقول مثل "الناصرية" بمحافظة ذي قار، والذي ينتج نحو 90 ألف برميل يومياً، لأيام معدودة، وكان ذلك في أواخر ديسمبر الماضي قبل أن يتم تشغيله لاحقاً، وهو ما توازى معه توقف مصفاة "الناصرية للنفط" عن العمل أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فقد تأثرت العمليات التشغيلية لحقول أخرى وأبرزها "الرميلة"، وذلك مع إغلاق المحتجين الطريق الرئيسي المؤدي إلى الحقل بمحافظة البصرة.

وبناءً عليه، فقد فرضت الاضطرابات السابقة آثاراً على عمليات تصدير النفط العراقي، إلا أنها كانت بشكل عام محدودة إلى الآن. ووفقاً لوزارة النفط العراقية، تراجعت صادرات البلاد النفطية بنسبة 2% خلال ديسمبر 2019 إلى متوسط 3.428 ملايين برميل يومياً، بانخفاض من 3.5 ملايين برميل في نوفمبر من العام نفسه.

تداعيات مستقبلية:

تترقب الشركات الأجنبية عن كثب تطورات الأوضاع على المستويين الأمني والسياسي في العراق، حيث أن استمرار الاضطرابات الحالية، والتي قد تتفاقم مع تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية أو تزايد التوتر مع الولايات المتحدة، سوف يهدد عملياتها التشغيلية، وهو ما قد تضطر معه إلى تعليق أعمالها في حقول النفط العراقية، بشكل سوف يضر صناعة النفط لفترة ليست قصيرة.

ولعل الخطر الرئيسي الذي يواجه صناعة النفط العراقية، بخلاف تصاعد الاحتجاجات الشعبية، يتمثل في اتجاه الإدارة الأمريكية إلى تطبيق عقوبات اقتصادية على بغداد إذا ما أصرت الأخيرة على إخراج القوات الأمريكية من العراق في المستقبل القريب، حيث من المرجح أن تمنع واشنطن، بحسب بعض الترجيحات، الحكومة العراقية من تداول نفطها بالدولار الأمريكي، على نحو سيؤدي إلى تزايد مخاوف المستهلكين بالأسواق الدولية من شراء النفط العراقي في ظل العقوبات الأمريكية المحتملة عليها.

وإلى جانب ذلك، فإن المناخ السياسي المضطرب بالعراق حالياً من شأنه أن يُقوِّض قدرة العراق على جذب الاستثمارات الأجنبية اللازمة لتطوير الحقول النفطية بالجنوب لدعم خطتها الرامية لزيادة الإنتاج إلى نحو 6 مليون برميل يومياً في المستقبل، وقد تعثرت مفاوضات الحكومة العراقية في العام الماضي مع شركة "إكسون موبيل" الأمريكية بشأن مشروع بقيمة 53 مليار دولار لتطوير إنتاج النفط في جنوب العراق بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة التي قد تهدد المصالح الأمريكية بالعراق، وذلك بجانب الخلاف بين الطرفين حول الترتيبات المالية للمشروع.

وختاماً، يمكن القول إن ما تتعرض له صناعة النفط العراقية من تحديات في الوقت الحالي قد يعرقل عمليات الإنتاج وتصدير النفط الخام في الفترة القادمة، لاسيما إذا لم تستطع الحكومة احتواء الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ عدة أشهر أو تقليص حدة التوتر القائم مع الولايات المتحدة.