أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مرحلة التصعيد:

أربع دلالات لتعدد الحوادث الإرهابية في تركيا

18 مارس، 2016


شهدت العاصمة التركية "أنقرة"، في 13 مارس الجاري، تفجيراً إرهابياً باستخدام سيارة مفخخة أسفر عن مقتل 37 شخصاً وإصابة 125 أخرين، وهو التفجير الثاني في أقل من شهر بالعاصمة التركية التي وقع بها تفجيراً مماثلاً في 17 فبراير الماضي، مُستهدفاً آليات تابعة للجيش التركي، ما أسفر عن سقوط 29 قتيلاً.

وتثير الحوادث الإرهابية المتكررة في تركيا خلال الفترة الأخيرة تساؤلات حول أسبابها، ودلالاتها، وتداعيتها على سياسة الحكومة التركية على المستويين الداخلي والخارجي، حيث من المتوقع أن يتجه أردوغان وحكومته نحو مزيد من التصعيد في التعامل مع المعارضة، وحزب العمال الكردستاني.

ردود الفعل التركية

أثار التفجير الإرهابي الذي وقع مؤخراً في مدينة أنقرة ردود فعل متقاربة سواء على مستوى الحكومة التركية أو أحزاب المعارضة؛ بما فيها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المحسوب على حزب العمال الكردستاني المُصنف كمنظمة إرهابية في تركيا والمتهم الأول من قِبل الحكومة التركية بتنفيذ هذا الهجوم الإرهابي.

فعلى مستوى الحكومة التركية، سارع رئيس الوزراء "داوود أوغلو"، عقب وقوع الانفجار، بتوجيه الاتهامات لحزب العمال الكردستاني، إلى أن أعلنت وزارة الداخلية التركية أن مُنفذ الهجوم الإرهابي فتاة تركية تُدعى "سهر تشاغلا دمير" من مواليد عام 1992، وهي عضوة بحزب العمال الكردستاني المحظور مذ عام 2013، وذهبت إلى سوريا وتلقت تدريبات على يد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تتهمه تركيا بأنه الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني.

كما اتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات، حيث تم عزل مدير أمن أنقرة، وتعهد أوغلو باتخاذ تدابير أمنية جديدة بحسب كل محافظة تركية لمواجهة أية تهديدات إرهابية محتملة، وذلك عقب انعقاد قمة أمنية رفيعة المستوى برئاسته ضمت وزير الداخلية وعدد من المسئولين الأمنيين. كما شن الطيران التركي، عقب التفجير، غارات على مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بشمال العراق.

في الوقت ذاته، دعا الرئيس التركي "أردوغان" إلى إعادة تعريف الإرهاب في قانون العقوبات التركي، بحيث لا يكون الأمر قاصراً على من يحملون السلاح ويشنون هجمات إرهابية، ليشمل من يؤيدونهم والذين قد يكونوا صحفيين أو أعضاء بالبرلمان أو أكاديميين أو شخصيات عامة. كما دعا "أردوغان" أيضاً إلى عدم إخلاء سبيل المُتحفظ عليهم من قِبل قوات الأمن بتهم دعم التنظيمات الإرهابية تحت دعاوى حرية الرأي والتعبير.

وعلى مستوى الأحزاب التركية، فقد أدان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهو القوة الثالثة في البرلمان التركي، هجوم أنقرة الإرهابي. وأصدرت الأحزاب الثلاثة الأخرى في البرلمان (حزب العدالة والتنمية الحاكم، حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية) بياناً مشتركاً أدانت فيه الإرهاب، ودعت إلى ضرورة التوحد في مواجهته، وذلك دون توقيع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على البيان.

دلالات تعدد الحوادث الإرهابية في تركيا

لم يكن التفجير الإرهابي الأخير بالعاصمة أنقرة هو الأول من نوعه، ومن ثم فإن تعدد هذه الحوادث الإرهابية في تركيا يعكس عدداً من الدلالات تتمثل في الآتي:

1- ضعف أداء أجهزة الأمن التركية خاصةً أجهزة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، ويظهر ذلك بوضوح في أن التفجير الإرهابي الأخير استهدف منطقة حيوية هي ميدان "كيزيلاي"، والذي يضم محطة للحافلات ومحطة مترو، ويبعد مئات الأمتار عن وزارتي العدل والداخلية والمقر السابق لرئيس الوزراء.

كما أن هذا التفجير الإرهابي هو الثاني من نوعه في أقل من شهر بالمدينة ذاتها، وفي منطقة قريبة من التفجير السابق له، حيث استهدف تنظيم "صقور حرية كردستان"، المنشق عن حزب العمال الكردستاني المحظور، في 17 فبراير الماضي، آليات عسكرية تابعة للجيش التركي بالقرب من مقر البرلمان ومبان حكومية أخرى، مُستخدماً سيارة مفخخة، ما أدى إلى مقتل نحو 28 شخصاً؛ أغلبهم من الجنود.

وعلاوة على ما سبق، شهدت تركيا أيضاً منذ مطلع العام الجاري هجومين إرهابيين أخرين؛ الأول وقع في 12 يناير 2016 بمدينة إسطنبول، ونفذه انتحاري تابع لتنظيم داعش الإرهابي، مُستهدفاً وفداً من السياح الألمان، ما أدى إلى مقتل 10 سياح وإصابة 15 آخرين. والهجوم الأخر وقع في 3 مارس الجاري عندما شنت امرأتان تنتميان إلى "الجبهة الثورية لتحرير الشعب" المحظورة، هجوماً على مركز للشرطة في مدينة إسطنبول، ما أسفر عن جرح شرطيين ومقتل الامرأتين بعد مطاردة الشرطة لهما.

2- تعدد مصادر التهديد لأمن تركيا، فالهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد منذ مطلع العام الجاري تكشف عن وجود تنظيمات مُصنفة إرهابية من جانب السلطات التركية، مثل حزب العمال الكردستاني الذي يخوض مواجهات ضد قوات الأمن التركية، وتنظيم "صقور حرية كردستان" الذي أعلن انشقاقه عن حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن تنظيمات يسارية مُمثلة في "الجبهة الثورية لتحرير الشعب"، بالإضافة إلى تنظيم داعش الإرهابي.

3- فشل الإجراءات الحكومية المتبعة في مواجهة التهديدات، وبصفة خاصة ضد حزب العمال الكردستاني، فتفجيرات أنقرة الأخيرة تشير إلى فشل سياسة التصعيد والمواجهة التي اتبعتها الحكومة التركية، منذ يوليو 2015، في مواجهة حزب العمال الكردستاني، وذلك على أمل أن تنجح حكومة حزب العدالة والتنمية في القضاء على القدرات العسكرية للحزب الكردي وإخراج مسلحيه من تركيا، بدلاً من سياسة التفاوض والحل السلمي للمشكلة الكردية التي اتبعتها حكومات أردوغان منذ وصولها للسلطة.

وقد مثَّل هذا الفشل إحراجاً للحكومة التركية التي تتحدث بصفة مستمرة عن النجاحات التي تحققها قوات الأمن في مواجهة حزب العمال الكردستاني بمناطق جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، وإحراجاً للرئيس أردوغان الذي تعهد بالقضاء على ما سماه "الإرهاب الكردي"، الأمر الذي جدد مطالبات من داخل مؤيدي حزب العدالة والتنمية بضرورة العودة للحوار مع حزب العمال الكردستاني لإيجاد حل للمشكلة الكردية بدلاً من المواجهات.

4- التحول في الاستراتيجية القتالية لحزب العمال الكردستاني، في حالة ثبوت تورطه في هذه العمليات الإرهابية، من قِصر عملياته على قوات الأمن التركية إلى استهداف المدنيين الأتراك والمواقع الحيوية ذات الأهمية الاستراتيجية، ونقل المواجهات من مناطق جنوب شرق تركيا ذات الغالبية الكردية إلى قلب العاصمة أنقرة، وذلك بهدف التأثير سلباً على صورة الأمن في تركيا، وما لذلك من تداعيات سلبية على شعبية حزب العدالة والتنمية، وأيضاً الاقتصاد التركي.

كما يهدف حزب العمال الكردستاني إلى تشتيت قوات الأمن التركية، وتخفيف الضغوط عن المناطق الكردية، وإرسال رسالة مفادها بأن الحزب لايزال محتفظاً بقوته ولديه القدرة على الرد في أي وقت وأي مكان بما في ذلك العاصمة أنقرة، وهو ما ظهر بوضوح في تصريح "جميل بابيك"، القيادي بحزب العمال الكردستاني، بأن المعارك ضد الجيش التركي كانت تدور في الجبال فقط، لكنها الآن انتقلت إلى المدن وستمتد إلى كل مكان لإسقاط أردوغان وحزبه الحاكم.

التصعيد القادم في السياسة التركية

رغم أن التفجيرات الإرهابية المتكررة تعد فشلاً لحكومة حزب العدالة والتنمية على المستوى الأمني ولسياسات أردوغان في التعامل مع القضية الكردية، إلا أنه من المرجح استثمار أردوغان وحكومته لمثل هذه الحوادث لتحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في الآتي:

1- اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية لإحكام الحكومة سيطرتها على وسائل الإعلام وإسكات الأصوات المعارضة لسياسات أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية، بدعوى مكافحة الإرهاب، وهو ما يظهر بوضوح في دعوة أردوغان إلى توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل صحفيين وكتَّاباً وأكاديميين وشخصيات عامة يقدمون دعماً للإرهاب من وجهة نظره، وهو ما انعكس في اعتقال الشرطة التركية عدد من المحامين وثلاثة أكاديميين في مدينة إسطنبول بتهمة نشر الدعاية الإرهابية، حيث كانوا قد وقعوا على بيان في شهر يناير الماضي نددوا فيه بانتهاكات قوات الأمن التركية بالمحافظات ذات الغالبية الكردية، خلال عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني.

2- الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد في مواجهة أكراد تركيا، سواء على مستوى المواجهات العسكرية بتصعيد العمليات العسكرية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني في محافظات جنوب شرق تركيا، حيث أطلقت قوات الأمن التركية عقب الهجوم عمليات أمنية ضد مسلحي الحزب في محافظة شرناق جنوب شرق تركيا، وفرضت حظراً للتجوال بالمدينة، أو على المستوى السياسي والقضائي بملاحقة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يمثل امتداداً لحزب العمال الكردستاني بتهمة دعم الإرهاب وارتباطه بحزب العمال الكردستاني المحظور، بما يهدد بحله وسجن زعيمه صلاح الدين ديميرطاش الذي يواجه، ومعه نواب آخرين من حزبه، احتمالية رفع الحصانة عنهم، تمهيداً لمحاكمتهم بتهم التحريض على العنف والانتماء لتنظيم إرهابي مسلح، بناءً على مذكرة صادرة من وزارة العدل التركية في 11 مارس الجاري.

3- التصعيد عسكرياً ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا والذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية تمثل امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتقوم بقصف مواقعه في شمال سوريا، فعادة ما تتهم تركيا الحزب الكردي بتقديم دعم عسكري لأكراد تركيا في مواجهة الدولة التركية، وهو ما ظهر في إعلان وزارة الداخلية أن الفتاة المتورطة في الحادث الأخير تلقت تدريباً على يد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، فضلاً عن التصعيد السياسي في مواجهة الحزب لعدم إشراكه في مفاوضات حل الأزمة السورية، والسعي لإيقاف المساعدات التي يحصل عليها من بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في مواجهة تنظيم داعش.