أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

ارتدادات إقليمية:

حدود التصعيد الغربي ضد انتشار "فاجنر" الروسية في مالي

31 ديسمبر، 2021


أصدرت 15 دولة غربية، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا، بياناً مشتركاً، في 23 ديسمبر 2021، نددت خلاله بنشر عناصر شركة "فاجنر" الروسية في مالي، وهي الخطوة التي تأتي بعد أيام قليلة من فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الشركة العسكرية الروسية الخاصة، مما يعكس مؤشرات مهمة بشأن احتمالات أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التصعيد الغربي ضد التوسع الروسي في القارة الأفريقية.

مشهد معقد

يمكن الإشارة إلى جملة من الدوافع التي قد تفسر أسباب التصعيد الغربي الراهن، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- الدعم العسكري الروسي: توصلت السلطات المالية إلى اتفاق مع موسكو في سبتمبر 2021، يتضمن نشر شركة فاجنر الروسية العسكرية الخاصة حوالي ألف من عناصرها في باماكو مقابل الحصول على 10 ملايين دولار شهرياً، وهو ما أدى إلى إثارة مخاوف القوى الأوروبية، والتي هددت بإمكانية سحب قواتها الموجودة في مالي كافة، فضلاً عن وقف الدعم المالي لها. 

وعكس البيان الغربي الأخير أن مرتزقة فاجنر قد بدؤوا بالفعل عملية انتشارهم داخل باماكو بدعم من الحكومة الروسية. فقد أشارت تقديرات فرنسية إلى أن الأيام الأخيرة شهدت عمليات مناوبة جوية متكررة، لطائرات نقل عسكرية تابعة للجيش الروسي، فضلاً عن وجود تحركات داخل مطار باماكو لتدشين منشآت تستوعب عدداً كبيراً من عناصر فاجنر، وذلك في القاعدة المتاخمة لمطار باماكو، والتي يطلق عليها قاعدة "101"، كما رصدت التقارير الفرنسية عدة زيارات لكوادر من شركة فاجنر إلى العاصمة المالية.

وأشار تقرير صادر عن السي إن إن إلى أن بيانات تتبع الرحلات كان قد أظهرت، خلال الأسبوع الماضي، أن طائرة تابعة للقوات الجوية الروسية من طراز "توبوليف تو 154" (TU- 154) قد حلقت في المجال الجوي المالي، قادمة من بنغازي في ليبيا، بينما أشارت تقارير أخرى إلى استقبال مطار باماكو، في 23 ديسمبر الجاري، حوالي 500 عنصر من مرتزقة فاجنر. 

وفي المقابل، نفت الحكومة المالية هذا الأمر، مؤكدة أن العناصر الموجودة داخل بماكو هم فقط مدربون روس، في إطار تعزيز القدرات العملياتية للقوات المالية، وهو ما أكد الهواجس الغربية. 

2- فشل المساعي الفرنسية: ألغى الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، زيارته إلى مالي منتصف ديسمبر الجاري، بدعوى تفشي وباء كورونا المستجد ومتحوره الجديد "أوميكرون"، بيد أن ثمة تقديرات رجحت أن إلغاء الزيارة ارتبط بتمسك باماكو بالتقارب مع موسكو، رافضة المقترحات الفرنسية لإعادة النظر في الاتفاق مع روسيا.

كما أجرى ماكرون مباحثات مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتن، في 21 ديسمبر الجاري، تضمنت بحث التطورات الراهنة في مالي، ومحاولة التوصل إلى تفاهمات مع موسكو بشأن منع انتشار عناصر فاجنر من الانتشار في باماكو، وهي المساعي التي لم يكتب لها النجاح، وهو ما وضح في إعلان روسيا في 27 ديسمبر تمسكها بدعم الحكومة المالية وتقديم المساعادات العسكرية لباماكو.

3- إخفاق التحركات الغربية: لاقت التحركات الفرنسية دعماً غربياً واضحاً خلال الأشهر الأخيرة، إذ جرت زيارات مكثفة من قبل القوى الغربية لإقناع مالي بعدم إتمام الاتفاق مع موسكو. وكان أبرزها زيارة وفد من مجلس الأمن إلى مالي في نهاية أكتوبر الماضي، كما عمدت القوى الغربية إلى الضغط عليها عبر فرض عقوبات من خلال مجموعة دول غرب أفريقيا "إكواس". 

ووافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في 13 ديسمبر الجاري، بالإجماع على قرار يتضمن فرض عقوبات على مجموعة فاجنر الروسية، فيما عبرت واشنطن، منتصف ديسمبر، عن قلقها إزاء احتمالات نشر مرتزقة فاجنر في مالي، مشيرة إلى رفض الحكومة الانتقالية في باماكو لمقترح نشر أكثر من ألفي جندي إضافي من قوات حفظ السلام الدولية، وذلك كبديل عن نشر فاجنر. 

وإزاء الموقف المالي الرافض للضغوط السابقة، حذر وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، في 22 ديسمبر الجاري، السلطات المالية من عواقب وخيمة، اقتصادية وأمنية، حال السماح لمرتزقة فاجنر بالوجود في باماكو، وهو ما أعقبه في اليوم التالي مباشرة البيان الأخيرة الصادر عن 15 دولة غربية للتنديد بالموقف المالي.

دلالات مهمة

تعكس التطورات الأخيرة التي شهدتها مالي خلال الفترة الأخيرة، عدداً من الدلالات المهمة، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تعزيز الحضور الروسي في مالي: اخفقت الجهود الفرنسية والغربية في الحيلولة دون إتمام الاتفاق بين روسيا والمجلس العسكري الحاكم في مالي، مما يعكس انتصاراً ضمنياً لموسكو في مواجهة التحركات الغربية المكثفة خلال الفترة الأخيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تقديرات أخرى أشارت إلى أن العناصر التي وصلت إلى مالي بالفعل في 23 ديسمبر الجاري، لا تنتمي لمجموعة فاجنر شبه العسكرية، لكنها تابعة لشركة "سيوا سيكيورتي" (Sewa Security Services ) العسكرية الخاصة، القريبة من وزارة الدفاع الروسية، والتي يديرها، ديمتري موزير، وهي الشركة التي تنشط في أفريقيا الوسطى. ولعل هذا ما قد يفسر إعلان الحكومة المالية بأنه لم تتواصل مطلقاً مع شركة فاغنر، بل أن المحادثات اقتصرت على الحكومة الروسية فقط.

وأياً ما كان الأمر، فإن وجود شركات روسية عسكرية في مالي يمثل خطوة مهمة في إطار مساعي موسكو لتعزيز نفوذها في منطقة الساحل والصحراء، بل أن وجود عناصر شركة "سيوا سيكورتي" القريبة من وزارة الدفاع الروسية ربما يعزز التقديرات التي أشارت لوجود مساعٍ روسية لتدشين قاعدة عسكرية لها في باماكو.

2- غياب واشنطن عن البيان الغربي: عكس البيان الغربي الأخير غياباً أمريكياً ملحوظاً عن المشاركة في التوقيع على هذا البيان، وهو ما أرجعته تقديرات إلى وجود خلافات في الرؤى والأهداف بين القوى الاوروبية والولايات المتحدة فيما يتعلق بالموقف من الانخراط الروسي في منطقة الساحل الأفريقي.

3- استمرار الوجود الغربي في مالي: يلاحظ أن البيان الغربي الأخير ألمح إلى اتجاه القوى الأوروبية للإبقاء على حضورها العسكري في مالي، وهو ما يمثل تغيراً مهماً في الموقف الغربي، خاصة باريس، والتي كانت قد أكدت في عدة مناسبات، خلال الأشهر الأخيرة، بأن وجود عناصر فاجنر في مالي لا ينسجم مع استمرار وجود القوات الفرنسية هناك، وهو الأمر الذي أشارت إليه ألمانيا أيضاً، حيث تحفتظ الأخيرة بحوالي 1350 جندياً لها في باماكو.

ويكشف ما سبق وجود استراتيجية جديدة تقودها فرنسا، مفادها عدم ترك المجال مفتوحاً أمام النفوذ الروسي، وتجنب تكرار تجربة أفريقيا الوسطى في 2016 عندما قررت باريس إنهاء وجودها العسكري هناك، كما ألمحت عدة تقديرات إلى أن باريس عمدت إلى اقناع حلفائها الغربيين لاستمرار البقاء في مالي، حتى مع انتشار مرتزقة فاجنر.

وربما يرتبط الموقف الأوروبي بعدم الانسحاب من مالي بالأهداف الجيواستراتيجية الفرنسية الرامية إلى تعزيز الدور الأوروبي، بشكل مستقل نسبياً عن السياسة الأمريكية، فضلاً عن الأهمية الخاصة التي تحظى بها مالي بالنسبة لاستراتيجية باريس في الساحل الأفريقي، إلى جانب المصالح الاقتصادية الفرنسية الكبيرة في باماكو.

انعكاسات محتملة

هناك تداعيات محتملة قد تفرزها التطورات الأخيرة في مالي، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تهديد محتمل للاستقرار في مالي: يحمل القرار الغربي باستمرار الوجود العسكري في مالي مؤشرات مهمة بشأن الاستقرار الداخلي هناك. وفي هذا الصدد، أشارت تقديرات إلى أن الغرب بدأ مؤخراً اللجوء إلى المعارضة الداخلية في مالي لتحريكها ضد السلطات الانتقالية، وهو ما عززته تقديرات غير مؤكدة أشارت إلى تقديم الاتحاد الأوروبي دعماً مالياً لعدد من الأحزاب المالية المناهضة لفكرة التقارب مع روسيا.

ومن ناحية أخرى، ربما يتحول التنافس الغربي – الروسي في مالي إلى حرب بالوكالة بين السلطات الانتقالية وبعض الميليشيات المسلحة في باماكو، وهو الأمر الذي كان قد ألمح إليه رئيس الوزراء المالي، شوغويل مايغا، والذي أتهم باريس بتدريب جماعات إرهابية داخل مالي، مشيراً إلى وجود أدلة على ذلك، كما أضاف الوزير المالي أن فرنسا منعت قوات الجيش المالي من دخول مدينة كيدال، وعمدت إلى تسليمها إلى عناصر من حركة "أنصار الدين".

2- ترتيبات إقليمية متنافسة: اتهمت وسائل إعلام فرنسية الجزائر بتمويل ما بين 50٪ إلى 70٪ من تكلفة صفقة جلب "فاجنر" إلى مالي، وهو ما يعكس وجود تنسيق جزائري – روسي خلال الفترة الأخيرة لتعزيز أدوارهما وتحركاتهما في الساحل الأفريقي.

ومن ناحية أخرى تعكس التحركات الأوروبية الراهنة وجود مساعٍ لتشكيل شبكة تحالفات جديدة للغرب في أفريقيا، كما في التحضيرات الراهنة للقمة الأوروبية – الأفريقية المقبلة، والتي ستستضيفها بروكسل في 17 فبراير المقبل، فضلاً عن الاتصالات التي أجراها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال الأيام الأخيرة بكل من رواندا والسنغال. وبالتالي يبدو أن التنافس الروسي – الغربي سوف ينعكس على مزيد من الدول الأفريقية.

وفي التقدير، يمكن القول إن دخول قوات فاجنر إلى مالي يؤشر إلى بدء مرحلة جديدة من التنافس الروسي – الأوروبي، والذي يرجح ألا تقتصر تداعياته على الاستقرار في مالي وحدها، ولكنه قد يمتد ليشمل دولاً أفريقية أخرى، خاصة إذا ما بدأت عملية تشكيل تحالفات إقليمية متنافسة تتبلور على أراضي القارة الأفريقية.