أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

فرص الأزمات:

كيف يمكن الاستفادة من التحولات المفاجئة في العالم؟

13 أغسطس، 2020


بددت الأزمات المتتالية التي شهدها العالم منذ بداية عام 2020 فقاعة الأمن النسبي، وتصورات القدرة على التوقع التي هيمنت على مدركات الأفراد على مدار العقد الماضي، وارتبطت بالتقدم العلمي واتجاهات تطويع الطبيعة والسيطرة عليها؛ إذ لم تكن جائحة كورونا سوى تجلٍّ وحيدٍ لعالم تدفع حركته الأزمات والتحولات المفاجئة على مستوى السياسة والاقتصاد والمجتمع. وفي ظل تحول "البجع الأسود" بمفهوم "نسيم طالب" إلى "الوضع العادي الجديد" الذي ينبغي التعايش معه والاعتياد عليه؛ فإن التعامل مع الأزمات ينبغي أن يتجاوز الاحتواء والمواجهة والارتداد للحالة الطبيعية إلى الاستفادة من الأزمات واستغلال الفرص النابعة من السياقات المصاحِبة لها. 

تطور "نوافذ الفرص": 

لا خلاف على المضمون السلبي لمفهوم الأزمة في الأدبيات النظرية والسرديات السائدة، فالأزمة تنطوي -وفقًا للتعريفات المصطلح عليها- على مضامين مثل: التهديدات، واختلال التوازن، والمفاجأة، ونقص المعلومات، وعدم التوقع؛ ما يجعلها ضمن الحالات الكلاسيكية لاختبار فاعلية صنع القرار. وقد درجت المقررات الدراسية في حقل العلاقات الدولية على تحليل صنع القرار خلال أزمات، مثل: أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، وأزمة الرهائن بالسفارة الأمريكية في إيران عام 1979. وفي السياقات الإقليمية يتعرض الباحثون لتحليل تطورات تاريخية، مثل: العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحرب 1967، والتعامل الإسرائيلي مع حرب 1973.

ولا ينفي هذا النهج المدرسي المتعارف عليه أن الأزمات في واقع الأمر تحمل جانبًا غير مظلم وبعيدًا عن منظورات التحليل، وهو الفرص التي تتولد عرضًا عن السياقات الضاغطة التي يكفل استغلالها تغيرات هيكلية في التفاعلات الإقليمية والدولية، بما يكفله ذلك من إمكانية تأسيس توازن جديد قائم على أسس أكثر صلابة وأقل انكشافًا أمام التحولات المفاجِئة. 

وقد يكون من الملائم القول إن تطور تاريخ العلاقات الدولية كان مدفوعًا بالأزمات والتطورات المفاجئة التي يمكن اعتبارها بمثابة "نوافذ فرص" زمنية (Windows of Opportunities) لتجاوز استاتيكية "الوضع الراهن" (Status Quo)، ووضع أسس جديدة للتفاعلات بين الأطراف الدولية في إطار واقع جديد. 

وبالعودة للتاريخ، فإن أزمات تضمنت مخاوف من الانجراف لحافة الهاوية، مثل أزمة الصواريخ الكوبية، أفرزت ترتيبات قوية للتواصل بين القوى النووية، وخطوطًا ساخنة للاتصال في وقت الأزمات، بينما ترتب على الحروب العالمية الكبرى تقدم كبير في مجال التنظيم الدولي والدبلوماسية، وتطور مماثل في القانون الدولي، بهدف ضبط التفاعلات بين الدول، أما مأساة إلقاء القنبلتين النوويتين خلال الحرب العالمية الثانية على هيروشيما ونجازاكي فقد جعلت الأسلحة النووية غير قابلة للاستخدام فعليًّا بسبب الخسائر البشرية التي تترتب عليها، ووضعت قيودًا أخلاقية وقانونية وتنظيمية على توظيف هذا السلاح في التفاعلات بين الدول، ناهيك عن القيود المشددة على تطويره وامتلاكه وتداوله، وهو ما ينطبق على أسلحة الدمار الشامل. 

ولا تعد الأزمات الاقتصادية استثناءً عن هذا المنطق، فالكساد الكبير في عام 1929 ولّد قوة دافعة لتقدم علم الاقتصاد، وسياسات ضبط المحركات الرئيسية للاقتصادات الوطنية، وضبط الاستقرار المالي، ناهيك عن التوسع لاحقًا في أدوار البنوك المركزية، ثم تأسيس نظام "بيرتون وودز" والمؤسسات الاقتصادية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرها من تدابير الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. 

وينطبق الأمر ذاته على الأزمة المالية العالمية في عام 2008 التي جعلت أسواق المال ومؤسسات القطاع المصرفي تخضع لقيود مشددة وضوابط تضعها البنوك المركزية ومؤسسات الرقابة المالية، بالإضافة للمراقبة على التفاعلات الاقتصادية ضمن موجة من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية لضبط القطاع المصرفي.

ما بعد "العلاج بالصدمة": 

تُعد لحظةُ وقوع الأزمات والكوارث ذاتها وكيفية إدارتها والتعامل معها موضع تركيز لطائفة كبيرة من الأدبيات التي تناولت "إدارة الأزمات" (Crisis Management)، و"إدارة المخاطر" (Risk Management)، والمرونة، والارتداد للوضع الطبيعي (Resilience)، و"رأسمالية الكوارث" (Disaster Capitalism)، و"عقيدة الصدمة" (Shock Doctrine)، واستراتيجية "العلاج بالصدمة" (Shock Therapy)، وغيرها من المفاهيم المرتبطة بالتطورات المفاجئة وغير المتوقعة. 

وفي كتابها المعنون "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث" الصادر عام 2009، تطرح "ناعومي كلاين" رؤية شديدة الانتقاد لتعامل اقتصاد السوق الحر مع الكوارث والأزمات عبر سياسات "العلاج بالصدمة"، حيث أشارت إلى أن "رأسمالية الكوارث" تقوم باستغلال الأحداث الطارئة لتمرير سياسات اقتصادية واجتماعية لا تحظى بشعبية في الأوضاع الطبيعية. 

ويأتي ضمن هذه الاتجاهات آراء "ميلتون فريدمان" حول التغيير الذي ينتج عن الأزمات وضرورة استغلال لحظة الأزمة لفرض تغييرات دائمة وهيكلية، مثل: الخصخصة، وتخفيض مستويات الدعم الاقتصادي، وأجندة إصلاحات اقتصاد السوق الحر القائمة على تحجيم تدخل الدولة في الاقتصاد، وخفض الإنفاق الحكومي، وإطلاق العنان لحرية السوق، ومركزية أدوار الشركات والقطاع الخاص.

وعادةً ما تتم إحاطة تلك الأفكار بزخم من الانتقادات والإدانة بسبب النفعية والانتهازية في وقت الكارثة، كما استغلت اتجاهات اليسار هذه الرؤى واتهمت الرأسمالية والكيانات الاقتصادية الكبرى ومؤسسات التمويل الدولية بالمسؤولية عن وقوع الكوارث والأزمات ذاتها، وتختلط في هذا الإطار الحقائق بالتأويلات ونظريات المؤامرة.

وفي خضم هذه السجالات، يظهر الاحتياج لتجاوز التحيزات المسبقة والاستقطاب الأيديولوجي حول العلاقة بين الأزمات والتغيير عبر البحث عن الفرص التي تظهر أثناء أو عقب وقوع الأحداث المفاجئة، والتي يمكن لمختلف الفاعلين (الأفراد، والجماعات، والمؤسسات والدول) الإفادة منها في تقليص تكلفة الأزمة، واحتواء تأثيراتها، والحد من الخسائر المترتبة عليها، وتحقيق بعض العوائد السياسية والاقتصادية والرمزية عبر استغلال قوة الدفع الضخمة المصاحِبة للأزمات، والاختبار الذي تمثله لمكامن القوة والضعف للأطراف المنخرطة في مواجهتها، ثم مراجعة مدى كفاية الاستعدادات الاحترازية للتحصين في مواجهة الأزمات والكوارث القادمة، والتكيف مع الواقع الجديد. 

تحولات الواقع الجديد:

قد يبدو الطرح السابق متجاوزًا للحظة الأزمة ذاتها بما تنطوي عليه من ضغوط وخسائر ضخمة وتعقيدات ومفاجأة وافتقاد للمعطيات والمعلومات؛ إلا أن الواقع الجديد قيد التشكل في العالم يجعل الاعتقاد اليقيني في وجود فرصة تلوح في الأفق في خضم الأزمة شديد الأهمية في تجاوز حالة الارتباك وانعدام الحيلة في مواجهة الأزمات المتتالية. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن الأزمات تُعد قوى محركة (Driving Forces) لتطور العالم، وإن اعتيادنا على ذلك واستيعابنا لهذا المنطق يجعلنا أكثر قدرة على التفاعل مع المعطيات الجديدة، والخروج من "دوامة الفوضى" (Spiral of Chaos) التي تَنتج عن تتابع الأزمات. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن أنماط الفرص النابعة من أزمات "عالم 2020" قد تتضمن ما يلي:

1- صعود أولوية "السياسات الدنيا": لم تعد الرعاية الصحية والتعليم والعمل قطاعات تخضع لأولوية متراجعة نسبيًّا مقارنة بالأمن والسياسة، حيث أصبح التصنيف التقليدي ما بين "السياسات الدنيا" (Low Politics) و"السياسة العليا" (High Politics) غير قابل للاستمرار بعد ما كشفت عنه جائحة كورونا من مركزية الاستثمار في نظم الرعاية الصحية، وأهمية امتلاك الطاقة الاستيعابية للتعامل مع الأعداد الكبيرة من المصابين في حال تفشي العدوى، والقدرة على البناء السريع لمستشفيات جديدة، وتخصيص مناطق للحجر الصحي وعزل المصابين، بالتوازي مع امتلاك مؤسسات متقدمة للبحوث والتطوير للعمل على تطوير لقاح لمواجهة انتشار الفيروس مستقبلًا.

2- إعادة الاعتبار للدولة: كشفت الأزمات المتتالية عن مدى أهمية دور الدولة القوي في مواجهة الأزمات والكوارث، وأن السرديات المناهِضة للدولة والداعية لعالم بدون دول -سواء عبر الاندماج في كيانات أكبر أو الانصهار العالمي- لا تعبر سوى عن خيالات يوتوبية تتجاوز الاحتياج الإنساني لمركز للسلطة لوضع القواعد وفرضها. فعلى سبيل المثال، شهدت جائحة كورونا صعودًا للدول المركزية التي تمكّنت من احتواء العدوى عبر إجراءات صارمة. 

وفي السياق نفسه، تضع الأزمات العلاقة بين الدولة والمجتمع تحت الاختبار؛ إذ إن الإدارة الأكثر فاعلية للأزمات ترتبط بوجود دولة قوية ومجتمع متماسك لديه ثقة في السلطة السياسية، في مقابل تدني فاعلية إدارة الأزمة في الدول الضعيفة التي تعاني من ضعف المؤسسات السياسية، وتصدع علاقات الثقة التي تربطها بالمجتمع. 

3- منافع "الفرصة الثانية": تتضمن الأزمات دروسًا مستفادة شديدة التأثير لا يتم تجاوزها بسهولة، سواء للأطراف الأكثر تضررًا من حدوثها أو للفاعلين المراقبين لتأثيراتها وانعكاساتها. وعلى سبيل المثال، فإن انفجارات مرفأ بيروت في لبنان على قدر المآسي التي تسببت بها للشعب اللبناني فإنها قد كشفت بجلاء عن تكلفة عدم الاستقرار، والاستقطاب السياسي، والافتقاد للتوافق السياسي، فضلًا عن مخاطر التداخل بين الدولة والميليشيا وصفقات تقاسم المصالح بين الفرقاء. وعلى المستوى الخارجي فإنها دفعت العديد من الدول لمراجعة إجراءات تخزين المواد الخطرة، وإبعادها عن المراكز الحضرية، وتعزيز الإجراءات الاحترازية في مواجهة الأزمات المماثلة. 

4- تمرير الإصلاحات المكلفة: قد تستغل بعض الدول الأزمات الاقتصادية العالمية لتمرير سياسات الإصلاح الاقتصادي ذات التكلفة المرتفعة اجتماعيًّا، وهو ما ينطبق على استغلال انخفاض أسعار البترول لرفع الدعم الحكومي تدريجيًّا لتقليل عجز الموازنة، كما قد تتضمن بعض الكوارث الطبيعية فرصًا لإعادة تأسيس البنية التحتية المتهالكة، وتشييد منشآت تراعي معايير السلامة والأمان. ويمكن للدول المتضررة من الأزمات كذلك توظيف التضامن المجتمعي، والاصطفاف خلف صناع القرار لتمرير قرارات مهمة ذات تكلفة سياسية مرتفعة لم يكن من الممكن للرأي العام قبولها في الأوضاع العادية.

5- تعزيز الذاكرة القومية للكوارث: لا تمر الأحداث التي تتضمن خسائر مؤلمة دون أن تترك أثرًا في التكوين الثقافي للشعوب، حيث تتشكل "الذاكرة القومية للكوارث" (National Disaster Memory) التي تجمع خبرات التعامل مع الكوارث والأزمات والتعلم من الأخطاء والاعتياد على عملية التعافي بهدف استرجاعها عند حدوث مواقف مشابهة في المستقبل، حيث تتكون هذه الخبرات فرديًّا وجماعيًّا ويتم تناقلها عبر الأجيال. وتشير بعض الدراسات إلى أن الإشكالية الكبرى للكوارث في الدول النامية تتمثل في أنها "كوارث بلا ذاكرة" (Disaster Without Memory)، مما يزيد العجز والانكشاف أمام الكوارث والأزمات في المستقبل بسبب الافتقار لدليل التعامل مع هذه المواقف الذي ينتج عن تسجيل وحفظ واسترجاع الخبرات السابقة.

6- صناعة النماذج الناجحة: يعزز بعض الفاعلين أرصدتهم من القوة الناعمة عبر صناعة نموذج ناجح في إدارة الأزمات، واحتواء تأثيراتها، والتقليل من الخسائر، والتعافي السريع والارتداد للوضع الطبيعي. وتتعدد نماذج تجاوز الأزمات والكوارث التي يتم الاحتفاء بها عالميًّا، مثل نماذج التعافي الألماني والياباني من الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية، ونموذج تجاوز دبي لتأثيرات الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتجاوز جنوب إفريقيا لإرث الفصل العنصري. وقد أنتجت جائحة كورونا نماذج لوحدات دولية تمكّنت من إدارة الأزمة بكفاءة، مثل: نيوزيلندا، وهونج كونج، وتايوان، والإمارات، وسنغافورة.

7- دبلوماسية التضامن الإنساني: تنطوي الأزمات على فرص لبعض الدول للقيام بأدوار دبلوماسية تعزز من شرعيتها ومكانتها في النظام الدولي، مثل: القيام بأدوار الوساطة والتوفيق بين أطراف الصراعات بعد تفجرها، أو تقديم المساعدات والإغاثة الإنسانية للدول المتضررة من الكوارث. وقد أشارت العديد من المصادر الغربية إلى مصطلح "الدبلوماسية الطبية" و"دبلوماسية الأقنعة الطبية" التي اتّبعتها الصين خلال جائحة كورونا عبر توفير المستلزمات الطبية للدول الأكثر تضررًا من الجائحة مثل إيطاليا وإيران، مما مكّنها من تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية في مواجهة الاتهامات الغربية والأمريكية بالتسبب في تفشي الجائحة بسبب إشكاليات إتاحة المعلومات.

8- تحفيز الابتكار والتطوير: تولّد السياقات الضاغطة المصاحِبة للكوارث والأزمات طاقات ضخمة للابتكار والتطوير للتكيف مع الواقع الجديد ومواجهة المشكلات المعقدة والحد من الخسائر. فعلى سبيل المثال، أنتجت سياقات الحرب العالمية الثانية العديد من الابتكارات والاختراعات في المجالات العسكرية لدى كافة الدول المنخرطة في الحرب الدامية، ثم وجدت بعض التقنيات العسكرية طريقها للحياة المدنية عقب انتهاء الحرب. كما أفرزت جائحة كورونا العديد من الابتكارات، مثل: توظيف الدرونز في تطبيق الإجراءات الاحترازية، وتطوير تطبيقات تقييم أعراض الإصابة بكورونا. وفي مجال الأعمال، وجدت بعض الأفكار طريقها للتطبيق، مثل: الاقتصاد التشاركي، وتبادل العمالة، والتوسع في العمل عن بعد، وتحويل الأنشطة والمنتجات لتتلاءم مع واقع الأزمة.

9- مكاسب تلبية الاحتياجات: أدرك بعض الفاعلين سريعًا أن عالم كورونا مختلف بصورة جذرية عن سابقه، وأن احتياجات متعددة قد نشأت عن الجائحة، وهو ما دفعهم للاستثمار في تطوير آليات ووسائل لتلبية هذه الاحتياجات في مقابل تحقيق أرباح ومكاسب كبيرة، فشركات الأزياء بدأت في تصنيع الأقنعة الطبية من خامات مختلفة، وبتصميمات شديدة الجاذبية لاستغلال الاحتياج لارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، وعملت منصات التجارة الإلكترونية على استغلال إجراءات الإغلاق في تعزيز قدراتها على توصيل الطلبات للمنازل دون تلامس، كما ازدهرت تطبيقات التعليم عن بعد وتطبيقات الاتصال والاجتماعات وإدارة فرق العمل بصورة افتراضية ومنصات البث والترفيه.

10- اتجاهات التنويع الاحترازي: تخلق الأزمات شعورًا بعدم الأمان والخوف من المستقبل، وهو ما يدفع الأفراد والشركات والدول للبدء في تبني إجراءات احترازية استعدادًا للأزمة القادمة أو الكارثة غير المتوقعة. ومن هنا تتبلور اتجاهات تنويع الأصول، فالاضطرابات في أسعار النفط العالمية تدفع الدول بقوة لتنويع اقتصاداتها، وتعزيز القطاعات الصناعية والخدمية، والاستثمار في التكنولوجيا استعدادًا للمستقبل. وقد أدت اضطرابات سلاسل الإنتاج والتوزيع العالمية إلى بدء الدول في بناء شبكات بديلة تتضمن مراكز متعددة للإنتاج الصناعي والتوزيع، فضلًا عن تعزيز قوة الصناعة الوطنية حتى لا تقع مجددًا في ضائقة الاحتياج لبعض المستلزمات الأساسية. وفي خضمّ الأزمات الاقتصادية عادةً ما تتجه الكيانات الاقتصادية لتنويع المنتجات ومجالات النشاط تحسبًا لتأثيرات الأزمات المستقبلية، واحتمالات التعرض لخسائر بسبب ضعف الطلب على بعض السلع أو الخدمات. 

وفي المحصّلة النهائية، لا تنفي الفرص الجانبية التي تظهر في خضم الأزمات والكوارث أو عقب انتهائها واقعَ الخسائر والتكلفة الضخمة التي يتم تحملها من جانب الدول والمؤسسات والجماعات والأفراد، وتحديات عمليات التعافي وإعادة البناء والارتداد للوضع الطبيعي؛ إلا أن الانجراف في دوامة الرثاء الذاتي ونوستالجيا ما قبل الأزمة يكبح التطلع بإيجابية للواقع الجديد، وكيف يمكن الإفادة منه وتحسينه، وتقليل الخسائر المتوقعة، بل وتحقيق قدرٍ من المكاسب أيضًا.