أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

أهمية خاصة:

لماذا تتمسك كتائب حزب الله العراقية بالبقاء في الأنبار؟

29 أبريل، 2020


تمثل محافظة الأنبار العراقية بؤرة مركزية ورأس حربة في تحركات ميليشيات الحشد الشعبي بشكل عام وكتائب حزب الله بشكل خاص. وتتمثل أبرز المؤشرات التي تدلل على الحضور العسكري المكثف للأخيرة بمحافظة الأنبار في تصاعد حدة الاستياء من وجودها في المحافظة، والتركيز الأمريكي الأخير على استهداف حضورها العسكري فيها، في ظل التصعيد المستمر بين إيران وتلك الميليشيات من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. 

ويأتي اهتمام الكتائب بتعزيز وجودها في الأنبار انطلاقاً من جملة من المُحفِّزات، تتعلق بأهميتها الجغرافية الاستراتيجية، والسعى لتأمين الطريق البري الممتد من إيران إلى البحر المتوسط عبرها من أجل مواصة دعمها للنظام السوري وحزب الله اللبناني، ومحورية موقعها في الصراع الإيراني- الأمريكي.

مؤشرات كاشفة: 

يبدو من خلال متابعة تحركات ميليشيات الحشد الشعبي بشكل عام وكتائب حزب الله بشكل خاص على الأرض في العراق خلال الفترة الأخيرة، أن تلك الميليشيات حريصة على أن يكون لها موطئ قدم في محافظة الأنبار غرب العراق. ويمكن رصد أبرز المؤشرات التي تدلل على الحضور العسكري المكثف لكتائب حزب الله في محافظة الأنبار، وذلك من خلال ما يلي: 

1- تصاعد حدة الاستياء من نفوذ الميليشيا في المحافظة: على نحو يبدو جلياً في مطالبة حزب الحل بزعامة جمال الكربولي، في بيان أصدره في 22 إبريل الجاري، بسحب ميليشيا حزب الله من محافظة الأنبار بشكل فوري وتحديداً من المناطق السكنية ومزارع المواطنين، مبرراً تلك المطالبة بتذمر المواطنين في المحافظة من تصرفات منتسبي الميليشيا. واقترح الحزب استقدام قوات الجيش العراقي بدلاً من تلك الكتائب. كما طالب بتعويض أصحاب المناطق التي شغلتها قطاعات الميليشيا العسكرية والمشاريع الزراعية المعطلة منذ 3 سنوات وبما يضمن حقوق المتضررين قانونياً.

2- التركيز الأمريكي الأخير على استهداف وجود الميليشيا في الأنبار: كان لافتاً حرص الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية ديسمبر الماضي، على استهداف 5 مواقع لميليشيا حزب الله في العراق وسوريا، 3 مواقع منها في محافظة الأنبار، وموقعين في الداخل السوري، رداً على الهجمات الصاروخية التي استهدفت القواعد الأمريكية في العراق. جدير بالذكر أن تقارير صحفية وإعلامية أشارت، في 18 يناير الماضي، إلى أن ميليشيا حزب الله شيدت معسكراً جديداً لها على الحدود مع سوريا، بديلاً عن المعسكر السابق الذي دمرته المقاتلات الأمريكية.

ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن تصاعد حدة المواجهات، المباشرة وغير المباشرة، بين إيران وتلك الميليشيات من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، لاسيما بعد أن قامت الأخيرة بالرد على الهجمات التي تعرضت لها مصالحها وسفارتها في العراق، في نهاية ديسمبر الماضي، عبر شن عملية عسكرية أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، في 3 يناير الماضي، والتي ردت عليها إيران بتوجيه ضربات صاروخية ضد قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية، بعد ذلك بخمسة أيام، منها قاعدة عين الأسد في الأنبار.

مُحفِّزات دافعة: 

دائماً ما تبرر ميليشيات الحشد الشعبي، ومن بينها كتائب حزب الله، وجودها في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، وهى محافظات ذات غالبية سنية، بذريعة حمايتها من عودة عناصر تنظيم "داعش" إليها عبر تسللها من سوريا للداخل العراقي. وعلى الرغم من تلك التبريرات، يأتي اهتمام ميليشيا حزب الله بتعزيز وجودها في محافظة الأنبار انطلاقاً من جملة من المُحفِّزات، والتي تتمثل في الآتي: 

1- الأهمية الجغرافية الاستراتيجية للمحافظة: تعتبر الأنبار من أكبر المحافظات العراقية، وتحظى بموقع استراتيجي هام، لاسيما أنها تقع على الحدود المشتركة مع بعض دول الجوار.

2- تأمين الطريق البري الممتد من إيران للبحر المتوسط: تقع محافظة الأنبار في قلب الطريق البري الذي تستخدمه طهران وميليشياتها في كل من العراق وسوريا ولبنان لنقل المقاتلين والسلاح عبر تلك الدول من إيران وحتى سواحل سوريا على البحر المتوسط.

3- محورية المحافظة في الصراع مع واشنطن: تكتسب الأنبار أهمية كبيرة في خضم الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية وإيران والميليشيات الموالية لها من ناحية أخرى، حيث لطالما كانت هناك حشود مضادة من الجانبين على أراضي تلك المحافظة، فعلى سبيل المثال تضم المحافظة قاعدة عين الأسد التي توجد بها قوات أمريكية وهى ثاني أكبر القواعد الجوية في العراق. كما تتواجد ميليشيا حزب الله على مقربة من الحضور العسكري الأمريكي في المحافظة. 

جدير بالذكر أن القوات الأمريكية انسحبت مؤخراً من مواقعها في القائم وقاعدة الحبانية غرب الأنبار بهدف إعادة الانتشار في قواعد كبرى أكثر تحصيناً، والاستعداد لمواجهات محتملة مع إيران. وتعتبر قاعدة التنف الأمريكية في سوريا، والتي تقع عند مثلث الحدود السورية- العراقية- الأردنية وبمحاذاة محافظة الأنبار، أحد أبرز مؤشرات الحرص الأمريكي على التواجد على مقربة من محافظة الأنبار لإدراك واشنطن لأهمية تلك المحافظة في الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. 

رأس حربة: 

من الواضح إذن أن محافظة الأنبار ستكون، في الغالب، ساحة محتملة للمواجهات المستمرة بين إيران والميليشيات الموالية لها من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، حيث لا يبدو أن المواجهة التي اندلعت في يناير الماضي سوف تكون الأخيرة بين الطرفين، خاصة أن إيران ما زالت ترى ضرورة رفع كُلفة العملية العسكرية التي شنتها واشنطن وأسفرت عن مقتل سليماني والمهندس، عبر ضربات غير مباشرة خلال المرحلة القادمة، قد تتحول، في لحظة ما، إلى مواجهة مباشرة جديدة.