أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

دلالات التوقيت:

لماذا أطلقت إيران القمر الصناعي الجديد "نور 1"؟

26 أبريل، 2020


لا يبدو التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية جديداً، فهو عنوان رئيسي للتفاعلات التي تجري بين الطرفين على مدى السنوات الأخيرة، إنما الجديد في الأمر يكمن في مستواه وتوقيته. فاللافت في المرحلة الجديدة من التصعيد، التي شملت إطلاق القمر الصناعي الجديد "نور 1" المخصص للأغراض العسكرية واقتراب زوارق تابعة للحرس الثوري من قطع عسكرية أمريكية في الخليج العربي، أنها جاءت في الوقت الذي يتواصل فيه تمدد فيروس "كورونا" في أنحاء مختلفة من العالم، ولاسيما في إيران والولايات المتحدة الامريكية، وبعد نحو أقل من أربعة أشهر على المواجهة المباشرة التي اندلعت بين الطرفين عقب مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وبعد أكثر من شهرين على فشل التجربة الصاروخية الأخيرة التي أجرتها إيران في 9 فبراير الماضي. 

إجراءات متعددة:

أعلن الحرس الثوري، في 22 إبريل الجاري، عن إطلاق أول قمر صناعي مخصص للأغراض العسكرية "نور 1" نحو مدار يبعد عن سطح الأرض بـ425 كيلومتر على متن الصاروخ "قاصد". وقبل نحو أسبوع من ذلك، اقترب 11 زورقاً إيرانياً من سفن أمريكية في مياه الخليج العربي. 

واللافت في هذا السياق، هو أن التصعيد الأخير جاء بعد نحو عام من اقتراب المواجهة بين واشنطن وطهران من حافة الهاوية، بعد الإجراءات العسكرية المتبادلة التي تبناها الطرفان، على غرار إسقاط طائرة أمريكية من دون طيار في 20 يونيو 2019 ونشر أسلحة عسكرية أمريكية متطورة في المنطقة.

دوافع مختلفة:

يمكن تفسير تجدد التصعيد مرة أخرى بين واشنطن وطهران في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- ارتدادات الفيروس: اعتبرت إيران أن حرص إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منح الأولوية لمكافحة "كورونا" قد يساهم في توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها فيما يتعلق باتخاذ تلك الإجراءات، دون أن تكون هناك مغامرة كبيرة، في رؤيتها، للتعرض لرد فعل أمريكي قوي، على غرار الضربة التي تعرضت لها في 3 يناير الماضي، بعد أن اتهمتها واشنطن بمحاولة تهديد مصالحها في العراق.

2- استيعاب الأزمة: ربما يحاول الحرس الثوري توجيه رسائل إلى الداخل والخارج بأنه تجاوز الأزمة القوية التي تعرض لها بمقتل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس". إذ أن سليماني لم يكن مسئولاً فقط عن إدارة العمليات الخارجية لإيران في مناطق نفوذها، لاسيما في سوريا والعراق ولبنان، رغم أن ذلك كان الدور الأبرز الذي كان يقوم به، وإنما كان له دور أيضاً في عملية صنع القرار إزاء الملفات الأخرى، لاسيما ما يتعلق بالملفين النووي والصاروخي. وهنا، فإن غيابه مثل ضربة قوية لنفوذ الحرس الثوري، داخلياً وخارجياً، حاول استيعابها عبر الإجراءات التصعيدية الجديدة التي قام باتخاذها. 

3- اقتراب الانتخابات: قد لا يمكن فصل إقدام إيران على إطلاق القمر الصناعي الجديد والاقتراب من قطع بحرية أمريكية في مياه الخليج عن متابعتها لتطورات العملية الانتخابية الأمريكية، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث ترى اتجاهات عديدة أن إيران تريد ممارسة أقصى قدر من الضغوط على إدارة الرئيس دونالد ترامب، بالتوازي مع انشغالها بمكافحة فيروس "كورونا" ومواجهة الانتقادات الداخلية التي تتعرض لها بسبب الإجراءات التي تتخذها في هذا السياق، على أساس أن ذلك قد يضعف من فرصه في الفوز بولاية رئاسية جديدة، رغم ادعاءاتها المستمرة بأنها لا تميز بين الرؤساء الأمريكيين على أساس انتماءهم الحزبي.  

4- تجدد المواجهة: لم تعد إيران تستبعد التعرض لهجوم عسكري داخل أراضيها، خاصة بعد أن أصبحت الضربات العسكرية المحدودة نمطاً متداولاً في التفاعلات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استخدمه الطرفان في الفترة من 3 إلى 8 يناير الماضي لتوجيه رسائل متبادلة عقب التصعيد الذي طرأ على الساحة العراقية في تلك الفترة. وهنا، كان لافتاً أن بعض التحليلات التي تنشرها وسائل الإعلام الإيرانية تشير إلى أن أحد المهام التي سيقوم بها القمر الصناعي الجديد يتمثل في رصد الصواريخ التي يمكن إطلاقها باتجاه إيران.

 كما تبرز في هذا السياق تصريحات قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، في 25 إبريل الجاري، والتي قال فيها أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخطط لاستهداف مكتب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي ضمن ما أسماه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"الأهداف الثقافية" التي بلغ عددها 52 هدفاً وسبق أن هدد باستهدافها في حالة إقدام إيران على تهديد المصالح الأمريكية. 

5- احتواء الضغوط: سارع الحرس الثوري إلى اتخاذ تلك الإجراءات من أجل احتواء الضغوط التي تعرض لها على الساحتين الداخلية والإقليمية، بداية من مقتل أحد أهم مسئوليه وهو قاسم سليماني، مروراً بإسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية بعد فترة وجيزة من الإنكار، وانتهاءاً بالإخفاق في إطلاق القمر الصناعي "ظفر" في 9 فبراير الماضي بعد فشل الصاروخ الحامل له "سيمرغ" في الوصول به إلى مداره.  

تداعيات محتملة:

رغم أنه لا يمكن الحديث عن موقف دولي موحد ضد إيران، بعد إقدامها على إطلاق القمر الصناعي الجديد، خاصة في ظل الجدل المستمر حول توصيف هذا الإجراء وما إذا كان يمثل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 2231 من عدمه، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذه الخطوات سوف ترتب معطيات جديدة، أهمها تراجع زخم الحملة الدبلوماسية التي شنتها إيران على الساحة الدولية من أجل ممارسة ضغوط على واشنطن لتجميد العقوبات التي تفرضها عليها بحجة تمكينها من مواجهة تمدد فيروس "كورونا" على أراضيها، فضلاً عن تراجع فرص حصولها على القرض الذي تقدمت بطلب إلى صندوق النقد الدولي بشأنه ويبلغ 5 مليار دولار، خاصة أن الإدارة الأمريكية ما زالت تتحفظ على ذلك ويبدو أنها سوف تلقى دعماً من جانب العديد من القوى الدولية التي تبنت مواقف رافضة للإجراءات التصعيدية الإيرانية الأخيرة.