أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

احتمالات الصدام:

رؤى غربية متباينة لمقتل "قاسم سليماني"

06 يناير، 2020


إعداد: د. إيمان أحمد عبدالحليم- باحثة في الشئون العربية

أعلنت الولايات المتحدة فجر الجمعة، الثالث من يناير 2019، عن مقتل "قاسم سليماني" قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، في غارة جوية على مطار بغداد أمر بها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، فيما كان "سليماني" يستعد لمغادرة بغداد برفقة عناصر من ميليشيا "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران عندما سقطت عليهم صواريخ أطلقتها طائرة أمريكية مسيرة قرب المطار. 

المبررات الأمريكية

في تبرير للعملية التي نفذتها القوات الأمريكية في العراق، تحدث "مايكل يونج" في تحليله المنشور بمركز كارنيجي للشرق الأوسط تحت عنوان: "الولايات المتحدة قتلت قاسم سليماني، قائد فيلق القدس"، عن الدوافع الأمريكية لاغتيال "سليماني"، كونه المسؤول عن وحدة العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وأنه كان المسؤول الأول عن تنفيذ طموحات إيران الإقليمية، فيما كان يمتد نشاط الميليشيات التي كانت تأتمر بأمره خلال منطقة شاسعة من العراق إلى سوريا ومن لبنان إلى اليمن. وبحسب ما أعلن البنتاجون، فإن "سليماني" كان يطوّر بدأب خططًا لمهاجمة دبلوماسيين وعناصر عسكرية أمريكية في العراق وفي كامل منطقة الشرق الأوسط، وليعتبر اغتياله محاولة أمريكية لردع العدوان الإيراني في المستقبل، وعملًا دفاعيًّا وقائيًّا في مواجهة أي هجوم وشيك. 

وفي السياق ذاته، تحدث "إيلان جولدنبرج"، في تحليل بعنوان "هل سيؤدي رد إيران على ضرب سليماني إلى الحرب؟" عن أن "قاسم سليماني" كان يعد أحد أكثر الشخصيات نفوذًا وشعبية في إيران، وأحد ألد أعداء الولايات المتحدة، حيث قاد الحملة الإيرانية لتسليح وتدريب الميليشيات الشيعية في العراق، وهي الميليشيات المسؤولة عن مقتل حوالي 600 جندي أمريكي خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2011، وأصبح فيما بعد ذلك الأداة الرئيسية لدعم النفوذ السياسي لإيران في العراق، وقاد كذلك السياسات الإيرانية لتسليح ودعم القوات الموالية للرئيس السوري "بشار الأسد"، وهو ما تضمن نشر حوالي 50 ألفًا من مقاتلي الميليشيات الشيعية في سوريا. وكان أيضًا الرجل المهم في رسم علاقة طهران بحزب الله اللبناني، حيث ساعد في تزويد الحزب بالصواريخ لتهديد إسرائيل، وقاد استراتيجية إيران لتسليح الحوثيين في اليمن.

التداعيات المترتبة

اختلفت تحليلات مراكز الأبحاث الغربية بشأن حدود التداعيات المترتبة على اغتيال "سليماني"، في ضوء الردود الإيرانية المتوقعة. وبهذا الصدد، استبعد "مهدي خلجي" أن تقوم إيران بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة لأهداف أمريكية، وذلك في تحليله المنشور في "معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى" بعنوان: "المرشد الأعلى لإيران يرد على اغتيال سليماني". 

وذكر بجانب تهديد المرشد الإيراني الأعلى "علي خامنئي" ومسؤولين آخرين في النظام، بالانتقام لاغتيال "سليماني"، فإنه سيتم التركيز في المقام الأول على استغلال الحدث من أجل تأجيج المشاعر الوطنية والعسكرية في الداخل، كبديل عن الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لما في ذلك من تداعيات أمنية شديدة الخطورة لن تحتملها إيران. ويمكن الإشارة هنا إلى تصريح "خامنئي" نفسه، في الأول من يناير 2020، وقبل يومين فقط من اغتيال "سليماني"، على وقع تأكيدات الرئيس "ترامب" بأن إيران لعبت دورًا في أعمال الشغب التي اندلعت في 31 ديسمبر في السفارة الأمريكية في بغداد، حيث قال المرشد الأعلى لإيران: "لن نأخذ البلاد إلى الحرب.. لكن إذا أراد الآخرون فرض شيء على هذا البلد فسوف نقف أمامهم بقوة". 

ولذلك بدلًا من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، من المرجح أن يكرس النظام الإيراني -في الأيام المقبلة- معظم اهتمامه لتنظيم جنازة ضخمة ومراسم حداد واسعة لسليماني، واستغلال الدعاية لجنازة القائد العسكري باعتباره بطلًا وطنيًّا على مدى العقد الماضي، وتوضيح دوره في الدفاع عن البلاد ضد عناصر تنظيم "داعش" والأعداء الخطرين الآخرين لإيران، وكذلك تسليط الضوء على دوره ونشاطه العسكري في الخارج. وذلك قد يفيد النظام من خلال تحويل انتباه الرأي العام عن الأزمات المحلية المتنامية في الفترة الأخيرة، وخصوصًا احتجاجات البنزين التي شهدتها البلاد في نوفمبر 2019، وما تبعها من قمع واسع للاحتجاجات المعارضة من جانب النظام. 

ولكن على جانب آخر، فقد ركزت معظم التحليلات الأمريكية والغربية على التأثيرات السلبية المترتبة على مقتل "سليماني". وفي هذا الشأن، قال "دانيال بيمان" في تحليله المنشور بمعهد بروكنجز تحت عنوان: "قتل الإيراني قاسم سليماني يغير اللعبة في الشرق الأوسط"، إن من المرجح أن يمثل مقتل "سليماني" نقطة تحول مهمة في علاقات الولايات المتحدة بالعراق وإيران، وسيؤثر بشكل كبير على الموقف الأمريكي الشامل في الشرق الأوسط. 

وأضاف: إن كانت القوة العسكرية التقليدية لإيران ضعيفة في مواجهة القدرات الأمريكية، فإن طهران ستعمل غالبًا من خلال الميليشيات والجماعات الإرهابية وغيرها من الوكلاء لتعزيز مصالحها في الخارج، وستعمد إلى مواصلة دعم الميليشيات العسكرية الموالية لها، لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة. 

ويتوقع في هذا الصدد أن تعمل إيران على مهاجمة الولايات المتحدة بصورة غير مباشرة في مسارح متعددة بالشرق الأوسط، وهو ما يشمل على الأغلب مهاجمة القوات والمنشآت الأمريكية، خصوصًا على الساحة العراقية التي شهدت حادث مقتل "سليماني"، ذلك أن طهران أمضت أكثر من 15 عامًا في بناء شبكات واسعة من الداعمين لها في بغداد ما بين الميليشيات المسلحة والأحزاب السياسية. 

وقبيل مقتل "سليماني" بأيام قليلة، تمكنت إيران من حشد الوكلاء المحليين للتظاهر بعنف ضد السفارة الأمريكية في بغداد، ويتوقع أن يتزايد هذا النفوذ إذا ما وضع في الاعتبار مقتل قائد كتائب "حزب الله" الموالية لإيران في العراق "أبو مهدي المهندس"، خلال الغارة على "سليماني"، مع العديد من الشخصيات البارزة المؤيدة لإيران في العراق. وقد كانت الكتائب مسؤولة عن العديد من الهجمات على القوات الأمريكية والعراقية، وغالبًا ما كان ذلك بناءً على طلب طهران، وأيضًا رغبة في إرضائها. 

وكذلك فإن القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان وسوريا قد تكون معرضة للخطر، فحتى مع التسليح الجيد لتلك القوات بسبب تهديدات تنظيم "داعش" وحركة طالبان وغيرها من الجماعات الخطرة، فقد سبق أن هاجم الحرس الثوري الإيراني ووكلاؤه السفارات الأمريكية الرسمية والأهداف الأخرى ذات الصلة بالحكومة الأمريكية. ففي عام 1983، فجر "حزب الله" اللبناني المدعوم من إيران السفارة الأمريكية في بيروت وكذلك ثكنات المارينز هناك، مما أسفر عن مقتل 220 من مشاة البحرية وعشرات الأمريكيين الآخرين.

وبحسب تحليل "إيلان جولدنبرج"، السابق الإشارة إليه، فإن تداعيات اغتيال "سليماني" لن تقتصر بالضرورة على العراق، فحزب الله اللبناني الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع إيران، من المرجح أن يستجيب لطلبات إيرانية بمهاجمة أهداف أمريكية في لبنان. وحتى إذا كان هناك حرص على تجنب تصعيد كبير في بيروت، فإن عملاء "حزب الله" موزعون في مناطق مختلفة بالشرق الأوسط، ويمكنهم مهاجمة الولايات المتحدة في أماكن أخرى من المنطقة. 

ويتوقع أيضًا من إيران تسريع برنامجها النووي بشكل كبير بعد مقتل "سليماني"، خصوصًا أنها بدأت منذ مايو 2019 في انتهاك الاتفاقية النووية بشكل تدريجي من خلال اتخاذ خطوات محدودة كل 60 يومًا. وبالفعل أعلنت إيران في السادس من يناير الجاري عن المرحلة الخامسة لخفض التزاماتها الدولية التي نص عليها الاتفاق النووي لعام 2015. 

ومن جانبه، يشير "جون ألترمان" في تحليله المنشور على موقع "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (CSIS)"، الذي جاء بعنوان: "مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني"، إلى أنه على مدى 40 عامًا شحذت إيران قدراتها غير المتكافئة في الحرب، وهي إن كانت تفتقر إلى القوات والأسلحة والأموال والتكنولوجيا اللازمة لموازنة القوة الأمريكية في ساحة المعركة التقليدية، لكنها ضخت أموالًا في دعم وتسليح القوات التي تعمل بالوكالة، وعمليات استخبارات وأنشطة يصعب إثباتها، بما في ذلك الحرب الإلكترونية. وغالبًا ما يكون هدف إيران هو زيادة تكاليف المواجهة على الخصوم، وفي ضوء ذلك فإن الاقتصادات المتطورة ذات البنى التحتية المعقدة لديها الكثير لتخسره جراء التصرفات الإيرانية، وستسعى طهران إلى زيادة هذه التكاليف.

ويصعب إغفال التداعيات الاقتصادية الواسعة التي قد تترتب على حادث اغتيال "سليماني"، وخصوصًا في أسواق النفط، والتي تحدث عنها كل من "كيس جونسون" و"لارا سيلجمان" في تقريرهما بموقع مجلة "فورين بوليسي"، الذي جاء بعنوان: "مقتل سليماني يثير الخوف من الحرب والاضطرابات الاقتصادية"، حيث كان لمقتل القائد الإيراني أثره السلبي على سوق النفط، إذ قفزت أسعار خام برنت بأكثر من 4% في أعقاب الحادث إلى ما يقارب 70 دولارًا للبرميل. ويخشى المحللون من أن تستأنف طهران هجماتها على البنية التحتية النفطية الإقليمية في أعقاب الضربات السابقة على ناقلات النفط بالقرب من مضيق هرمز، والتي توجه الاتهامات إلى إيران بالمسؤولية عنها، ومن خلال وكلائها الإقليميين. وفي سبتمبر 2019، استهدفت منشأتين نفطيتين سعوديتين مما أدى إلى توقف نصف إنتاجها من النفط مؤقتًا.

وهناك مخاوف من أن تواصل إيران مضايقة عمليات الشحن التجاري في مياه الخليج العربي، وقد تقوم بتدريبات عسكرية بهدف تعطيل عمليات الشحن مؤقتًا، ومثل هذه الأعمال أو انتشار الصراع على حقول النفط في جنوب العراق سيدفع على الأغلب لمزيد من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.

تجنب المزيد من التصعيد

تحدث "كيللي ماجسمان" في تحليله الذي حمل عنوان: "كيف يمكن تجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط؟!" والمنشور في مجلة "فورين أفيرز"، عن أن قرار اغتيال القائد الإيراني "قاسم سليماني" تنفيذًا للسياسة الخارجية المتبناة من جانب إدارة الرئيس "دونالد ترامب"، ربما يكون هو القرار الأكثر إثارة لردود الفعل، والذي يتوقع أن تستمر تداعياته على مدار أيام وأشهر وحتى سنوات قادمة، ولكن مع ذلك فإن مدى ما سيحدث سيعتمد بالضبط على ما ستفعله الإدارة الأمريكية فيما بعد ذلك.

ويضيف: تحتاج الإدارة الأمريكية إلى الاستعداد لمجموعة كاملة من الحالات الطارئة، والتي تشمل: الهجمات الإلكترونية، والهجمات الإرهابية في الخارج وعلى الأراضي الأمريكية، ومحاولات اغتيال مسؤولين أمريكيين، والمزيد من الهجمات على حقول النفط السعودية، كما من المرجح أن تتخذ إيران المزيد من الخطوات الاستفزازية بشأن برنامجها النووي. ولمواجهة ذلك، تحتاج إدارة "ترامب" إلى استراتيجية أوسع من مجرد الرد على التحركات التكتيكية لإيران، والبحث عن آليات لحل تلك الأزمة القائمة في العلاقة مع طهران.

ويجب أن يكون هدف الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو العمل على تجنب حرب أوسع، ضمانًا لأمن الأمريكيين على المدى الطويل. وتحقيقًا لتلك الغاية، ستحتاج الإدارة إلى إرسال رسائل واضحة ومتسقة غير استفزازية إلى إيران، وينبغي على واشنطن التنسيق مع الحلفاء لأجل هذا الهدف، مع محاولة فتح قناة دبلوماسية مع طهران من خلال طرف ثالث إذا لزم الأمر. 

ويؤكد على ضرورة العمل مع حلفاء الولايات المتحدة وكذلك الصين وروسيا لتبادل المعلومات الاستخبارية حول الهجمات الانتقامية المحتملة، والعمل على دعم قرارات مجلس الأمن الدولي في حال عززت إيران من جهودها لتطوير أسلحة نووية. 

ووافق "ماجسمان" في رؤيته "مايكل دون" في تحليله المعنون: "إيران والولايات المتحدة: هذه هي لحظة التراجع"، والمنشور بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، حيث رأى أنه لا تزال هناك فرصة للولايات المتحدة وإيران لاتخاذ خطوة مناسبة من أجل تجنب المزيد من التصعيد، والاستفادة من دروس التاريخ بهذا الصدد. 

ويشير إلى أنه في العديد من النزاعات العسكرية في الشرق الأوسط، لا سيما في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن، كانت هناك فرص مبكرة لم يتم اغتنامها من أجل تجنب الصراع عن طريق الدبلوماسية الأمريكية، وهو ما يمكن العمل لتفاديه في إدارة العلاقات الأمريكية مع إيران، خصوصًا أن أي حرب بين واشنطن وطهران ستكون أكثر تعقيدًا من غيرها، وعلى الأرجح ستجر الحلفاء الإقليميين، وستتضمن أوجهًا عدة للحروب والمواجهات غير المتماثلة في مناطق مختلفة من العالم.

ولذلك فمن مصلحة الولايات المتحدة وإيران الحفاظ على خيار الدبلوماسية لأجل حل القضايا العالقة (التدخلات الإقليمية الإيرانية، والبرنامج النووي، والعقوبات الأمريكية) تلافيًا لتطورات قد يصعب استيعابها. 

المصادر: 

- Michael Young, The United States Has Killed Qassem Suleimani, the Head of the Quds Force, Carnegie Middle East Center, January 03, 2020. 

- Ilan Goldenberg, Will Iran’s Response to the Soleimani Strike Lead to War?, Foreign Affairs, January 3, 2020. 

- Mehdi Khalaji, Iran’s Supreme Leader Responds to the Soleimani Assassination, The Washington Institute for Near East Policy, January 3, 2020. 

- Daniel L. Byman, Killing Iran’s Qassem Suleimani changes the game in the Middle East, Brookings Institution, January 3, 2020. 

- Jon B. Alterman, The Killing of Quds Force Commander Qasim Suleimani, Center for Strategic and International Studies, January 3, 2020.

- Keith Johnson and Lara Seligman, Suleimani Killing Sparks Fear of War and Economic Turmoil, Foreign policy, January 3, 2020. 

- Kelly Magsamen, How to Avoid Another War in the Middle East, Foreign Affairs, January 4, 2020.

- Michele Dunne, Iran and the United States: This Is the Moment to Step Back, Carnegie Endowment for International Peace, January 3, 2020.