أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

المأزق الأمريكي:

ست خيارات سيئة للتعامل مع الأزمة السورية

11 فبراير، 2016


إعداد: نوران شريف مراد


تتسم الأزمة السورية بقدر كبير من التعقيد في ظل ما تمر به من تطورات متلاحقة، وهو ما يجعل السياسات الأمريكية حيالها تعاني قدراً مماثلاً من التذبذب. وفي هذا الصدد، ثمة تساؤل محوري مفاده: ما الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للتعامل مع المعضلة السورية؟

وفي محاولة للإجابة عن هذا التساؤل، نشرت دورية "واشنطن الفصلية" The Washington Quarterly التابعة لمدرسة إليوت للشؤون الدولية، دراسة تحت عنوان: "ستة خيارات سيئة في سوريا"، وهي الدراسة التي أعدها "دانيال بايمان" Daniel Byman، وهو زميل بارز في مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز. ويوضح الكاتب من خلالها أسباب عدم وجود خيارات جيدة من الممكن أن تتبعها الولايات المتحدة حيال الأزمة السورية، مُستعرضاً جميع الخيارات المتاحة أمام واشنطن في هذا الشأن.

الخيار الأول: ابتعاد واشطن عن الصراع السوري

يُسمي "بايمان" هذا الخيار بـ"دعها تحترق"، موضحاً أن الولايات المتحدة قد يكون أمامها خيار التخلي التام عن أي مساع للتدخل في الأزمة السورية، بما في ذلك الوساطة، وتدريب قوات المعارضة، وتوجيه ضربات جوية تستهدف تنظيم "داعش". ويدعم هذا الاتجاه ما يلي:

1- إدراك الولايات المتحدة في أعقاب غزو العراق عام 2003، أن الشرق الأوسط أصبح بمثابة المستنقع الذي لن تجني الكثير من تدخلها فيه، على اعتبار أن مثل هذا التدخل من شأنه تحميل واشنطن تكلفة كبيرة.

2- لم ينعكس تدخل الولايات المتحدة في أزمات سابقة إيجابياً على الأوضاع الداخلية لهذه الدول.

3- لاتزال القدرات الأمريكية محدودة حينما يتعلق الأمر ببناء دولة، وما يرتبط بذلك من جهود، مثل إجراء المصالحة السياسية، وتطوير قطاع الأمن.

4- عدم ترحيب شعوب الشرق الأوسط بتدخل القوات الأمريكية، والدليل على ذلك مقتل السفير الأمريكي في بني غازي.

ومن ناحية أخرى، يرى "بايمان" أن ابتعاد الولايات المتحدة عن الصراع السوري برمته قد تكون له عواقب وخيمة، وهي:

1- احتمالية انتشار الصراع السوري واتساع رقعته، حيث قد تمتد آثاره لتطال مناطق أخرى ودولاً مجاورة في منطقة الشرق الأوسط.

2- التكلفة الإنسانية المرتفعة للصراع في سوريا، في ظل مخاوف من تفاقم أزمة اللاجئين، وقيام الجماعات المتطرفة باستغلال حاجتهم وظروفهم المتردية لتجنيدهم في صفوفها، ومن ثم حينها تزداد مخاطر الإرهاب.

الخيار الثاني: التدخل على نطاق واسع في الصراع السوري

يشير "بايمان" إلى أن ثاني أسوأ الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة في سياق التعامل مع الأزمة السورية، هو قيادتها لتدخل عسكري شامل، وذلك ضمن تحالف أوسع يضم عدداً من القوى الأوروبية والإقليمية.

ويرى الباحث أن اتخاذ واشنطن مثل هذه الخطوة، من شأنه تحقيق عدد من الأهداف، مثل عودة اللاجئين والنازحين، والقضاء على تنظيم "داعش"، والتخلص من نظام الأسد، خاصةً في ظل فقدان القوى التابعة لنظام الأسد العديد من مقومات قوتها.

ووفقاً للكاتب، إذا تدخلت الولايات المتحدة في الأزمة السورية، سوف يتعين عليها أخذ عدد من الاحتمالات في الاعتبار، وهي:

1- تعرض الإدارة الأمريكية لضغوطات في الداخل للتراجع عن تدخلها بشكل مكثف في سوريا، خاصةً إذا تخلى حلفاء واشنطن عنها، ولم يشاركوها أعباء التدخل.

2- أهمية إدراك أن عملية التدخل في سوريا لن تكون عابرة، ولن تنطوي على البعد العسكري فحسب، بل ستكون عملية بعيدة المدى، تتطلب كثيراً من الجهد والتكلفة، بحيث تساهم في تكوين حكومة انتقالية، وتحقيق عدد من الإصلاحات.

3- من المحتمل أن يتعرض الوجود الأمريكي لعنف مضاد من جانب تنظيم "داعش" وبقايا نظام الأسد بالتعاون مع إيران وحزب الله. ومن ثم قد تقوم تلك الأطراف بممارسة العمليات الإرهابية للدفع بالقوات الأمريكية إلى خارج سوريا.

4- اختلاف وجهات النظر بين الولايات المتحدة وأوروبا والقوى الإقليمية، قد يؤدي إلى العديد من التوترات، فكل طرف ستكون له رؤيته وتصوره لسوريا ما بعد الحرب. فعلى سبيل المثال، قد تعارض تركيا قيام واشنطن بتقديم أي مزايا للأكراد، ومن ضمنها رفض حصولهم على حكم ذاتي.

الخيار الثالث: التعاون مع الحلفاء لمحاربة "داعش"

بالإضافة إلى الخيارين السابقين، يشير "بايمان" إلى خيار وسط يتمثل في العمل مع عدد من الحلفاء، والتركيز على محور واحد في الأزمة، وهو القضاء على تنظيم "داعش"، على أن يتم ذلك عبر الضربات الجوية من أجل تجنب وقوع القوات الأمريكية تحت تهديد الخطر المباشر.

فبموجب الغارات الجوية، سوف تتمكن الولايات المتحدة من استهداف مستودعات السلاح والمقرات العسكرية وغير ذلك من المواقع التابعة لتنظيم "داعش"، بالإضافة إلى قياداته.

ويضيف "بايمان" أن نجاح هذه الاستراتيجية مرهون بإيجاد عناصر بديلة على أرض المعركة تملأ الفراغات التي ستنتج عن تقهقر عناصر تنظيم "داعش" جراء الضربات الجوية. ويشير الباحث إلى أن المعارضة السورية المعتدلة لن تتمكن من ممارسة هذا الدور نظراً لتفتتها، فالغارات الجوية لابد أن تقترن بعناصر على الأرض تدعمها، ومن ثم من الضروري وجود حلفاء محليين أقوياء يتسمون بقدر من الفاعلية وقدرة على توجيه الضربات المباشرة.

الخيار الرابع: التعاون مع نظام الأسد

تحت عنوان: "العمل مع الشيطان الذي نعرفه"، تطرح الدراسة فكرة تعاون الولايات المتحدة مع نظام الأسد كخيار للتعامل مع الأزمة السورية، على اعتبار أنه إذا كان هذا الخيار سيئاً، فهناك حتماً ما هو أسوأ منه. ومن الناحية النظرية، يرى الكاتب أن نظام الأسد يقدم بديلاً حقيقياً لكل من "داعش" والفوضى.

ومما يدعم هذا الاتجاه أنه على الرغم من معاداة نظام الأسد للولايات المتحدة، فإنه يتسم بقدر كبير من البرجماتية. فعلى سبيل المثال، في عام 2013 وافق الأسد على التخلص من الأسلحة الكيميائية في مقابل تفادي الغارات الجوية الأمريكية. كما أن تعاون الولايات المتحدة مع الأسد قد يبعده عن التقارب مع حليفه طهران.

ومن المحتمل أن يتصدى عدد من حلفاء الولايات المتحدة مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، لتحالفها مع دمشق. ومن ثم، ليس من المنتظر أن يساعد هذا الخيار في تهدئة الأوضاع على المدى القريب.

الخيار الخامس: إيجاد مناطق وملاذات آمنة

يشير "بايمان" إلى إمكانية إيجاد القوات الأمريكية مناطق حظر طيران أو مناطق آمنة، سواء تم ذلك بصورة أحادية أو عبر العمل مع عدد من الحلفاء الأوروبيين. وهذا الخيار سوف يؤدي إلى تمتع النازحين بمناطق آمنة بعيداً عن هجمات "داعش" ونظام الأسد، كما أنه لا يبدو مرتفع التكلفة أو محفوفاً بالمخاطر مقارنةً بخيارات أخرى.

ومن أجل إنجاح عملية إيجاد المناطق الآمنة في سوريا، يرى الكاتب أنه يتحتم على الولايات المتحدة اتخاذ عدد من الإجراءات التالية:

1- تدمير القوات الدفاعية الجوية السورية، ومن ثم تعجز عن استهداف المقاتلات الجوية الأمريكية التي ستحمي هذه المناطق الآمنة.

2- الحفاظ على الوجود المستمر للقوات الجوية الأمريكية بما يُمكنها من حماية المناطق الآمنة في سوريا، وتأمينها من أي هجمات روسية جوية محتملة.

3- الحرص على ألا تتسلل أي عناصر تنتمي إلى تنظيم "داعش" أو نظام الأسد إلى تلك المناطق، الأمر الذي من شأنه نشر الفوضى والخوف بين اللاجئين.

4- إنشاء الولايات المتحدة للمناطق الآمنة يعني أنها تتعهد بكفالة أمن الموجودين فيها. ومن ثم، سيتعين عليها اتخاذ خطوات صارمة من أجل الوفاء بوعدها والحفاظ على مصداقيتها.

الخيار السادس: احتواء العنف

يوضح الكاتب أن الخيار الأخير الذي يمكن الرجوع إليه هو ذلك المتعلق بمحاولة احتواء النار المشتعلة في سوريا بدلاً من إطفائها. وفي هذا الصدد، سوف يتحتم على الولايات المتحدة المساعدة في رعاية اللاجئين المتمركزين في العديد من المخيمات في المدن والمناطق المختلفة داخل العراق ودول الجوار السوري.

وحسب الدراسة، قدمت الولايات المتحدة والعديد من الحلفاء، مثل ألمانيا، ملايين الدولارات لمساعدة اللاجئين، إلا أن دول الجوار، خاصةً الأردن ولبنان مازالتا في حاجة إلى مزيد من الدعم المادي في هذا الشأن. ويشير "بايمان" إلى عدد من العناصر التي تتعين مراعاتها كي يتم احتواء الأزمة السورية، وهي كالتالي:

1- أهمية تقديم الدعم الدولي لجهود الدول المضيفة للاجئين، فتقديم دعم استخباراتي هو ضروري لضمان أمن هذه الدول، والتأكد من إلمامها بالمخاطر المختلفة. ومن المهم أيضاً العمل على دمج اللاجئين في المجتمعات المضيفة، ومن ثم تجنب انضمامهم للجماعات المتطرفة.

2- جزء من الاحتواء يتضمن تعزيز قدرات القوات المحلية المعادية لتنظيم "داعش"، والاستمرار في تنفيذ الضربات الجوية، الأمر الذي من شأنه إضعاف التنظيم والقضاء عليه.

3- الضغط دبلوماسياً على الحلفاء مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، وفرض قيود على الخصوم مثل إيران، وذلك بهدف منع هذه الدول من التدخل بصورة مضادة لأهداف الولايات المتحدة في سوريا.

إجمالاً، يعتبر الكاتب أن خيار الاحتواء سيكون بمثابة إسعاف أولي أكثر منه علاجاً نهائياً، حيث إنه لن يؤدي إلى وقف العنف الدائر.

ختاماً، يشير "بايمان" إلى أن التدخلات الأمريكية منخفضة التكلفة في سوريا لم تعد متاحة، خاصةً أن الأمريكيين لا يريدون دفع ثمن مثل هذه التدخلات، ولكن في الوقت نفسه سوف يلومون أي رئيس أمريكي في حال قيام "داعش" أو أي من التنظيمات المرتبطة به في سوريا بشن هجمات واسعة.

ونتيجة لهذه الضغوط، سوف يسعى المسؤولون الأمريكيون للوصول إلى حلول وسط بغية تجنب أي انتقادات على الصعيدين المحلي والدولي، وذلك دون إرسال أعداد كبيرة من القوات الأمريكية أو غيرها من الالتزامات الواسعة.

ويؤكد الكاتب أن "الاحتواء" أداة ضرورية في كل الأحوال، سواء قررت الولايات المتحدة القيام بتدخل شامل أو عدم التدخل على الإطلاق. وحتى لو لم يكن أمام واشنطن سوى ستة خيارات سيئة في سوريا، فإن هذا لا يعني الاستسلام وإهمال الأزمة السورية، بل يتعين على الإدارة الأمريكية أن تجري مناقشات واقعية للخيارات المتاحة، الأمر الذي سيساعد على إبراز القيود والعقبات، وكيفية التعامل الفعَّال معها.


* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "ستة خيارات سيئة في سوريا"، والصادرة عن دورية "واشنطن الفصلية" The Washington Quarterly، في عدد شتاء 2016.

المصدر:

Daniel Byman, Six Bad Options for Syria, The Washington Quarterly, Volume 38,  Number 4 (Washington: The Elliott School of International Affairs, Winter 2016) pp 171- 186.