أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

عودة "أثينا":

كيف يجتاز الاتحاد الأوروبي "الثقة المفقودة" مع المواطنين؟

19 فبراير، 2019


أدى تصاعد اتجاهات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، عقب تصويت غالبية البريطانيين في استفتاء بريكست، وصعود التيارات اليمينية والشعبوية المعادية للاتحاد في عدد من الدول الأوروبية؛ إلى طرح المؤسسات التكاملية في بروكسل لآلية ديمقراطية جديدة لإشراك المواطنين بالدول الأعضاء بصورة مباشرة في عملية صنع القرار، وصياغة مستقل الاتحاد في الأعوام الخمس المقبلة. وستتم مناقشة رؤى المواطنين الأوروبيين حول مستقبل الاتحاد في القمة المقبلة لقادة الدول الأعضاء المقرر انعقادها في مايو 2019، وهو ما يتصل بعملية الإصلاح الشاملة للاتحاد الأوروبي، وتعزيز انخراط المواطنين في عملية صنع القرار.

صعود الديمقراطية المباشرة: 

تهدف مبادرة "مشاورات المواطنين الأوروبيين (ECCs)" إلى تحسين جودة الديمقراطية على مستوى الاتحاد الأوروبي من خلال منح المواطنين الأوروبيين إمكانية التعبير عن آرائهم، وتبادل الآراء حول الاتحاد ومستقبله، عبر آليات ديمقراطية شفافة تضمن إشراك أكبر عدد من المواطنين في تلك المشاورات.

وقد ظهرت فكرة المبادرة للمرة الأولى في خطاب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في أثينا، في 7 سبتمبر 2017، في إطار حديثه عن إعادة بناء الاتحاد الأوروبي وإشراك المواطنين الأوروبيين في عملية صنع القرار. وتمت مناقشة المبادرة في قمة المجلس الأوروبي غير الرسمية في فبراير 2018، وأبدت معظم الدول الأعضاء تأييدها ودعمها للفكرة. وبدأ تنفيذها على مستوى جميع الدول الأوروبية في أبريل 2018، وقد تم تسليم مقترحات المواطنين لرؤساء الدول والحكومات قبل اجتماع المجلس الأوروبي في ديسمبر 2018. وفي هذا الإطار، تم الاتفاق بين الدول الأعضاء على تنفيذ المبادرة من خلال عدة مستويات يمكن توضيحها فيما يلي:

1- الاتحاد الأوروبي: حيث قامت اللجنة المسئولة بعقد استطلاع للرأي عبر الإنترنت، متوفر بجميع لغات الاتحاد الأوروبي، ويتألف من مجموعة أسئلة صاغها فريق المواطنين المشاركين في المبادرة في الجلسة العامة لهم، وذلك بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين الأوروبيين، فضلًا عن ضمان الاتساق والبعد فوق القومي لهذه المبادرة. وبالتوازي مع ذلك، تقوم المفوضية الأوروبية أيضًا بزيادة عدد "حوارات المواطنين"، وهي عملية جارية منذ عام 2012.

2- حكومات الدول الأعضاء: حيث ستكون حكومات الدول الأوروبية مسئولة عن تنظيم الفعاليات الخاصة بالمبادرة في بلدانهم، وإعداد التقارير النهائية حول نتائج الحوارات، وقد يتم إشراك بعض أصحاب المصالح في تنظيم مشاورات المواطنين، مثل: المجتمعات المحلية، والجمعيات، والمؤسسات، وغرف التجارة والصناعة، والنقابات، والمؤسسات الثقافية، والمدارس والجامعات، في تنظيم مشاورات المواطنين بهدف التواصل مع أكبر عدد من المواطنين الأوروبيين. 

3- مجموعات عمل غير رسمية: من ناحية أخرى، تم تكوين مجموعة عمل غير رسمية، تضم ممثلين من كل دولة عضو، بالإضافة إلى المفوضية الأوروبية، والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وتجتمع مرة واحدة في الشهر بهدف التنسيق بين أصحاب المصالح المختلفة، وتسهيل وتوجيه العملية بشكل غير رسمي.

ثم يناقش رؤساء الدول والحكومات نتائج الاستبيان عبر الإنترنت والمشاورات الوطنية في المجلس الأوروبي في ديسمبر 2018، بحيث يتم إعدادها لتصبح أحد مدخلات جدول الأعمال الاستراتيجي وخطة الاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس القادمة، والتي ستناقشها المفوضية الأوروبية في قمة القادة في مايو 2019. وقد حدد المواطنون المشاركون في المبادرة ستة موضوعات رئيسية ينبغي على قادة الاتحاد الأوروبي التركيز عليها في السنوات المقبلة؛ وهي: موضوع الشباب والتعليم، تعزيز المساواة والعدل والتضامن، قضية البيئة، صنع القواعد والقرارات، قضية الهجرة واللاجئين، وأخيرًا قضية الأمن والدفاع.

وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنه تم تنظيم مشاورات المواطنين الأوروبيين من قبل مجموعة من منظمات المجتمع المدني المستقلة، وفي مقدمتها مؤسسة الملك بودوين في بلجيكا بالتعاون مع خدمة عمل المواطن الأوروبي، ومركز السياسات الأوروبي، وشبكة المؤسسات الأوروبية للتعاون الابتكاري.

سياسات احتواء اليمين: 

وضع الرئيس الفرنسي "ماكرون"، بالتعاون مع قادة الاتحاد، خمسة أهداف طموحة لمبادرة "مشاورات المواطنين الأوروبيين ECC"، وتتركز تلك الأهداف المعلنة في: إعادة اكتشاف مسار الديمقراطية في أوروبا، وتحديد "أولويات واهتمامات وأفكار المواطنين الأوروبيين" حول مستقبل الاتحاد الأوروبي، ورفع الوعي العام حول الاتحاد وكيفية عمله، ودفع المواطنين لمناقشة القضايا الأوروبية محليًّا، بالإضافة إلى دعم النقاش حول انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2019، وكذلك جدول أعمال المفوضية الأوروبية القادمة. وتظل هناك مجموعة من الأهداف غير المعلنة وراء المبادرة تتمثل فيما يلي:

1- استعادة الثقة: يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة عدم ثقة من جانب بعض المواطنين الأوروبيين في ظل اعتقادهم بأن النخب الحاكمة في بروكسل تتخذ القرارات بمعزل عن إرادة الشعوب وأولوياتهم واحتياجاتهم. ومن ثم فإن إشراك المواطنين الأوروبيين مباشرة في رسم مستقبل الاتحاد قد يساهم في استعادة الثقة المفقودة في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، مما يعزز من شرعيته، ويمنع تكرار سيناريو "بريكست". 

2- صعود اليمين المتطرف: حيث يرى قادة الاتحاد الأوروبي أن صعود بعض التيارات اليمينية القومية كان بسبب تبنيها لخطابات شعبوية تلقى قبولًا من جانب المواطنين، وبرامج انتخابية بها حلول غير تقليدية وراديكالية لحشد الأصوات، فيما ظل القادة المعتدلون مصرّين على الحلول التقليدية المحافظة، التي يراها المواطنون نخبوية تؤدي إلى بقاء الأوضاع على ما هي عليه، ومن ثم قد تساعد تلك المبادرة في مواجهة الخطاب القومي المتطرف، لكونها تضع المواطنين الأوروبيين مباشرة في قلب عملية صنع القرار، وتزيد من وعيهم بالاتحاد وأهميته وعوائده عليهم، بما يساهم في إنتاج خطاب شعبي مضاد للأفكار الشعبوية الداعية إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي.

3- تعزيز الديمقراطية التشاركية: الغالب على الأنظمة الديمقراطية كونها ديمقراطية تمثيلية يختار فيها المواطنون ممثلين لهم في البرلمانات لاتخاذ القرار وتحديد ملامح المستقبل، أما تلك المبادرة فتهدف إلى تعزيز نمط تشاركي جديد من الديمقراطية يستهدف المواطنين بشكل مباشر بجانب استمرار الديمقراطية التمثيلية، كشكل من أشكال عملية الإصلاح الداخلي للاتحاد الأوروبي التي يتزعمها الرئيس الفرنسي "ماكرون". 

عوائق "المبادرة الأوروبية": 

خلال العقود الماضية، بذلت المؤسسات الأوروبية جهودًا مكثفة لتحسين وتعزيز التواصل مع المواطنين، من خلال مبادرات مثل: برنامج أوروبا للمناظرة، وبرنامج أوروبا للمواطنين، ومبادرات المواطنين الأوروبيين، ومن ثم فإن مبادرة "مشاورات المواطنين الأوروبيين ECC" ليست الأولى من نوعها، لكنها تتميز عن غيرها من المبادرات بأنها تم إنشاؤها لتكون محورًا رئيسيًّا دائمًا كاستراتيجية بعيدة المدى لإشراك المواطنين، كما أنها جاءت بعد سنوات طويلة من الركود فيما يتعلق بمشاركة المواطنين. 

ومن ناحيةٍ أخرى، فإن نجاح المبادرة مرهون بحدود تأثيرها على خطة الاتحاد في الأعوام الخمسة المقبلة التي ستتم مناقشتها في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو 2019. ومن ثم إذا استعان قادة الاتحاد بما أفرزته آراء المواطنين، فإنه سيساهم بشكل كبير في زيادة فعالية تلك المبادرة في المرات القادمة، فضلًا عن زيادة أعداد المواطنين المشاركين بها. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى عددٍ من الملاحظات التي قد تساهم في تقييم المبادرة، لعل من أبرزها ما يلي: 

1- مقترحات استشارية: تعتبر كافة هذه الآراء التي ترد في مبادرة مشاورة المواطنين الأوروبيين استشارية وغير ملزمة لقادة الاتحاد، ومن ثمّ إذا لم يتم تبني بعض هذه المقترحات فسيكون له انعكاس سلبي على المواطنين المشاركين وغيرهم ممن ينتظرون المشاركة مستقبلًا، حيث سيرون أن هذه المبادرة مجرد "حملة دعائية" من الاتحاد لتحسين صورته فقط.

2- تناقض الأهداف: أتاح الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء منذ بداية المبادرة مرونة كاملة في تنفيذ المبادرة في مقابل مشاركتهم فيها؛ بداية من الإطار الزمني للاجتماعات التي تعقد داخليًّا، والمنظمين المختارين، والشكل، وجدول الأعمال، وإجراءات تقديم التقارير. وقد قامت كل دولة بتنفيذ المبادرة بشكل مختلف عن باقي الدول الأخرى؛ إلا أن هذا أدى إلى عدم وجود هُوية مشتركة للمبادرة. ويرى بعض المحللين أن هذا سيؤثر على رؤيتها ومصداقيتها وقوتها بمرور الوقت، كما قد ينتج عن هذه المشاورات تقارير ذات أهداف أو رسائل متناقضة، مما يؤدي إلى وجود صعوبة في إنتاج تقرير متماسك لصانعي السياسات الأوروبيين، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف التأثير المحتمل للمبادرة مستقبلًا.

3- ضعف المشاركة: لم تفلح جهود الاتحاد المختلفة لإشراك أكبر عدد من المواطنين على مستوى الاتحاد في تلك المشاورات، نظرًا لضعف استجابة المواطنين الأوروبيين لاستطلاع الرأي المنشور عبر الإنترنت، لكن ذلك يمكن أن يتحسن مستقبلًا إذا تم تبني أي من المقترحات التي تقدم بها المواطنون. وعلاوةً على ذلك، حدث نوع من الخلط والتداخل في بعض دول الاتحاد بين مبادرة "مشاورات المواطنين الأوروبيين"، وبين "مبادرة حوارات المواطنين، حيث لم يتم الترويج لها بشكل كافٍ وتوضيح الفارق بينهما، مما جعل البعض يعتقد أنهما نفس المبادرة.