أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تحركات استباقية :

كيف تتجه الولايات المُتحدة لتعزيز تموضعها في غرب إفريقيا؟

29 سبتمبر، 2024


أشارت بعض التقارير الغربية إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً بتسليم بعض المساعدات العسكرية لغانا وبنين وكوت ديفوار، وهي المساعدات التي كانت مُخصّصة فعلياً للنيجر، قبل أن تتدهور علاقات واشنطن بنيامي وتضطر الولايات المتحدة لاحقاً إلى سحب قواتها من النيجر؛ وهو ما أثار العديد من التساؤلات بشأن اتجاه واشنطن لتعزيز حضورها العسكري في غرب إفريقيا، ومدى ارتباط هذه التحركات باستراتيجيتها الجديدة في إفريقيا. 

تحرّكات عسكرية: 

شهدت الفترة الأخيرة تحركات عسكرية لافتة للولايات المتحدة في منطقة غرب إفريقيا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- مُساعدات عسكرية: وافقت غانا وكوت ديفوار وبنين على قبول المساعدات العسكرية التي عرضتها الولايات المتحدة على هذه الدول، وتتضمن بالأساس عدداً من المركبات المدرعة الأمريكية، وكانت واشنطن قد خصصت هذه المركبات في الأصل للنيجر، لكنها تراجعت عن ذلك في أعقاب التوترات المتزايدة مع السلطات في نيامي في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس النيجري محمد بازوم، الذي كان يُعد أحد أبرز حلفاء الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، في منطقة الساحل الإفريقي.

في المقابل، يتبنى المجلس العسكري الحاكم حالياً في نيامي مُقاربة مُناهضة للغرب، تمخض عنها انسحاب القوات الأمريكية، وقبلها الفرنسية، من البلاد في أغسطس 2024، وكشف تقرير صادر عن موقع "أفريكا إنتلجنس" الفرنسي أن هناك المزيد من المعدات العسكرية التي تستعد الولايات المتحدة لمنحها كمساعدات لعدة دول في غرب إفريقيا، ولاسيما غانا وبنين وكوت ديفوار. 

2- نقل قوات خاصة: كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن وصول عناصر من القوات الخاصة الأمريكية إلى منطقة غرب إفريقيا، بالإضافة لنقل بعض الطائرات العسكرية إلى هذه المنطقة، وذلك بالتزامن مع تحركات واشنطن لتجديد أحد المطارات الموجودة في بنين، بقيمة تبلغ نحو 4 ملايين دولار؛ لتطوير المطار بحيث يصبح قادراً على استيعاب المروحيات الأمريكية، مع تعزيز التعاون مع كوت ديفوار؛ إذ كشف التقرير عن انتشار مجموعة من القوات الخاصة الأمريكية في أبيدجان، بل إن التقرير الأمريكي أشار إلى وجود مفاوضات راهنة تقوم بها الولايات المتحدة مع تشاد من أجل عودة القوات الخاصة الأمريكية إلى إحدى القواعد الموجودة في أنجامينا. 

3- زيارات مُكثّفة لقائد "الأفريكوم": شهدت الأشهر الأخيرة زيارات مُكثّفة قام بها قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، مايكل لانغلي، إلى دول غرب إفريقيا، ولاسيما غانا وكوت ديفوار وبنين، في إطار عملية المراجعة التي تقوم بها الولايات المتحدة حالياً لاستراتيجية قوات "الأفريكوم" فيما يتعلق بمنطقة غرب إفريقيا، كما عكست هذه الزيارات مدى محورية هذه المنطقة في استراتيجية واشنطن الجديدة في القارة الإفريقية بشكل عام. ولعل هذا ما يُفسّر أيضاً تركيز وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في جولته الإفريقية، في يناير الماضي، على دول غرب إفريقيا.

إعادة تموضع: 

تعكس التحركات الأمريكية الأخيرة في غرب إفريقيا جملة من الدلالات المهمة التي تُشير إلى إعادة تموضع للقوات الأمريكية في المنطقة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- إعادة هيكلة القوات الأمريكية: كلّفت وزارة الدفاع الأمريكية فريقاً مكوناً من 10 أفراد من القوات الخاصة الأمريكية بدراسة كيفية إعادة توزيع القوات الأمريكية التي كانت موجودة في النيجر، البالغ عددها نحو 1100 جندي، كانوا متمركزين في ثلاثة مواقع عسكرية للقوات الخاصة، بالإضافة لقاعدة جوية في أغاديز، وتسعى واشنطن حالياً لنشر هذه القوات في بعض دول غرب إفريقيا الساحلية، ولاسيما بنين وكوت ديفوار. 

ويتسق هذا الطرح مع تصريحات قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، الذي ألمح إلى أن الولايات المتحدة تعمل حالياً مع حلفائها الإقليميين في غرب القارة الإفريقية، ولاسيما غانا وكوت ديفوار وبنين، على تنفيذ خطتها الخاصة بإعادة تموضع قواتها التي كانت موجودة في النيجر، خاصة وأن قاعدة الطائرات من دون طيار في مدينة أغاديز كانت تشكل محور مهمة "أفريكوم" في غرب إفريقيا، ويبدو أن واشنطن تبحث حالياً عن بديل لهذه القاعدة.

2- استعادة قدرات مُكافحة الإرهاب والتمرد: تسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة التمدد المُضطّرد لانتشار تنظيميْ القاعدة وداعش في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؛ إذ شهدت الأشهر الأخيرة نشاطاً محلوظاً في العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيمان. في المقابل؛ منذ انسحاب القوات الأمريكية من قاعدتها الاستراتيجية التي كانت موجودة في النيجر، تراجعت القدرات الأمريكية بشكل كبير على التأثير في جهود مكافحة الإرهاب وعمليات التمرد في منطقة الساحل والصحراء. ومن ثم، فمن خلال عملية إعادة التموضع المرتقبة للقوات الأمريكية في غرب القارة الإفريقية، ربما يساعد ذلك على استعادة واشنطن لقدراتها وتأثيرها في ملف مكافحة الإرهاب والتمرد بمنطقة الساحل.

3- انفتاح واشنطن على دول الساحل والصحراء: على الرغم من عملية إعادة التموضع التي تطبقها الولايات المتحدة حالياً؛ فإنها بدأت تتبنى مُقاربة أشمل في إطار استراتيجيتها الجديدة في القارة الإفريقية؛ إذ تسعى من خلالها للانفتاح على كافة الدول الإفريقية، بما في ذلك دول الساحل والصحراء التي شهدت انقلابات عسكرية أطاحت بحلفاء واشنطن ووصول مجالس عسكرية مُناهضة للغرب، ولعل هذا ما يتجسد في تصريحات قائد قوات "الأفريكوم"، الذي أشار إلى أن بلاده تقوم حالياً بتقييم التعاون العسكري مع دول منطقة الساحل، بما في ذلك تحالف الساحل الجديد الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وبناءً عليه ستحدد واشنطن طبيعة العلاقات مع شركائها الجدد في إفريقيا. 

وعلى المنوال ذاته؛ تسعى استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في القارة الإفريقية إلى تعزيز علاقاتها بدول القارة، ولعل هذا ما يفسر إعلان واشنطن مؤخراً عن دعمها لفكرة حصول القارة الإفريقية على مقعدين دائمين في مجلس الأمن. كما كشفت بعض التقارير عن اتجاه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للقيام بزيارة إلى أنغولا خلال الأيام المُقبلة؛ وهو ما سيجعلها، حال حدوثها، أول زيارة لرئيس أمريكي إلى إفريقيا جنوب الصحراء منذ زيارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في عام 2015.

4- مُواجهة التمدد الروسي والصيني: ترتبط التحركات الأمريكية الراهنة في غرب إفريقيا بمساعي واشنطن لمواجهة تمدد النفوذ الروسي والصيني في هذه المنطقة. وفي هذا السياق، وجّه قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا، تُهماً لروسيا والصين بقيادة حملة تضليل في منطقة الساحل لتقويض النفوذ الأمريكي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؛ مُشيراً إلى أن بلاده تسعى حالياً لمواجهة هذه الحملة. 

ويبدو أن ثمّة قلقاً أمريكياً مُتزايداً من تنامي النفوذ الصيني في غرب إفريقيا، فبعد فترة من تراجع دور بكين في القارة خلال السنوات الأخيرة، عادت المشاركة الصينية في إفريقيا للتزايد مرة أخرى، وهو ما انعكس في المنتدى التاسع للتعاون الصيني الإفريقي (FOCAC)، مطلع سبتمبر 2024، والذي ركّز بشكل كبير على المنافسة الصينية مع الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، في القارة الإفريقية؛ إذ ترسخ بكين صورتها كشريك أكثر موثوقية للدول الإفريقية، بما في ذلك الغرب الإفريقي.

ارتدادات مُحتملة: 

في إطار التحركات الأمريكية الراهنة في غرب إفريقيا، هناك جملة من الارتدادات المُحتملة التي ربما تتمخض عن هذه التحركات، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- قواعد عسكرية أمريكية جديدة: مع الخسائر المتتالية للمصالح الأمريكية في منطقة الساحل، ولاسيما بعد انسحاب قواتها من النيجر، وقرار المجلس العسكري الحاكم في تشاد تعليق الأنشطة العسكرية الأمريكية في قاعدة أدجي كوسي؛ تسعى واشنطن لتكثيف حضورها في غرب إفريقيا، وهو ما ربطته بعض التقارير الغربية بوجود تطلعات أمريكية لإقامة قوعد عسكرية جديدة في دول الغرب الإفريقي. 

وفي هذا الإطار، جاءت الزيارات المُتكررة التي قام بها قائد قوات "الأفريكوم"، مايكل لانغلي، خلال الأسابيع الأخيرة إلى غرب إفريقيا لبحث هذا الأمر مع بعض الدول في غرب إفريقيا. ويتماشى هذا الطرح مع بعض التقارير، غير المؤكدة، التي كانت قد كشفت في يوليو 2024 عن وجود اتجاه لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة أوديني بشمال غرب كوت ديفوار.

2- تكرار سيناريو دول الساحل: رجّحت بعض التقديرات أن يشكل تنامي الحضور العسكري الأمريكي في غرب إفريقيا ذريعة للمجموعات الإرهابية الموجودة في منطقة الساحل للتمدد وتوسيع نشاطها في غرب القارة الإفريقية، من خلال إثارة المشاعر المناهضة للغرب في هذه المنطقة، واستغلال هذا الوجود العسكري في التعبئة الداخلية وتجنيد مزيد من العناصر الإرهابية؛ الأمر الذي قد يفاقم حالة الاستقطاب الداخلي في دول الغرب الإفريقي؛ ومن ثم يزيد من احتمالية تكرار سيناريو منطقة الساحل، سواء بحدوث انقلابات عسكرية، وإن كان هذا السيناريو أقل ترجيحاً، أم وصول حكومات في هذه الدول تفضّل الانفتاح على الصين وروسيا على حساب علاقاتها التقليدية بالغرب، وربما تشكل حالة نيجيريا نموذجاً واضحاً لهذا الأمر.

3- تصاعد التنافس الدولي: أصبح التعاون العسكري أحد أبرز أدوات التنافس الأمريكي الصيني، خاصةً في القارة الإفريقية، ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لإعادة تموضع قواتها في منطقة غرب إفريقيا وتعزيز تعاونها العسكري مع دول القارة الإفريقية، تعمل الصين أيضاً على زيادة تعاونها العسكري في القارة، ولاسيما مع دول غرب إفريقيا، فقد أعلنت بكين عن خطتها لإنفاق نحو 140 مليون دولار لتدريب 6 آلاف عسكري من القارة الإفريقية، وقد باتت الصين تشكل ثاني أكبر مورد للأسلحة في إفريقيا، بعد روسيا.

كذلك، تعمل الصين حالياً على تعزيز علاقتها طويلة الأجل مع القيادات الإفريقية الصاعدة التي ستصبح لاحقاً على رأس المؤسسات العسكرية والسياسية في إفريقيا، ويتسق هذا الطرح مع "مبادرة الأمن العالمي" (GSI) التي أطلقتها بكين في عام 2022؛ وتستهدف طرح نظام أمني بديل للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة؛ وهو ما سيطرح العديد من الخيارات أمام الدول الإفريقية. 

غير أن هذه التطلعات الطموحة للصين تثير قلقاً أمريكياً متزايداً، ولاسيما في ظل الحديث عن مساعي بكين للحصول على قاعدة عسكرية دائمة لها في غرب إفريقيا؛ لتكون الثانية للصين في القارة، بعد قاعدتها الوحيدة حالياً في جيبوتي، غير أن واشنطن تنظر إلى الوجود العسكري الصيني المحتمل في غرب إفريقيا، والذي سيمنح بكين حضوراً عسكرياً على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، باعتباره تهديداً لمصالحها. 

ولعل هذا ما يفسر قيام الولايات المتحدة مؤخراً بتخصيص نحو 5 ملايين دولار كحزمة لتدريب القوات الخاصة في الغابون؛ بهدف منع الصين من الحصول على قاعدة عسكرية لها هناك؛ وهو ما يعكس تصاعد حدة التنافس الأمريكي الصيني على النفوذ العسكري في غرب القارة الإفريقية.

وفي الختام، تسعى الولايات المتحدة إلى تبني مُقاربة جديدة في القارة الإفريقية، تتغلب من خلالها على خسائرها التي أفرزتها استراتيجيتها السابقة، والتي قلّصت نفوذها في منطقة الساحل والصحراء. وفي هذا السياق؛ تستهدف واشنطن إعادة تموضع قواتها في غرب إفريقيا، ومراجعة استراتيجية القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" فيما يتعلق بمنطقة غرب إفريقيا، بما يوسع وجودها العسكري في دول غرب إفريقيا الساحلة، دون أن يفضي ذلك إلى قطيعة كاملة مع تحالف دول الساحل الجديد، في محاولة للحفاظ على قوة تأثير واشنطن ومصالحها في منطقة الساحل، حتى وإن كان ذلك بتكلفة أعلى. 

وفي الوقت ذاته، تولي الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً بمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في هذه المنطقة؛ وهو الأمر الذي يتوقع أن تكون له انعكاسات مهمة على المشهد الجيوسياسي هناك، وربما يؤدي على المدى الطويل إلى تكريس حالة الاستقطاب.