عرض: هند سمير
لعبت قوات الحشد الشعبي العراقية دورًا حاسمًا في القتال ضد تنظيم "داعش" (الدولة الإسلامية)، لكن هذه القوة شبه العسكرية تمثل الآن تحديًا للعلاقات المدنية – العسكرية، لأن العديد من مقاتلي الحشد الشعبي لا يزالون موالين لقادتهم السابقين، على الرغم من اندماجهم رسميًا في القوات المسلحة العراقية منذ عام 2016، فضلاً عن أن هذا الاندماج قد يوفر لإيران فرصة جديدة لتقويض كل من المصالح الأمريكية والديمقراطية المتعثرة في العراق. لذلك، تعد معالجة التحديات التي تفرضها قوات الحشد ضرورية لنجاح أي استراتيجية أمريكية في العراق والشرق الأوسط بصفة عامة.
وفي تقرير بعنوان "مستقبل الحشد الشعبي"، صادر عن مؤسسة راند الأمريكية في العام 2023، يفحص الباحثون دانييل هيدج وتريفور جونستون وبن كونابل الدروس المستفادة من الجهود السابقة لنزع سلاح الميليشيات وتسريحها وإعادة دمجها بما يسهم في تشكيل السياسة الأمريكية في التعامل مع قوات الحشد الشعبي، ويهدف التقرير إلى تحليل برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج التاريخية، لتقييم ما إذا كانت الجهود المماثلة التي تدعمها الولايات المتحدة في العراق قد تنجح من عدمه، من خلال دراسة هذه البرامج خلال الفترة من 1979 إلى 2010.
يسعى التقرير للإجابة على سؤالين أساسيين: كم مرة نجحت برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المدعومة دوليًا في الحد من قوة وتأثير المجموعات المسلحة مثل قوات الحشد الشعبي؟، وإلى أي مدى يمكن أن تكون برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج فعَّالة في العراق؟. تعتمد الإجابة في التقرير على تحليل ومراجعة 30 برنامجًا تاريخيًا لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، إذ تم اختيار خمس دراسات حالة منها والتي تستهدف مجموعات مماثلة لقوات الحشد الشعبي، بما يسمح باستخلاص الدروس التي قد تسهم في تحديد الخيارات المتاحة للتعامل مع الحشد الشعبي العراقي.
معايير المقارنة:
لتحديد جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج التاريخية التي استهدفت مجموعات مماثلة لقوات الحشد الشعبي وفي سياقات تشبه العراق، اعتمد الباحثون على عقد ورشة عمل مع الخبراء، بالإضافة إلى مراجعة الأدبيات التي تركز على قوات الحشد الشعبي، حيث تم تحديد خمس خصائص محددة لمشكلات الحشد الشعبي، والتي تم استخدامها كمعايير اختيار في تحديد قابلية المجموعات الأخرى للمقارنة معها. وتمثلت هذه الخصائص في:
1) الأهمية للأمن القومي (النظر لها على أنها مهمة لتوفير الأمن ضد أي تهديد داخلي أو خارجي).
2) راسخة محليًا (أي تتمتع المجموعة بدعم قوي بين مجتمع مركّز جغرافيًا أو عرقيًا أو طائفيًا).
3) منظمة بشكل تقريبي ولكنها متنوعة (ليست كتلة متراصة لكن تتألف من مجموعة متنوعة من المقاتلين والمنظمات السياسية العسكرية).
4) الإرادة السياسية المحلية المحدودة للتسريح (تسريح الجماعة ليس من بين أهم الأولويات السياسية للحكومة الوطنية).
5) تتمتع بدعم خارجي (يتم دعم المجموعة من قبل جهة خارجية ستتأثر بعملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ويمكن أن تتعرض مصالحها للتهديد، وفي حالة قوات الحشد الشعبي فإنها تتلقى أشكالاً مختلفة من الدعم الخارجي من الحكومة الإيرانية).
ولقياس مدى نجاح جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لكل حالة من الحالات الثلاثين في التقرير، تم تقييم النجاح وفقًا لمعيارين. الأول: كان من خلال تصنيف كيفي، تم بناءً على مراجعة تفصيلية للأدبيات التاريخية، لمدى نجاح إعادة دمج الجماعات المسلحة غير الحكومية. والثاني: هو ما إذا كانت الجماعة قد تورطت مرة أخرى في أعمال العنف على الرغم من جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
وقد أظهرت ورش العمل ومراجعة الأدبيات عدة نتائج أساسية، أولاً، مشكلات قوات الحشد الشعبي لم تكن مألوفة ولكنها ليست فريدة، فما يقترب من نصف حالات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج اشتركت مع قوات الحشد الشعبي في أربع خصائص، وثلاثة من هذه الحالات اشتركت معها في جميع الخصائص الخمسة. ثانيًا، تؤدي معظم حالات نزع السلاح والتسريح إلى إعادة دمج ناجحة لمقاتلي الجماعات المسلحة وتقليل احتمالية عودة الجماعة إلى العنف في غضون خمس سنوات. ثالثًا، معدل النجاح التاريخي لحالات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، لا سيما فيما يتعلق بإعادة دمج المقاتلين، أقل بين تلك المجموعات الأكثر تشابهًا مع قوات الحشد الشعبي (أي التي تشترك معها في أربع خصائص على الأقل).
متطلبات إصلاحية:
للإجابة على التساؤل الثاني المطروح في هذا التقرير، تم استعراض سلسلة من دراسات الحالة القصيرة لفحص كيف حدت الظروف السياسية والأمنية من فعالية جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج السابقة التي تستهدف مجموعات مماثلة لقوات الحشد الشعبي.
وقد تم التركيز على تحليل المجموعات الخمس، التي تم تحديدها على أنها الأكثر تشابهًا مع قوات الحشد الشعبي، وفقًا للخصائص التي سبق الإشارة إليها. وتضمنت المجموعات التالية:
(1) التحالف الشمالي في أفغانستان.
(2) الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا.
(3) جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني في السلفادور.
(4) جيش تحرير كوسوفو.
(5) حزب الله في لبنان. هذه المجموعات الخمس تتألف من مجموعة متنوعة من القضايا التي تقع عبر خمس قارات ومتفاوتة في مدة النزاع.
وقد أظهرت نتائج دراسات الحالات الخمسة أن تسريح المقاتلين، على المدى القصير على الأقل، صعب للغاية ما لم يكن مرتبطًا بإصلاحات سياسية وأمنية تكميلية، وليس هناك صيغة ثابتة للنجاح، ومع ذلك يشير التحليل إلى أهمية العديد من العوامل: بما في ذلك
(1) استعداد الحكومة والجماعة المسلحة للدخول في العملية.
(2) التأمين الأساسي من العنف لكلا الطرفين.
(3) نوع من التوافق السياسي الجاهز المتاح لقيادة الجماعة المسلحة.
(4) توفير فرص للمقاتلين والقادة السابقين تكون جذابة بقدر الوضع الراهن.
(5) وجود قوة دولية قادرة لضمان أمن أولئك الذين تم نزع سلاحهم وتسريحهم.
ويعد نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج غير كافٍ إذا تم بمعزل عن جهود إصلاح القطاع الأمني التكميلية وبشكل منفصل عنها. ومن غير المحتمل أن تحقق هذه الجهود قصيرة المدى تغييرًا ذا مغزى ما لم يكن أصحاب المصلحة المحليون والدوليون راغبين وقادرين وصبورين بما يكفي لمتابعة الإصلاح السياسي والهيكلي الأوسع الذي يوفر قدرًا أكبر من الشمول.
بدائل السياسات:
قد يكون للولايات المتحدة دور ضئيل في تصميم برنامج أو سياسة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المحددة في العراق، مع ذلك فإن تجاهل قوات الحشد الشعبي أو السماح لها بزيادة نفوذها داخل الأجهزة الأمنية العراقية والهيئات السياسية قد يضر بالديمقراطية العراقية ويقوض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها في العراق والشرق الأوسط الكبير. بالنظر إلى هذه المخاطر، من المهم أن تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها طرقًا للحد من النفوذ السياسي لقوات الحشد الشعبي.
هنا، يشير التقرير إلى أن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الذي يركز على قوات الحشد الشعبي سيكون صعبًا للغاية ما لم يتم ربطه بإصلاحات تكميلية وإصلاحات سياسية. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تأتي برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج التي تقودها الولايات المتحدة بنتائج عكسية، حيث أن الضغط الذي يمارسه القادة الأمريكيون ضد قوات الحشد الشعبي من شأنه أن يمنح قادة الحشد الشعبي المدعوم من إيران دفعة لاستعادة بعض هيبتهم المتضائلة وصرف بعض الانتباه السلبي عن إيران. كما أن التدخل الأمريكي المباشر من شأنه أن يحول الانتباه العام السلبي في العراق من قوات الحشد الشعبي إلى الولايات المتحدة، مما يزيد من تقويض النفوذ الأمريكي.
ويشير التحليل الذي تم إجراءه في هذا التقرير إلى أن برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج يمكن أن تساعد في دعم جهود تحقيق الاستقرار بعد الصراع، لكن هذا النجاح الدائم غالبًا ما يعتمد على الإصلاحات الهيكلية التكميلية وتعاون الشركاء. ومن غير المحتمل أن تخضع المجموعات التي لا ترى أي فائدة مباشرة من الانضمام إلى العملية السياسية، وتكون قادرة على إعالة نفسها من خلال الدخل الذاتي أو الرعاية الخارجية، إلى برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بأي طريقة مجدية.
ويعد الحصول على تأييد الجماعات المسلحة أمر بالغ الأهمية لنجاح برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. خلاف ذلك، قد تختار الجماعات المتشددة بدلاً من ذلك الفرص الأكثر ملاءمة للمشاركة مع الخضوع لعدد قليل من القيود التي قد تفرضها الدولة. كما أن نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج لا يؤدي دائمًا إلى النتائج المرجوة عندما يتم دمج المقاتلين السابقين الذين تتعارض مصالحهم مع مصالح الحكومة في نظام ما بعد الصراع. في ظل هذه الظروف، قد تصبح المعارضة المسلحة السابقة في نهاية المطاف النظام الحاكم، مما قد يؤدي إلى مشاكل مستقبلية لا توصف للمجتمع الدولي.
نتائج عكسية:
وفقًا للتقرير، فإن الشروط التي تضمن نجاح برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، كما جرت في دراسات الحالة، لا تنطبق على العراق اليوم. فمنذ أوائل 2021، لا الحكومة العراقية ولا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في وضع يسمح له بتنفيذ سياسة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج تجاه قوات الحشد الشعبي. فبدون دعم واسع النطاق وتأييد من المؤسسة السياسية العراقية، فإن الضغط على نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار والإتيان بنتائج عكسية. ويمكن حصر أسباب عدم نجاح جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج اليوم، في خمسة أسباب أساسية:
1) قد تكون قوات الحشد الشعبي أقوى قوة عسكرية في العراق: بالنظر إلى الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية وقوات التحالف، والتحديات المستمرة مع الجيش العراقي والشرطة الاتحادية، والحجم المحدود لجهاز مكافحة الإرهاب، قد تكون مجموعات الميليشيات الكونفدرالية التابعة لقوات الحشد الشعبي أقوى قوة عسكرية منفردة في العراق. وتحفز هذه القوة العسكرية قوات الحشد الشعبي على البقاء تحت السلاح والزي الرسمي الحالي بدلاً من مستقبل غير مؤكد في الأجهزة الأمنية العراقية الدائمة أو في الحياة المدنية.
2) تتمتع قوات الحشد الشعبي بنفوذ سياسي كبير: مع انقسام البرلمان العراقي بشدة، وتولى قادة ميليشيات الحشد الشعبي مناصب مؤثرة في الحكومة، فإن ذلك يمنحهم حق النقض (الفيتو) الفعَّال على صنع القرار الوزاري، كما أن وحدات قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، والتي تعمل تحت المظلة القانونية للحكومة العراقية، تمارس سيطرة أمنية بحكم الأمر الواقع على أجزاء كبيرة من سكان العراق.
3) الفرص البديلة للعمل في الحياة المدنية محدودة وغير جذابة: فرص العمل السيئة وفشل الحكومة في توفير فرص اقتصادية منصفة تجعل بدائل خدمة الميليشيات غير جذابة. لذلك، تقدم تجربة برنامج أبناء العراق حكاية تحذيرية لأفراد قوات الحشد الشعبي الذين قد يكونون مستعدين للتسريح، حيث فشلت الحكومة العراقية في العثور على وظائف مدنية لأعضاء أبناء العراق أو دمجهم بشكل فعال في قوات الأمن الرسمية.
4) تضاءل النفوذ الأمريكي: اعتبارًا من أوائل عام 2021، كان النفوذ الأمريكي على صانعي السياسة العراقيين محدودًا مقارنةً بالنفوذ الإيراني، فلم يعد السياسيون العراقيون يستجيبون لواشنطن كما فعلوا في عام 2003، لذلك، فإن فرض سياسة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج أصبح غير ممكن.
في الأخير، يشير التقرير إلى أن أي محاولة علنية من قبل صانعي السياسة الأمريكيين لفرض سياسة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج على الحكومة العراقية أو متابعة تفكيك قوات الحشد الشعبي من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية. فبدءًا من أوائل عام 2021، أصبحت الولايات المتحدة وسياساتها في العراق تحظى باهتمام عام ضئيل نسبيًا، حيث يهتم المدنيون في المقام الأول بالنفوذ الإيراني وفساد الحكومة العراقية. وعلى الرغم من فقد قوات الحشد الشعبي الترحيب بها في العديد من المجالات، إلا أن التنظيم لا يزال يحظى بدعم العديد من العراقيين الشيعة، لذا يجب على صانعي السياسات أيضًا أن يكونوا حذرين من تنفيذ برامج غير علنية لتقويض قوات الحشد الشعبي، بما في ذلك المناشدات الدبلوماسية التي تبدو منخفضة المخاطر.
المصدر:
Daniel Egel, Trevor Johnston, Ben Connable, The Future of the Iraqi Popular Mobilization Forces: Lessons from Historical Disarmament, Demobilization, and Reintegration Efforts, The RAND Corporation, 2023.