أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

أزمة قائمة:

دلالات إعلان تحوّل الصدر إلى المعارضة في العراق

20 مايو، 2022


أعلن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 15 مايو 2022، عن تحوله إلى المعارضة الوطنية، لمدة لا تقل عن 30 يوماً، وذلك بسبب ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية عليه وعدم نجاح مسعاه في تشكيل حكومة أغلبية، داعياً باقي الأطراف بمن فيهم أعضاء التحالف الثلاثي إلى تشكيل حكومة خلال هذه المدة، وإن لم تفلح فسيلجأ لقرار آخر يعلنه في حينها.

تطورات متزامنة: 

جاء قرار الصدر الأخير متزامناً مع عدد من التطورات السياسية التي شهدتها الساحة العراقية على مدار الفترة القليلة الماضية، وهو ما يمكن استعراضه في النقاط التالية:

1- قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير: رفضت المحكمة، في 15 مايو 2022، مشروع قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية" الذي تم تقديمه من حكومة مصطفي الكاظمي الحالية إلى البرلمان، وأقره الأخير. فقد تقدم النائب المحسوب على التنسيقي، باسم خشان، بطعن أمام المحكمة الاتحادية على القانون المذكور، وذلك على أساس أنه يهدف إلى تمرير الملفات المالية المهمة كبديل عن قانون الموازنة الاتحادية، والتي تعثر إقرارها.

وارتأت المحكمة أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ولا يحق لها تقديم أي قوانين من هذا النوع، كما شددت المحكمة على أن قرارها أصبح ملزماً لكافة السلطات. ومثّل قرار المحكمة ضربة لتحالف إنقاذ وطن، الداعم الرئيسي لهذا القانون، ونقطة في صالح التنسيقي المعارض له، إذ إن إقرار القانون المذكور كان سيعني أن تحالف إنقاذ وطن كان سيتمكن من إدارة شؤون البلاد من خلال تمرير قوانين مالية لحين الاتفاق على الحكومة الجديدة، وهو ما يعني عملياً تهميش التنسيقي. 

2- إخفاق المبادرات المطروحة: فشلت المبادرات المطروحة من الأطراف كافة تقريباً في حلحلة أزمة تشكيل الحكومة، والتي كان أخرها مبادرة النواب المستقلين في البرلمان العراقي، والتي تضمنت حوالي سبعة بنود أبرزها تشكيل النواب المستقلين تحالفاً داخل البرلمان، إلى جانب كتل أخرى لتكوين الكتلة الأكبر عدداً، لتتولى هي تسمية رئيس الحكومة، من خلال تقديم شخصيات مستقلة للمنصب.

وبطبيعة الحال، فقد أخفقت هذه المبادرة، على أساس أن وزن المستقلين كان محدوداً، مقارنة بتحالف إنفاذ وطن، كما أن المستقلين أنفسهم لا يعكسون كتلة متحدة، بل يعانون انقسامات داخلية. 

3- تصفية نفوذ التنسيقي في حكومة الكاظمي: قام البرلمان العراقي في 12 مايو الجاري باستجواب بعض الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الحالية، وكان من بينهم وزير الصناعة منهل الخباز، ووزير النقل ناصر الشبلي، ووزير المالية علي علاوي، فضلاً عن سعي بعض الكتل لتسمية وزيرين جديدين لوزارتي الهجرة والمهجرين، والعمل والشؤون الاجتماعية، وذلك على خلفية فوز وزيراهما بمقعدين في البرلمان.

ورفض التنسيقي هذه التحركات، إذ اعتبر تلك التحركات مخالفة للدستور على سند من القول إن البرلمان الحالي لم يمنح الوزراء الثقة حتى يستجوبهم، غير أن السبب الحقيقي يتمثل في تخوف قوى التنسيقي، من أن هذه التحركات مدعومة من تحالف إنقاذ وطن، لتصفية الوزراء التابعين للتنسيقي، مع الإبقاء على الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفي الكاظمي، في ظل استمرار تعثر القوي السياسية في تشكيل حكومة جديدة.

4- إخفاق التنسيقي في تشكيل الحكومة: منح الصدر باقي خصومه فرصة لتشكيل الحكومة في مدة 40 يوماً من دون أن يكون طرفاً فيها. وبطبيعة الحال، فقد أخفق التنسيقي في تشكيل الحكومة، بسبب افتقاده للأغلبية، غير أنه في المقابل يصر على تعطيل تشكيل الحكومة العراقية، عبر توظيف الثلث المعطل. 

ولعل من العوامل التي تساعد التنسيقي في ذلك هو الخلاف الحاد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على مرشح رئيس الدولة العراقية، وانضمام الأخير إلى التنسيقي لمنع تشكيل الحكومة العراقية.

أهداف الصدر:

يمكن تقييم تلك التطورات وما ترتب عليها من إعلان زعيم التيار الصدري التحوّل إلى صفوف المعارضة الوطنية، عقب فشل الكتلة الأكبر في تشكيل حكومة أغلبية وطنية، في عدد من المؤشرات:

1- رفض ضغوط التنسيقي: يصر الصدر على رفض المحاولات المكثفة التي يبذلها التنسيقي لتعطيل تشكيل الحكومة العراقية، حتى يذعن الصدر لمطالبه، والتي تتمثل في تشكيل حكومة توافقية تضم القوى الشيعية كافة. فقد أكد مقتدي الصدر، في 16 مايو الجاري، أي بعد يوم واحد من تحوّله إلى المعارضة، تمسكه بمشروع حكومة الأغلبية الوطنية.

وفي المقابل، تتحفظ قوي التنسيقي على خطوة الصدر الأخيرة وتعتبر أن تحركات واتهامات الصدر للتنسيقي على مدار الفترة الماضية محاولة لخلط الأوراق والتشويش على الرأي العام العراقي وتشويه لدوره، فقد وصف بيان التنسيقي خطوة الصدر بالخطوة الانفعالية المتشنجة التي لا تقدم حل لأزمات الدولة ولا تخدم المواطنين، وذلك في محاولة لتحميل الصدر مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة العراقية، ومن ثم تردي الخدمات المقدمة للمواطنين.  

2- بحث خيارات أخرى: يكشف اتجاه الصدر للمعارضة لمدة شهر عن إدراكه جيداً امتلاكه العديد من الخيارات للتعامل مع أزمة تشكيل الحكومة، وهو ما عبّر عنه من خلال تأكيده أنه في حالة فشلت القوى السياسية في تشكيل الحكومة خلال مدة الشهر، فسوف يطرح حل جديد، من دون توضيح ماهيته.

وكان الصدر يعول على التحالف مع بعض القوى داخل التنسيقي، غير أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح، بسبب رفض طهران تفكيك هذا التحالف، نظراً لأن ذلك سوف يعني تراجع لنفوذها في العراق، والذي بات يرتكز في النهاية على التنسيقي بشكل رئيسي.  

انعكاسات محتملة:

في إطار ما تمر به العملية السياسية من جمود وتأزم منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أكتوبر 2021، يمكن الإشارة إلى عدد من الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها الصدر، وذلك على النحو التالي:

1- خطوات تصعيدية: يمكن أن يلجأ التيار الصدري إلى اتخاذ بعض الإجراءات التصعيدية في حال إخفاقه في تشكيل حكومة أغلبية، والتي تتمثل في: 

‌أ- إجراء انتخابات مبكرة: يستطيع الصدر أن يدعو البرلمان إلى حل نفسه وإعادة الانتخابات، لاسيما في حال فشل الصدر مرة أخرى في عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، ولكن خطوة حل البرلمان ستواجه برفض من قبل التنسيقي، وهو ما أكد عليه رئيس كتلة دولة القانون النيابية النائب عطوان العطواني، بأن الإطار التنسيقي ليس مع حل البرلمان، غير أنه في المقابل لا يستطيع منعه. 

‌ب- استمرار حكومة الكاظمي: يستطيع الصدر الإبقاء على حكومة مصطفي الكاظمي بالنظر إلى كونه مقرب منه، ومرشحه السابق لرئاسة الوزراء، مع محاولة إقصاء بعض الوزراء الفاسدين، أو المرتبطين بالتنسيقي، ومن ثم إدخال تعديلات محدودة عليها من فترة لأخرى. 

وبطبيعة الحال، فإن التنسيقي يقاوم هذا الخيار، كما أنه من غير المعروف موقف المحكمة الاتحادية العليا من قيام البرلمان بعزل بعض الوزراء في حكومة تصريف الأعمال. 

‌ج- اللجوء إلى الشارع: قد يدعو التيار الصدري أنصاره إلى الخروج في احتجاجات واسعه ومنظمة، وصولاً إلى اعتصام مفتوح أمام المؤسسات الاستراتيجية في الدولة كالبرلمان للضغط على باقي القوى السياسية من أجل تشكيل الحكومة، غير أن هذا الخيار يعد خيار غير عملي، لأنه سيدفع خصومه إلى حشد أنصارهم، ومن ثم فتح الباب أمام مزيد من الاضطرابات السياسية، وهو أمر يسعى الصدر لتفاديه.

2- انسحاب الصدر: يتمثل هذا الخيار في بقاء الصدر في صفوف المعارضة، بما قد يدفع القوى المتحالفة معه إلى تشكيل الحكومة من دونه وهو ما يعني انضمام جزء منهم إلى الإطار التنسيقي، وعلى الرغم من إمكانية تحقيق هذا السيناريو نظرياً، فإنه مستبعد تماماً بالنظر إلى تبني القوى السنية والكردية الموالية للصدر المواقف نفسها الرافضة للتنسيقي.

3- العودة للحكومة التوافقية: يمكن أن يقبل الصدر في النهاية بالحكومة التوافقية، التي تسعى إليها التنسيقي وإيران، إذ يرى الحرس الثوري الإيراني أن تشكيل الصدر لحكومة أغلبية تستبعد الإطار التنسيقي أو بعض مكوناته، ما هو إلا انتكاسة مؤكدة لنفوذه على العراق. وتتمثل المشكلة الأساسية في رفض الصدر بشكل كامل لهذا الخيار، حتى الآن.

وفي الختام، يكشف إعلان الصدر تحوّله إلى معارضة وطنية عن استمرار أزمة تشكيل الحكومة العراقية، ارتباطاً برفضه الخضوع لطلبات التنسيقي بتشكيل حكومة توافقية، فضلاً عن صعوبة استقطاب المستقلين للانضمام إلى تحالف السيادة، إلى جانب الخلاف بين القوى الكردية.