يبدو أن تنظيم "القاعدة" قد استغل اهتمام القوى الدولية بمحاربة تنظيم "داعش" للعمل على إعادة بناء قدراته العسكرية والتنظيمية، حيث يحاول توسيع نطاق انتشاره من جديد، وهو ما كشف عنه منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية ناثان سيلز، وفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبرج في 1 أغسطس 2019، الذي أشار إلى أن التنظيم ما يزال يشكل تهديدًا للولايات المتحدة الأمريكية "كما كان في السابق"، بعد أن انخرط في عملية إعادة بناء خلال الأعوام الماضية، معتمدًا في هذا السياق على تبني آليات عديدة ترتبط بتكوين شبكة تحالفات وما يسمى بـ"الكمون التنظيمي"، فضلاً عن تنويع مصادر التمويل.
خطر متصاعد:
رغم أن تنظيم "القاعدة" قد تعرض خلال الأعوام الماضية لضربات قوية، كان من أبرزها مقتل مؤسسه أسامة بن لادن في 2 مايو 2011، بالتوازي مع استهداف بعض فروعه من قبل الدول المعنية بالحرب ضد الإرهاب، التي شكلت قوات مشتركة لمحاربته، على غرار قوة الساحل لمكافحة الإرهاب فى إفريقيا، التي أعلن عنها في يوليو 2017، إلا أن التنظيم سعى إلى احتواء التداعيات التي فرضتها تلك الضغوط عبر محاولة التمدد والانتشار بشكل غير مسبوق، فى عدد من المناطق، على غرار منطقة الساحل والصحراء وشرق إفريقيا، مستغلاً في هذا السياق حفاظه على قسم من قوته في سوريا، ممثلاً في "هيئة تحرير الشام"، واستمرار ولاء أحد الفصائل الرئيسية داخل حركة "بوكو حرام"، الذي يقوده أبوبكر شيكاو، له.
وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة إلى ترجيح عودة التنظيم إلى تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، على نحو انعكس في قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإدراج بعض المجموعات الموالية له على لائحة الإرهاب، للحد من نفوذه المتصاعد وتقليص قدرته على الحصول على مصادر تمويل، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 6 سبتمبر 2018، إدراج جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي تمثل أكبر تحالف "قاعدي" في شمال وغرب إفريقيا، على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وقد كان لافتًا أن نشاط التنظيم تزايد بشكل ملحوظ في الفترة الماضية، وهو ما بدا جليًا في الهجمات التي يشنها في العديد من المناطق، والتي لم تقتصر على استهداف القوات الحكومية والأممية، ولكنها امتدت لتشمل المدنيين، مثل الهجوم الذي نفذته حركة "شباب المجاهدين" الصومالية، التي تمثل فرع "القاعدة" في شرق إفريقيا، على أحد الفنادق وسط مدينة كسمايو، في 13 يوليو 2019، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا.
آليات مختلفة:
حاول تنظيم "القاعدة" استخدام آليات عديدة من أجل إعادة تفعيل نشاطه من جديد، يتمثل أبرزها في:
1- التوسع في التحالفات: حرص التنظيم عبر فروعه المنتشرة في عدد من المناطق على الدخول في شبكة تحالفات معقدة، سواء كانت تحالفات قبلية أو تنظيمية، حيث تجاوز قضية "الحواجز الأيديولوجية" القائمة بين تلك الجماعات، وهو ما أدى إلى ظهور أفرع وخلايا تابعة له في دول مثل تونس وجنوب الجزائر وشمال مالي والنيجر وشمال نيجيريا في وقت متزامن.
وفي هذا السياق، تحالف التنظيم مع كل من حركة "أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا"، في شمال مالي، وتنظيم "أنصار الإسلام"، فى بوركينافاسو، إضافة إلى تعاونه مع الفصيل الذي يقوده أبوبكر شيكاو داخل حركة "بوكو حرام"، والذي أدى في النهاية إلى تكوين تحالف "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، الذي تم الإعلان عنه في 1 مارس 2017.
2- الكمون التنظيمي: ركزت فروع تنظيم "القاعدة" في بعض دول منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الأخيرة على التمدد الجغرافي، دون الإعلان عن تأسيس "بؤر قاعدية" في مناطق نفوذه قد تلفت إليه الانتباه وتُعرِّضه للاستهداف، حيث اعتمد على سياسة "الانتشار التنظيمي" وليس "السيطرة الترابية" أو "المكانية"، كما فعل تنظيم "داعش"، الذي تبني سياسة "السيطرة الترابية"، لا سيما عندما اجتاح مناطق واسعة في كل من سوريا والعراق بداية من منتصف عام 2014، وكذلك داخل مدينة سرت في ليبيا، حيث كان يحرص على التواجد في مناطق محددة يفرض سيطرته عليها بشكل كامل، وهو ما ساهم في إضعافه تنظيميًا، بشكل تدريجي، على ضوء الضربات القوية التي تعرض لها في تلك المناطق من قبل القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب.
3- تنويع مصادر التمويل: سعى تنظيم "القاعدة" والمجموعات الموالية له، في إطار إعادة بناء قدراتها، إلى الحصول على مصادر متعددة للتمويل، خاصة من خلال عمليات التهريب عبر الحدود وتجارة البشر، والتي تقوم بها، على سبيل المثال، المجموعات الموالية لـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، أو عبر التجارة مع بعض الدول الداعمة للإرهاب، على غرار ما تقوم به حركة "شباب المجاهدين" الصومالية، التي تتعاون مع إيران في تجارة الفحم، حسب ما جاء في تقرير أعده مراقبو العقوبات في الأمم المتحدة، في 10 أكتوبر 2018، والذي كشف أيضًا أن حركة "الشباب" تحصل، إلى جانب تجارة الفحم غير المشروعة، على ما لا يقل عن 7.5 مليون دولار من الضرائب من خلال الرسوم التي تقوم بتحصيلها من المركبات عند نقاط التفتيش التي تؤسسها في مناطق نفوذها، إلى جانب فرض ضرائب على الشركات والمزروعات والأنشطة التجارية.
وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن خريطة التنظيمات الإرهابية سوف تشهد تحولات ملحوظة خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل المحاولات التي يقوم بها تنظيم "القاعدة" من أجل إعادة بناء قدراته العسكرية والتنظيمية، وسعى تنظيم "داعش"، بالتوازي مع ذلك، إلى تأسيس بؤر نفوذ جديدة داخل المناطق التي سبق أن سيطر عليها وخرج منها بفعل الضربات العسكرية التي تعرض لها، حيث تتزايد التحذيرات الدولية في الفترة الأخيرة من التداعيات التي يمكن أن يفرضها ذلك.