في إطار تنامي العلاقات الإماراتية – الهندية بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، يبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على رأس وفد يضم عدداً من كبار المسؤولين والوزراء في الدولة، زيارة للهند لمدة ثلاثة أيام خلال الفترة من 10 إلى 12 فبراير 2016، لمناقشة عدد من القضايا السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.
وتعد هذه الزيارة امتداداً لسلسة الزيارات المتبادلة والناجحة لمسؤولي البلدين خلال الفترة الماضية، وأبرزها زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لدولة الإمارات في أغسطس 2015، والتي تم خلالها الاتفاق على عدة أمور، منها تنسيق الجهود المشتركة بين الإمارات والهند في مكافحة التطرف، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين، ودعم الشراكة في قطاع الطاقة، وتعزيز التعاون المشترك في مجال التكنولوجيا وعلوم الفضاء. ولذا تهدف زيارة ولي عهد أبوظبي إلى البناء على نتائج الزيارات السابقة، وتعزيز التعاون مع الهند، والارتقاء بالعلاقات بينهما إلى مستويات استراتيجية.
دوافع تطوير العلاقات الإماراتية - الهندية
ثمة دوافع عديدة ساعدت على تعميق العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين الهند والإمارات، حيث ساهمت المتغيرات الإقليمية وطبيعة المصالح المشتركة في ذلك، إذ تسعى الإمارات إلى التنسيق مع الهند، كقوة إقليمية صاعدة، في مكافحة الإرهاب والتطرف بالمنطقة، خاصةً مع تنامي تهديد تنظيم "داعش"؛ وإلى توطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية وتعزيز فرص الاستثمارات المتبادلة، حيث تعد الإمارات الشريك التجاري الأول مع الهند بعد أن بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 60 مليار دولار في عام 2015. كما تعتبر الإمارات أكبر بلد عربي مستثمر في الهند بنسبة 81.2% من إجمالي الاستثمارات العربية في الهند، وتقدر الاستثمارات الإماراتية الإجمالية في الهند بنحو 8 مليارات دولار تتركز في قطاعات المنتجات البترولية والبناء والطاقة والصناعات المعدنية وقطاع الخدمات وبرامج الكمبيوتر والأجهزة.
من ناحيتها، تسعى نيودلهي إلى تعزيز تعاونها الأمني والعسكري مع دولة الإمارات بهدف مواجهة الإرهاب، والتصدي للقرصنة البحرية، وتأمين إمدادات الطاقة (تستورد الهند ثلثي احتياجاتها من النفط، فيما تنتج 30% فقط محلياً)، وضمان سلامة خطوط الاتصالات البحرية، وضمان استيعاب دولة الإمارات لعمالة هندية كبيرة (يوجد حوالي 2.5 مليون هندي يعملون في الإمارات في مختلف المهن)، وهو ما يساعد في عملية النمو الاقتصادي للهند من خلال تحويلاتهم المالية؛ حيث تبلغ تحويلات العمالة الهندية في الإمارات سنوياً نحو 15 مليار دولار، بما يمثل 25% مما يقوم بتحويله جميع الهنود في العالم والبالغ 60 مليار دولار، كما يشكل هذا الرقم نصف ما تقوم الجالية الهندية في الخليج بتحويله للهند، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن السفارة الهندية في دولة الإمارات.
وتأكيداً على هذه الاهتمامات المشتركة، كشف سفير الهند لدى الإمارات "تي. بي. سيثارام" أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ستشهد التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات عدة، أبرزها الاستثمار في البنية التحتية والطاقة المتجددة، والتعاون في مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، فضلاً عن مناقشة إقامة مشروع استراتيجي لتخزين النفط الخام الإماراتي بكميات كبيرة في الهند خلال الفترة المقبلة، لتأمين إمداد الأسواق بالنفط.
كما أنه من المقرر أن يزور ولي عهد أبوظبي مدينة مومباي يوم 12 فبراير، والتي تمثل المركز المالي للهند، وتعد الإمارات أكبر مستثمر فيها في مجال الموانئ والبنية التحتية، وذلك تماشياً مع توجه أبوظبي نحو الاستثمار في مجالات غير نفطية في دول ذات اقتصاد واعد كالهند.
ركائز التعاون الهندي – الإماراتي
يعتمد تعزيز روابط العلاقات الهندية مع دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، ودولة الإمارات تحديداً، على ركائز عديدة، وتتمثل في الآتي:
1- التعاون الأمني المشترك: تحاول الهند تعزيز الروابط الأمنية مع دول الخليج، فقد وقعت خلال الأعوام الأخيرة اتفاقيات للتعاون الدفاعي مع الإمارات وقطر وسلطنة عُمَان. ففي عام 2003 وقعت الهند والإمارات اتفاقية تهدف إلى دعم التدريب العسكري المشترك، وتطوير المعدات الدفاعية، وتبادل المعلومات، والتعاون التقني. كما أفرزت مثل هذه الاتفاقيات الثنائية تشكيل لجان للتنسيق الأمني المشترك، ومنها اللجنة المشتركة للشؤون الأمنية (JCSM)، ولجنة التعاون الدفاعي المشترك (JDCC).
2- تعزيز التفاهم السياسي والشراكة الاستراتيجية: حيث تعتمد الهند على تعزيز التفاهم السياسي مع دول الخليج، وتتخذ تدابير لنيل ثقة القيادات الخليجية، مثل الزيارات الرسمية رفيعة المستوى، والحيادية وعدم اتخاذ مواقف داعمة لأي من الأطراف الإقليمية في أية أزمة محتملة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج.
3- أهمية الخليج بالنسبة للهند في العالم الإسلامي: ترغب الهند في بناء علاقات استراتيجية مع دول الخليج لتعزيز مصالحها مع العالم الإسلامي، إذ تدرك نيودلهي أن دول الخليج تلعب دوراً نشطاً في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية؛ وبالتالي من الأهمية بمكان للهند الاستفادة من هذه الآليات في دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي عبر دول الخليج.
كيف تفكر الهند في مستقبل علاقاتها مع الإمارات؟
تسعى الهند إلى بناء علاقات أكثر تميزاً مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن خلال تتبع الكتابات الصادرة عن مراكز أبحاث وفكر في الهند منها معهد دراسات وتحليلات الدفاع، يمكن استنتاج ملامح هذه العلاقات المستقبلية، والتي تقوم على تعزيز التفاهمات السياسية والروابط الاستراتيجية والأمنية للهند مع دول الخليج، إلى جانب تنمية العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري. وذلك من خلال ما يلي:
1- تعزيز الروابط الأمنية:
تتمثل خيارات الهند في تعزيز شراكاتها مع دول الخليج سواء بشكل ثنائي أو جماعي، في الآتي:
أ- دور أكثر فعالية في التعاون الدفاعي، حيث قد تبدأ الهند في تعزيز نظم الدفاع العسكري وتوسيع نطاقها مع دول الخليج التي ترغب في القيام بشراكة أمنية معها.
ب- تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب: لدى الهند اتفاقيات أمنية بالفعل مع عدد من دول المنطقة، حيث تمثل مكافحة الإرهاب جزءاً أساسياً من بنودها، ولكن مع تزايد خطر التنظميات الإرهابية قد تتجه نيودلهي إلى توسيع مثل هذه الاتفاقيات مع كافة بلدان المنطقة، على أن تشمل تبادل المعلومات وتسليم العناصر الإجرامية. وقد تطرح مبادرة لتدشين مؤسسة إقليمية لمكافحة الإرهاب تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي.
ج- التعاون في مكافحة القرصنة: للهند دور في الأمن البحري بالمنطقة، وقد تتجه أيضاً نحو اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية في مواجهة القرصنة عبر المياه الإقليمية، وتأمين المنشآت النفطية البحرية.
د- تحديد دور واضح في الأمن الإقليمي: قد تبادر نيودلهي بالقيام بإجراء محادثات وحوارات أمنية مع دول الخليج لتسوية العديد من القضايا الإقليمية، وقد تطلب أن تصبح "عضواً مراقباً" في مجلس التعاون الخليجي. كما قد تبادر بطرح الدخول في تدريبات عسكرية مشتركة سنوية مع "قوات درع الجزيرة" لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة في المنطقة.
2- اتخاذ خطوات جديدة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية:
تدرك الهند أنها بحاجة إلى تعزيز أمن الطاقة لديها، وبحاجتها إلى جذب مزيد من الاستثمارات الخليجية والإماراتية، وتعي سياسة تنويع الاقتصاد في دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، وبناءً على هذه المحفزات، يقوم تفكير الهند في هذا الصدد على ما يلي:
أ- محاولة تحسين المناخ الاستثماري لجذب مزيد من الاستثمارات الخليجية.
ب- التوجه نحو تعزيز العلاقات التجارية غير النفطية من خلال استغلال خبرتها في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة لمعاونة دول مجلس التعاون الخليجي على تنويع اقتصاداتها خاصةً بعد انخفاض أسعار النفط.
ج- قد تضع نيودلهي خططاً طويلة المدى لتوسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة مع دول الخليج العربي، وذلك لضمان مستقبلها من الإمدادات النفطية.
د- قد تتخذ الهند خطوات واسعة من أجل تأمين خطوط النقل البحري لضمان عدم انقطاع إمدادات الطاقة، وذلك من خلال إقامة ترتيبات إقليمية مع جميع البلدان بالمنطقة. وقد تتجه نحو طلب تدشين آلية للحوار السنوي لدعم التعاون في مجال الطاقة بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها الإمارات والسعودية.
هـ- في ضوء تنويع الاقتصاد الإماراتي، قد تتجه الهند إلى محاولة تصدير عمالة جديدة أكثر تخصصية، بما يتناسب مع التغيرات في سوق العمل، ومع الوظائف التي باتت مطلوبة في دولة الإمارات.
ختاماً، تعد العلاقات الإماراتية - الهندية نموذجاً للعلاقات الثنائية المتميزة، وتأتي زيارة ولي عهد أبوظبي تجسيداً للجهود المثمرة لمسؤولي البلدين من أجل رسم مسار جديد للشراكة الاستراتيجية بينهما في مختلف المجالات، وبهدف مواجهة التحديات، والحد من المخاطر التي تهدد استقرار وأمن المنطقة.