تكتسب الأزمة المتصاعدة في الوقت الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية اهتمامًا خاصًا من جانب إيران، لاعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عادت من جديد إلى وضع كل من طهران وبيونج يانج في قائمة واحدة للدول التي يمكن أن تتحول إلى مصادر تهديد للمصالح الأمريكية، على غرار إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، التي كانت تصف الدولتين بأنهما ضلعان أساسيان في ما يسمى بـ"محور الشر" إلى جانب العراق، بعد أن اتهمتهما بالعمل على حيازة أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب.
وقد انعكس هذا التصور الأمريكي في العقوبات التي وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 2 أغسطس 2017، على القانون الخاص بها، والتي شملت كلاً من روسيا وإيران وكوريا الشمالية.
وبالطبع، فإن هذا التصور ليس جديدًا، لكنه ربما شهد تحولاً نسبيًا خلال فترتى رئاسة الرئيس السابق باراك أوباما (2008-2016)، الذي ركز على إبرام صفقة نووية مع إيران، ونجح في ذلك من خلال المفاوضات السرية والعلنية التي أجراها الطرفان وانتهت بالوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.
لكن التحفظات الكثيرة التي يبديها ترامب تجاه هذا الاتفاق، الذي يرى أنه لا يمنع إيران مستقبلاً من حيازة الأسلحة النووية في حالة ما إذا أرادت ذلك، دفعته إلى العودة من جديد لوضعها في محور واحد مع بيونج يانج.
وهنا، ربما يمكن القول إن الإدارة الأمريكية ترى أن إيران يمكن أن تتبنى النموذج الكوري الشمالي بعد ثماني أعوام من الوصول للاتفاق النووي، أى في عام 2023، عندما يتم رفع بعض القيود المفروضة عليها بمقتضى الاتفاق، بشكل يفرض على تلك الإدارة، وفقًا لرؤيتها، ضرورة التحرك من الآن لمنع حدوث ذلك، ومن هنا يكتسب الربط بين "الخطرين" الإيراني والكوري الشمالية أهميته بالنسبة لواشنطن.
ويتعلق ثانيهما، ببروز مؤشرات توحي بأن طهران مهتمة برفع مستوى التعاون على المستويات المختلفة مع كوريا الشمالية، وكان آخرها الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الشعب الكوري الشمالي كيم يونغ نام إلى طهران للمشاركة في مراسم أداء الرئيس حسن روحاني اليمين الدستورية في 5 أغسطس الحالي.
اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن بعض التقارير الإعلامية الكورية الشمالية أشارت إلى أن نام عاد إلى بلاده في 11 أغسطس، بما يشير إلى أنه قضى فترة ليست قصيرة في إيران، وهو ما يعني أن تلك الزيارة لم يكن مخططًا لها من البداية أن تقتصر فقط على المشاركة في مراسم تنصيب روحاني، وإنما، وربما يكون ذلك هو الأهم، مثلت فرصة لإجراء مباحثات بين الطرفين حول الملفات المختلفة ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها التعاون العسكري، وربما النووي، الذي ترى اتجاهات في إيران أنه يمكن أن يتواصل خلال المرحلة القادمة.
قراءة متأنية
تتابع إيران عن كثب تطورات التصعيد الحالي بين واشنطن وبيونج يانج، بعد أن لوحت الأولى بإمكانية الاستناد إلى الخيار العسكري، وأعلنت الثانية عن وضع خطط لضرب جزيرة جوام الأمريكية بالصواريخ.
هذا الاهتمام الإيراني الملحوظ بتقييم المسارات المحتملة للأزمة الحالية بين الطرفين، ربما يمكن تفسيره في ضوء إدراك إيران أن أيًا من تلك المسارات سوف يؤثر على تفاعلاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ضوء إصرار الأخيرة على الربط بين الملفين الإيراني والكوري الشمالي.
وبعبارة أخرى، يمكن القول إن إيران ترى أنه يمكن أن تستخلص دروسًا من الأزمة الحالية قد تستفيد منها في أزمتها المحتملة مع واشنطن خلال المرحلة القادمة، خاصة في حالة ما إذا أقدمت الإدارة الأمريكية على اتخاذ خطوات من شأنها التأثير على استمرار العمل بالاتفاق النووي.
إذ ترى اتجاهات في طهران أن انخرط إدارة ترامب في مزيد من الخطوات التصعيدية مع بيونج يانج يمكن أن يقلص الضغوط المفروضة على إيران، وربما يهيئ لها المجال أمام توسيع نطاق تدخلها في الأزمات الإقليمية المختلفة، باعتبار أن انشغال الإدارة الأمريكية في الأزمة مع كوريا الشمالية، وربما التحولات التي تشهدها بعض دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا، لن يمنحها الفرصة لمتابعة الملفات الخلافية مع طهران، على غرار الاتفاق النووي ودورها في دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
وهنا، فإن ما يكسب هذا الاحتمال مزيدًا من الأهمية بالنسبة لإيران، هو أنها تبدو مقبلة على اتخاذ خطوات من شأنها دعم نفوذها داخل بعض دول الأزمات، على غرار العمل على مواصلة تأسيس الممر الاستراتيجي الذي يربط بينها وبين سوريا عبر الأراضي العراقية ويساعدها في الوصول إلى البحر المتوسط والحفاظ على خطوط تواصلها مع الحلفاء الآخرين وفي مقدمتهم حزب الله الذي يتعرض بدوره إلى ضغوط أمريكية، بدت جلية في تصريحات الرئيس ترامب خلال لقاءه مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، في 27 يوليو 2017، والتي قال فيها أن "الحزب يشكل خطرًا على لبنان والمنطقة كلها".
كما أن إيران تسعى في المرحلة الحالية إلى إعادة صياغة أنماط تحالفاتها ودعم نفوذها داخل العراق، بعد تحرير مدينة الموصل من تنظيم "داعش" وقبل إجراء الانتخابات التشريعية القادمة في ربيع العام المقبل.
تأثيرات مباشرة
ووفقًا للرؤية الإيرانية، فإن نجاح التصعيد الأمريكي مع كوريا الشمالية في تحقيق أهدافه التي تتعلق بتقليص المخاطر التي يفرضها البرنامجان الصاروخي والنووي للأخيرة على المصالح الأمريكية، سوف يفرض ضغوطًا إضافية على إيران. إذ أنه سوف يحفز الإدارة الأمريكية، في الغالب، على تكرار النهج ذاته في التعامل معها، بما يعني أن واشنطن قد تتجه بعد ذلك إلى إعادة التلويح بالخيار العسكري في مواجهة إيران، وعدم الاقتصار على فرض عقوبات ضد الأخيرة، وربما اتخاذ خطوات أكثر قوة في التعامل مع الاستفزازات الإيرانية المتكررة في مياه الخليح، حيث ربما لا تكتفي واشنطن باعتبار تلك الاستفزازات "سلوكًا غير مهني" على غرار ما كانت تفعل في الفترة السابقة.
وعلى العكس من ذلك، فإن فشل هذه السياسة في إثناء كوريا الشمالية عن مواصلة تصعيدها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن أن يقدم مؤشرات تحفيزية لإيران لمواصلة نهجها التصعيدي بدورها تجاه واشنطن. إذ ربما لا تكتفى طهران، في حالة تحقق ذلك، بمواصلة إجراء تجارب خاصة بالصواريخ الباليستية، على غرار التجارب السابقة التي تسببت في فرض عقوبات أمريكية جديدة عليها وآخرها التجربة الخاصة بإطلاق صاروخ قادر على حمل أقمار صناعية، وإنما قد تسعى إلى العمل على تطوير هذه الصواريخ، خاصة من حيث المدى، على اعتبار أنها قد تتصور في هذه الحالة أن قدرة الصواريخ الكورية الشمالية على تهديد المصالح الأمريكية كانت هى المتغير الأساسي الذي أدى إلى فشل السياسة الأمريكية.
وهنا، يكتسب مواصلة فتح قنوات تواصل مع كوريا الشمالية أهميته بالنسبة لطهران، التي قد تسعى إلى استغلال الضغوط التي تتعرض لها مع بيونج يانج في المرحلة الحالية، من أجل تدشين مرحلة جديدة من التعاون على المستويين النووي والصاروخي تحديدًا.
مسارات متباينة وتداعيات مختلفة كلها سوف تؤثر، بدرجات مختلفة، على النهج الذي سوف تتبناه إيران في التعامل مع المسارات المحتملة لتفاعلاتها مع الإدارة الأمريكية خلال المرحلة القادمة.