أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

ميليشيات عابرة:

حزب الله واستقدام قوات شيعية للدفاع عن لبنان

10 يوليو، 2017


لقيت تصريحاتُ قيادات حزب الله باستقدام مقاتلين شيعة أجانب للدفاع عن لبنان وسوريا ضد إسرائيل، استهجانًا في الداخل اللبناني لانتهاكها سيادة الدولة؛ حيث إن تلك التصريحات تستهدف تهديد إسرائيل بالأساس، والتأكيد على عدم تراجع نفوذ الحزب في لبنان والمنطقة، ولتحفيز حركة "أمل" للانضمام للقوات الشيعية المقاتلة، بالإضافة إلى إمكانية جعل لبنان وسوريا نقطتي تمركز للقوات الشيعية، مع سهولة استحضار النموذج السوري، وذلك في إطار مواجهة الضغوط الساعية لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.

وتعكس تصريحات قيادات حزب الله أنه أصبح ميليشيا عابرة للقوميات والحدود، وأن حلفاءه من الشيعة على أهبة الاستعداد للتدخل عسكريًّا ولوجستيًّا للوقوف بجانبه في أي مواجهات عسكرية مع إسرائيل وغيرها، تأكيدًا على صعوبة تحجيم نفوذه أو حصاره في منطقة أو إقليم محدد.

وحذر الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" في 23 يونيو 2017 (في كلمة متلفزة بمناسبة "يوم القدس" الذي يكون آخر يوم جمعة في شهر رمضان) إسرائيل: "إذا شنّت حربًا على سوريا أو لبنان، ليس من المعلوم أن يبقى القتال لبنانيًّا-إسرائيليًّا، أو سوريًّا-إسرائيليًّا، وهذا لا يعني أنني أقول إن هناك دولاً قد تتدخل بشكل مباشر، لكن قد تفتح الأجواء لعشرات الآلاف، بل مئات آلاف المجاهدين والمقاتلين من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي ليكونوا شركاء في هذه المعركة".

كما دافع عضو كتلة الوفاء للمقاومة النيابية التابعة للحزب النائب "نواف الموسوي" عن التصريح السابق لنصر الله، مؤكدًا: "إن من حق الحزب أن يحشد حلفاءه في مواجهة معركة يحشد فيها عدوه كل حلفائه.. كما قاتلنا في سوريا معًا من الحرس الثوري الإيراني إلى الحشد الشعبي العراقي إلى القوى السورية الشعبية سنقاتل معًا في لبنان، صفًّا واحدًا وحلفًا واحدًا إذا اعتدى العدو على لبنان".

ردود متباينة:

تباينت ردود الأفعال تجاه تصريحات قيادات حزب الله الخاصة باستقدام مقاتلين من الخارج للدولة اللبنانية، وذلك على النحو التالي:

1- تيار المستقبل: أعلن وزير الداخلية اللبناني "نهاد المشنوق" في 29 يونيو الماضي: "موقفنا، حكومةً ودولةً، هو أننا لا نقبل بهذا الأمر، ولن نسمح به بقوة القانون والدولة، والمؤسسات السياسية والأمنية المسئولة.. هذا الكلام خارج سياق المسار اللبناني، وهو يُعطي -على الأقل- الانطباع كأننا سنستورد الحريق السوري إلى لبنان.. وأقل ما يقال حول هذا الكلام أنه خارج سياق المسئولية الوطنية.. من واجبنا قبل أن نستقدم حشودًا لمقاومة العدو الإسرائيلي، أن نحشد اللبنانيين على رأي واحد وموقف واحد وتفاهم واحد". بينما طالب القيادي في التيار "مصطفى علوش" رئيس الجمهورية "ميشال عون" بإعلان موقفه الصريح حيال تلك التصريحات.

2- حزب القوات اللبنانية: أكد رئيس الحزب "سمير جعجع" "أن فتح الحدود اللبنانية ليس ملك أحد، ولا يحق لأحد أن يتصرف بها حتى الحكومة اللبنانية لا تستطيع فتحها.. هل نقوم بفتح الحدود ونستقدم آلاف المقاتلين الغرباء؟! ومن سيقوم بإخراجهم لاحقًا؟ علمًا أنه في المطلق ليس من حق أمين عام حزب الله حسن نصر الله طرح هذا الموضوع.. لا نريد من أحد الدفاع عنّا أو عن لبنان، فهذه مهمّة حصرية للدولة اللبنانية وحدها فقط".

3- التيار الوطني الحر: تمنى القيادي في التيار "ماريو عون" لو لم يصدر تصريح النائب "نواف الموسوي" عن الاستعانة بعناصر الحرس الثوري إذا اندلعت حرب جديدة مع إسرائيل في هذه المرحلة بالتحديد في ظل الجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية للانطلاق بالعهد. مضيفًا أنه لا يمكن البناء على تصريحات هي في نهاية المطاف استراتيجية أكثر منها سياسية، معتبرًا أن موقف حزب الله جاء ردًّا على استفزاز إسرائيل.

دوافع الاستقدام:

تعددت الأسباب التي دعت قيادات حزب الله للتهديد باستقدام مقاتلين أجانب للبنان، من أهمها: 

1- تهديد إسرائيل: شهدت الفترة الماضية تصعيدًا إعلاميًّا بين إسرائيل وحزب الله، خاصة مع استمرار استهداف مواقع وتحركات حزب الله في الداخل السوري، وبالتالي يُنذر الحزب إسرائيل بحرب متعددة الجبهات في نفس الوقت، وهو الأمر الذي ترفضه العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وتحاول تجنبه، وهو ما يُفسر القرار الإسرائيلي الأخير ببناء سور على الحدود مع لبنان لمنع أي مناوشات مع مقاتلي الحزب تجنبًا لأي تصعيد محتمل على الجبهة اللبنانية.

2- ترسيخ النفوذ الداخلي للحزب في لبنان: أشارت العديد من المصادر اللبنانية إلى أن الإشارة إلى استقدام الميليشيات الإيرانية للبنان هي رسالة للشعب اللبناني بأن الحزب لا تزال له اليد العليا في الداخل اللبناني، بما يعكس تفوقه عسكريًّا واستطاعته الحشد وتعبئة المقاتلين، وبما ينفي تعرضه لأي انتكاسة نتيجة الخسائر المادية والبشرية التي يتلقاها في سوريا، كما تعكس تصريحات الحزب وجود البديل لتلك الخسائر، وفي الوقت نفسه هو يطمئن أنصاره باستمرار دور الحزب الداخلي، وفي الوقت نفسه الرد على المصادر الإعلامية التي تؤكد تراجع نفوذ الحزب في الداخل اللبناني.

3- السعي لجعل لبنان وسوريا نقطتي تمركز للمقاتلين الشيعة: يخطط حزب الله لجعل لبنان وسوريا قاعدة لتمركز المقاتلين الأجانب، وتساعده في ذلك البيئة الحاضنة في كلا البلدين، وضعف نفوذ سلطاتهما الرسمية لمواجهة ذلك الأمر، وإن كان من الصعوبة بمكان جعل لبنان قاعدة لهؤلاء المقاتلين، إلا أنه يمكن جعلها قيادة مركزية تابعة لإيران في المشرق العربي لرصد ومراقبة التطورات الميدانية في المنطقة، وتعكس تصريحات أمينه العام أن سوريا ولبنان أصبحتا تحت وصاية وحماية إيران والعناصر الشيعية بالمنطقة، وأن مبدأ النأي بالنفس الذي تنتهجه لبنان لن يصمد طويلاً في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة والمستقبلية.

4- تحفيز حركة "أمل": ركّز حزب الله على فكرة استقدام المقاتلين الشيعة كرسالة واضحة لحركة "أمل" بأنها يجب التواجد ضمن المنظومة الشيعية، وأن الفترة القادمة ستشهد تزايدًا في دور المكوّن الشيعي بالمنطقة، في محاولة لاستقطابها للتدخل في المواجهات العسكرية كحليف أساسي للحزب، على الأقل في الداخل اللبناني على الحدود مع سوريا، لمواجهة ارتدادات تقهقر التنظيمات الإرهابية من سوريا والعراق، وهو الأمر الذي لن يُخاطر به زعيم الحركة "نبيه بري" للحفاظ على كيان الحركة، خاصة وأن نموذج التدخل العسكري لحزب الله في سوريا لا يشجع على هذا الأمر، في ظل ضعف إمكانيات الحركة مقارنة بالحزب.

5- استحضار النموذج السوري: يروج حزب الله بأن القوات العسكرية الشيعية من أهم أسباب نجاح الضربات المتتالية لتنظيم داعش في سوريا والعراق، وبالتالي تشير تصريحات قيادييه بأنه من الممكن إعادة تكرار النموذج السوري في لبنان، خاصة وأن المقاتلين الشيعة موجودون في سوريا والعراق، بما يسهل من عملية تعبئتهم لمواجهة أي عدوان خارجي على حزب الله. وفي هذا السياق، سيكون النموذج السوري سابقة هامة للتدخلات العسكرية الشيعية بالمنطقة، والتي شجعها عدم وجود أي محاولات تُذكر لمنع هذا التدخل.

6- ترسيخ النفوذ الإيراني بالمنطقة: وذلك من خلال فتح ممرات برية وبحرية لانتقال المقاتلين الشيعة، وهو ما تجلى في محاولة إنشاء طريق إلى البحر عبر العراق وسوريا ولبنان لربط طهران بحلفائها في بغداد ودمشق وبيروت، وقد تزايدت فرص هذ الربط بعد وصول القوات الداعمة للنظام السوري إلى الحدود العراقية، بالقرب من التنف، ووصول الحشد الشعبي إلى منطقة قريبة من سنجار، وهو الأمر الذي يعزز من تواجد القوات الموالية لإيران في المنطقة.

7- مواجهة الضغوط الأمريكية: تتجه الولايات المتحدة لتشديد العقوبات الاقتصادية والمالية على حزب الله، كما أنها تسعى لحصار الحزب في إطار محاولة تقليص النفوذ الإيراني، وكان آخر دلالات ذلك اتهامها بإجبارها اللاجئين الأفغان على القتال في سوريا والعراق (في التقرير السنوي لوزارة الخارجية المتعلق بالاتجار بالبشر، والذي نُشر في 27 يونيو 2017)، وبالتالي تعكس تصريحات قيادات حزب الله بأنه يصعب حصاره لتعدد جنسيات أنصاره في المنطقة وخارجها، ردًّا على التحركات الأمريكية.

تحجيم مستبعد:

ختامًا، تأتي تصريحات قيادات حزب الله لتؤكد بأنه أصبح ميليشيا عابرة للقوميات والحدود، وأن حلفاءه من الشيعة على أهبة الاستعداد للتدخل عسكريًّا ولوجستيا للوقوف بجانبه في أي مواجهات عسكرية مع إسرائيل وغيرها، لتؤكد رسالة مفادها صعوبة تحجيم نفوذه وحصاره في منطقة أو إقليم محدد، بما يُضعف فرص نجاح المسعى الأمريكي والإسرائيلي لإضعاف النفوذ الإيراني وتدخلاته في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في لبنان التي تعاني من تلك التدخلات.