أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الاستراتيجية المفتوحة:

لماذا تنجح شركة وتفشل أخرى في السوق العالمية؟

12 أكتوبر، 2023


عرض: عبدالمنعم علي

تنجح بعض الشركات الكبرى وتفشل أخرى في الأسواق العالمية، وفقاً لمدى قدرتها على البقاء والتنافسية، وهو ما يتطلب إعداد خطة تتضمن وضعية الشركة الحالية مع تحديد الأهداف المرجو تحقيقها، ورسم خارطة طريق لتحقيق تلك الأهداف، وذلك عبر تبني استراتيجية مفتوحة تضمن التفاعل المرن داخل الشركة بين كافة العاملين بها، وإشراك الموظفين في الخطوط الأمامية في صياغة تلك الاستراتيجية، بما يعزز فهماً أفضل لها ويسهم في التعاطي الإيجابي مع متغيرات السوق خارجياً.

 في المقابل، تُعد الاستراتيجيات التقليدية والمغلقة للتخطيط حاجزاً أمام الأفكار والأساليب الابتكارية وغير النمطية التي تؤدي غالباً لتحقيق نجاحات تنافسية كبيرة، وهو ما يطرحه كريستيان ستادلر وآخرون في كتاب تحت عنوان "الاستراتيجية المفتوحة وإتقان الاضطراب من خارج الإدارات التنفيذية" عبر الإسقاط على بعض النماذج المتعلقة باستراتيجية الفشل والنجاح للشركات والمؤسسات الكبرى.

تراجع الاستراتيجيات التقليدية:

تراجعت قدرة الاستراتيجيات التقليدية النمطية على إحداث طفرة وتقدم في عمل المنظمات والشركات الكبرى ما جعل الكثير منها يتهاوى، خاصة أن تلك الاستراتيجية تجعل الشركة غير قادرة على مواجهة الاضطرابات المختلفة التي تشهدها الأسواق العالمية المعاصرة، ويرجع ذلك لعِدة عوامل تكمن في الآتي:

1- الاكتساب غير المدروس: يُعد الترّبح والاكتساب من أهداف استراتيجيات إدارة المؤسسات والشركات، لكن في ضوء غياب الدراسة الجيدة للسوق والإمكانات والقدرات والتوقعات المستقبلية؛ فقد يُمثل ذلك عبئاً على الشركات، ولعل النموذج الواضح في تلك الحالة هو شركة "جنرال إلكتريك" التي تُعد واحدة من بين أكثر الشركات نجاحاً، ولكن مساعيها للاستحواذ على العديد من الشركات الأخرى مثل شركة الطاقة الفرنسية "ألستوم" مقابل 10.6 مليار دولار، أدت إلى خفضّ أرباحها. كذلك، استحوذت على شركات أخرى للكشف عن المتفجرات بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وهو ما جعلها تتعرض إلى خسائر في رأس مال الشركة بين عامي 2001 و2019، والذي تراجع من 29.6% إلى 3.3% مع انخفاض سعر سهم الشركة ما يزيد عن 40% خلال ذات الفترة. وتسببت تلك الصفقات الحرجة في تراجع قدرات شركة "جنرال إلكتريك"، على خلفية عدم قدرتها على إدارة الشركات الأخرى وكذلك الفشل في دمج عمليات الاستحواذ الخاصة بها من الناحية التشغيلية.

2- الافتقار إلى الانفتاح: تُعد العلاقة بين مديري الإدارة الوسطى وكبار القادة في الشركات الكبرى من أبرز معضلات الاستراتيجيات التقليدية، فالخلل في تلك العلاقة قد يؤدي إلى التركيز على الإنجاز دون التطوير والابتكار، حيث ينشر حالة من الخوف والنزعة قصيرة المدى ويحفز فقط في مسار التدافع على الموارد والترقيات، علاوة على الافتقار إلى الانفتاح؛ حيث تفتقر الشركات إلى التطلع نحو رسم مسار يمكن الاعتماد عليه ويحقق تطلعاتها، خاصةً في ضوء اقتصار المداولات الاستراتيجية في الشركات على مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين التنفيذيين، ومن ثّم حجب الأفكار المتدفقة من جانب الفئة الوسطى والعاملين إلى مستويات أخرى. ويظل التخطيط الاستراتيجي التقليدي سرياً ومحدوداً انطلاقاً من فكرة أنه يجعل الشركة في مأمن من المنافسين الذين قد يسرقون أفكارها. بيد أن تفكير المسؤولين التنفيذيين القائم على اكتنازهم للاستراتيجية لا يساعد على نهوض شركاتهم، بل يتسبب في تراجعها. 

3- تشابه وتماثل التفكير: من بين مسببات تراجع قدرات الشركات على التنافس والاستمرارية هو تشابه وتماثل التفكير الاستراتيجي بين كافة الشركات؛ مما يؤدي إلى تآكل الابتكار والاختلاف، ويرجع ذلك إلى أن رغبة الشركات في البقاء تجعلها تتكيف مع بيئاتها الخارجية؛ مما يؤدي إلى تشابه استراتيجيات كافة الشركات لأنها تخضع للظروف والقيود البيئية ذاتها مثل، اللوائح الحكومية والتوقعات الاجتماعية وغيرها من المتطلبات الخارجية مثلما الحال بالنسبة لمساعي الشركات للحصول على شهادة الآيزو، فضلاً عن البرامج التدريبية المختلفة، حيث يميل أعضاء المهن والتخصصات الواحدة إلى الخضوع لتدريبات مماثلة، ونتيجة لذلك تميل قيمهم ووجهات نظرهم العالمية إلى التطابق.

ويرتبط بذلك العامل، اقتصار رؤية واستراتيجيات تطوير المنتجات لدى الشركات الكبرى على الأسواق الرئيسية الموجودة بها، على سبيل المثال، فإن استراتيجيات شركات الأدوية متعددة الجنسيات –التي لديها مقار عديدة في العالم- في تطوير منتجاتها تعكس قيود الأسواق التي تقع فيها مقارها الرئيسية وليس احتياجات الأسواق العالمية. إذ إنها تميل إلى تجاهل الطلب الدولي، وتعكس بدلاً من ذلك الديناميكيات المحلية مثل التنظيم وممارسة الضغط السياسي وطلب المستهلكين، ونتيجة لذلك فإن بعض الشركات باتت تميل إلى اتباع استراتيجيات مماثلة نسبياً لتطوير المنتجات، ومن ثم تفشل في الاستجابة للمتغيرات الأخرى في الأسواق الخارجية.

4- فقدان الثقة والانحياز: إذ إن تنامي المنافسة الداخلية سواءً بين الإدارات أو الأفراد على الموارد أو المكانة وافتقاد الثقة المتبادلة قد يؤدي إلى تراجع تدفق الأفكار وبالتالي تقل الأفكار الإبداعية، وهو ما حدث مع شركة "سوني" خلال عقد التسعينيات؛ عندما تطلّع قادة الشركة إلى إطلاق مبادرة "سوني المتحدة" لتعزيز الابتكار والاستفادة من الأفكار المختلفة، ومع ذلك لم يتمكنوا من التغلب على القدرة التنافسية للأقسام الفردية داخل الشركة الأمر الذي عرقل وضع الاستراتيجيات طويلة المدى وتعزيز الفرص الاستثمارية المستدامة. 

5- الوضع الراهن والافتقاد للتوافق: من بين التحديات في التفكير التقليدي والتي تتسبب في تراجع قدرات الشركات، هو الاستناد على الوضع الراهن والانحياز القوي لإدامة ما هو موجود بالفعل، نتيجة للثقة المفرطة أو التكلفة الباهظة حال العدول عن الوضع الراهن. كذلك يؤدي النهج "المغلق" في كثير من الأحيان إلى استراتيجيات تبدو غير مفهومة أو مضللة للموظفين، بسبب فشل القادة التنفيذيين في أخذ وجهات نظر أولئك الموظفين بعين الاعتبار.

صعود الاستراتيجية المفتوحة:

تُعد الاستراتيجية المفتوحة آلية جيدة في إدارة الشركات الكبرى ومواجهة التغيرات في الأسواق الخارجية؛ لأنها تُعزز مشاركة موظفي الخطوط الأمامية في رسم الاستراتيجيات الخاصة بالشركة، ومن ثّم التمتع بقدر كبير من الحرية في إرضاء العملاء دون عرقلة الإدارة له. فتلك الاستراتيجية تساعد في ثلاث مراحل أساسية من المداولات الاستراتيجية داخل الشركات وهي: توليد الأفكار، والتحليل والصياغة، والتنفيذ. 

مع ذلك، فإن تشكيل وحدات أعمال متعددة داخل الشركات ضمن تلك الاستراتيجية المفتوحة لم يؤد أحياناً إلى النجاح المأمول، إذ فشلت تلك الوحدات في التنسيق المشترك فيما بينها، علاوة على أن تنوع الآراء بين الموظفين العموميين قد يؤدي إلى عرقلة التنفيذ. وإذا كان غياب التماسك ليس مؤثراً بشكلٍ كبير في الأوقات الاقتصادية الجيدة، فإنه يصبح معضلة رئيسية أثناء الأزمات مثلما الحال إبان الأزمة المالية 2007-2008. فعلى سبيل المثال، اتبعت شركة "سيكسونيا سيستمز" – كشركة استشارات برمجية خاصة- هذا النمط من الإدارة لكنها أخفقت وتراجعت إيراداتها بنسبة 40%.

لذا، فلكي تصبح الاستراتيجية المفتوحة في الشركات "جيدة"، فإنها تتطلب خطة عمل دقيقة وتقييم كافة الخطوات بمشاركة القادة التنفيذيين والعاملين في الصفوف الأمامية، وقياس درجة استعدادهم لطرح الأفكار والخطط التنفيذية والقدرة على تنفيذها، كما يجب تحديد الأهداف النهائية، وتصميم العملية لتناسب احتياجات الشركة مع تحديد الفئة المشاركة وعددها؛ ومهم بالنسبة للشركات أن توازن بدقة بين المستويات المناسبة من الانفتاح والسيطرة، خاصة عند التعامل مع المعلومات الحساسة. ولتطبق الشركات الكبرى هذه الاستراتيجية المفتوحة، يجب أن تستند إلى المرتكزات الآتية:

1- اتباع نهج عقلاني للسرية، أي أن يكون هناك توازن بين سرية المعلومات وضرورة بث المعرفة والانفتاح للإسهام في وضع الخطط التنفيذية للشركات وذلك لتحقيق الميزة التنافسية، واتضح هذا النموذج فيما دعت إليه البحرية الأمريكية في مايو 2011 من تبادل للأفكار من جانب المواطنين حول كيفية محاربة القراصنة الصوماليين الذين كانوا يحاصرون الشحن الدولي، لكن دون أن يتم الإفصاح عن المعلومات السرية التي ستقوم بها البحرية الأمريكية في إطار مواجهة ذلك التهديد.

2- تطوير استراتيجية الحماية: عبر ضبط عملية الاستراتيجية المفتوحة لتشمل استراتيجية حماية متزنة، بحيث لا يتم تضييق الخناق على تدفق المعلومات، وبالتالي تقليل فوائد الانفتاح، وهذا يتم عبر معرفة من يجب إشراكه في صنع الاستراتيجية (المشاركون الداخليون أو الخارجيون) وعددهم والمهام المطلوبة منهم، ويتم ذلك بصورة رئيسية في المرحلة الأولى من وضع الاستراتيجية بحيث يتم توليد أفكار جديدة ومبتكرة لكن دون الإفصاح عن آليات تطبيقها، والتي تقتصر بشكل كبير في المرحلة الثانية من وضع الاستراتيجية وتنفيذها وتكون قاصرة على الموظفين ووكلاء الأعمال.

3- بلورة خيارات استراتيجية عديدة: نظراً لأن الأفكار التجارية المختلفة التي تسهم في تغير قواعد اللعبة "نادرة"، فإن احتمالية التوصل إلى استراتيجية ناجحة تعتمد على قدرة المنظمة على توليد عدد كبير من الخيارات الاستراتيجية، وهذا الأمر يتطلب عدداً كبيراً من الاستجابات المتنوعة للأفكار المتعلقة بأهداف الشركة، والتي يمكن أن تكون سلاحاً قوياً يعزز نجاح الشركة، ويمكن تحقيق ذلك عبر إجراء مسابقات الاستراتيجية المفتوحة عبر الإنترنت التي يسعى القادة من خلالها إلى مواجهة التحديات الاستراتيجية، خاصةً أن تلك المسابقات تُشكّل أسواقاً تنافسية للأفكار، وذلك عبر بناء مجتمع استراتيجي يتم من خلاله إنشاء مصلحة مشتركة أو نقطة محورية تتعلق بأهداف الشركة مع الوضوح حول هذه النقاط والأهداف بما يعزز الشعور بالارتباط بين المشاركين.

ختاماً؛ على الرغم من أن الاستراتيجية المفتوحة واعدة في مجال عمل الشركات الكبرى، فإن الاستراتيجيات التقليدية لا تزال قادرة على خدمة الشركات بشكل جيد في مواقف معينة، ولاسيما الأعمال الأساسية التي لا تواجه تهديدات وشيكة. ومن ثم، فإن الاستراتيجية الضرورية لنجاح عمل الشركات وتحقيق أهدافها يجب أن تستند إلى تطوير نماذج الأعمال وتحديث الاستراتيجيات بصورة مستمرة لمواكبة التغيرات المختلفة في الأسواق الخارجية، مع وضع آليات للتنبؤ المستقبلي ومن ثّم اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل للاستجابة السريعة لاحتياجات العملاء بكفاءة وأقل تكلفة، مع أهمية فتح مجال للمشاركة من الموظفين الداخليين وكذلك الخبراء من الخارج حيث إن تدفق الأفكار هو الذي يغير قواعد اللعبة، ويجعل الشركات أكثر قدرة على البقاء والتنافسية.

المصدر:

Christian Stadler, Julia Hautz, Kurt Matzler, and Stephan Friedrich von den Eichen, Open Strategy Mastering Disruption from Outside the C-Suite, The MIT Press Cambridge, Massachusetts, London, England.