في 25 إبريل 2023، أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، رسمياً - بصحبة نائبته كامالا هاريس - أنه سيترشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة والمقررة في نوفمبر 2024. وغرد بايدن على حسابه بموقع "تويتر"، قائلاً: إن "كل جيل لديه لحظة يتعين عليه فيها الدفاع عن الديمقراطية، والدفاع عن حرياته الأساسية، وأعتقد أن هذه لحظتنا. هذا سبب ترشيحي لإعادة انتخابي رئيساً للولايات المتحدة، انضموا إلينا، لننجز المهمة"، بجانب مقطع فيديو مدته 3 دقائق أخرجه فريق حملته الانتخابية، ليبدأ بصور من أحداث الكابيتول في السادس من يناير 2021، ويصف إدارته بأنها تدافع عن الحرية الشخصية والديمقراطية والتعددية. وعليه، أكد بايدن أنه عندما ترشح للرئاسة قبل أربع سنوات، كان يخوض معركة من أجل "روح أمريكا"، ولما كانت تلك المعركة مستمرة، فإنه يرشح نفسه كي يُعاد انتخابه. ووصف بايدن برامج الحزب الجمهوري بأنها تهديد للحريات الأمريكية، منتقداً من سماهم بالمتطرفين الذين يحملون شعار "ماجا".
دلالات الترشح:
تتعدد دلالات ترشح بايدن للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتعهده مجدداً بتحقيق الأهداف السياسية نفسها التي هدف إلى تحقيقها في فترته الرئاسية الأولى، وهي الدلالات التي يمكن الوقوف على أبرزها من خلال النقاط التالية:
1- احتمالية إعادة تكرار سيناريو 2020: قد تشهد الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية المقبلة ذات السيناريو الذي شهدته مثيلتها الماضية حين دارت المنافسة بين مرشحين أبيضين في السبعينيات من عمرهما؛ إذ لا يزال دونالد ترامب هو المرشح الجمهوري الأوفر حظاً لخوض هذه الانتخابات، ولاسيما أنه يتقدم بـنحو 46 نقطة على منافسه الجمهوري رون ديسانتيس في أحدث استطلاع للرأي أجرته كلية "إيمرسون"، كما حصل على تأييد مزيد من أعضاء الكونغرس. وعلى الرغم من المخاطر القانونية التي تُقوض فرص ترامب الانتخابية، تدفع بعض التحليلات بأن إعادة انتخابات 2020 هي السيناريو الأكثر ترجيحاً في 2024، وذلك في سباق رئاسي ثانٍ محتمل مع بايدن الذي سينهي ولايته الثانية المحتملة في حالة نجاحه وهو في عمر يناهز 86 عاماً.
2- خطوة مبكرة من المرشحيْن: أعلن ترامب عن ترشحه في وقت مبكر، كي يرتدي عباءة المرشح الرئاسي لحمايته من القضايا التي تجابهه من ناحية، وإكساب حملته مزيداً من الزخم من ناحية ثانية. وفي المقابل، أشارت بعض التحليلات إلى أن من يشغل منصب رئيس الجمهورية لا يعلن ترشحه مبكراً (قبل 19 شهراً) كما فعل بايدن، لأن الرؤساء الأمريكيين يترشحون في الغالبية العظمى من الحالات لولاية ثانية؛ إذ يرون أن الفترتين الرئاستين لا تعدوان كونهما استحقاقاً تاماً لهم، وأنه من العار الخروج من المنصب بعد ولاية واحدة فقط كما حدث مع ترامب. بيد أن خطوة بايدن المبكرة ترجع إلى أداء الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فضلاً عن دعم كبار المانحين والمساهمين له على الرغم من الوضع الاقتصادي المتردي وفتور بعض الديمقراطيين من قرار ترشحه لولاية ثانية.
3- سباق مواتٍ للرئيس بايدن: دفعت صحيفة "الجارديان" البريطانية بتزايد فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ بالنظر إلى الفوضى والانقسام الداخلي في الحزب الجمهوري الذي يتبنى سياسات غير شعبية تنفر الناخبين وتعادي المجتمع، وهو ما يعني أن السباق الرئاسي المُحتمل بين بايدن وترامب سيتحول إلى "مباراة إياب على أرض بايدن"، ليتمتع الرئيس الحالي بالأفضلية على نظيره السابق، مع ازدياد ضعف ترامب بعد ارتباط اسمه بذكرى اقتحام الكونغرس وبعدد من الفضائح الجنسية والتهرب الضريبي من ناحية، وعدم وجود مرشح ديمقراطي يتفوق على بايدن (بما في ذلك الكاتبة ماريان ويليامسون، والناشط المناهض للقاحات روبرت كينيدي جونيور) من ناحية ثانية، وامتلاك بايدن ميزة وضع الرئيس المنتهية ولايته التي تمكنه من تسخير صلاحياته الرئاسية لاجتذاب الناخبين وعرض رؤيته من ناحية ثالثة.
4- ترويج بايدن لإنجازاته الرئاسية: يطالب بايدن بإعطائه فرصة "لإنهاء مهمته"؛ حتى أنه اختار إطلاق حملته الانتخابية في الذكرى الرابعة لإعلانه عن حملته السابقة في عام 2020. وقد استبق إعلان ترشحه الرسمي للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 في خطاب حالة الاتحاد في فبراير الماضي، وفيه عدّد إنجازاته التي من المرجح أن يركز عليها في السباق الرئاسي المقبل، والتي تشمل: خلق 12 مليون وظيفة جديدة، وانخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ ما يزيد عن نصف قرن، ومكافحة فيروس "كوفيد19"، واستمالة الشرائح الاجتماعية المتأثرة بنهج ترامب، وغير ذلك. إذ يرى بايدن أن إدارته حققت عدداً كبيراً من الإنجازات التي ستدعم حملته الانتخابية المقبلة، وفي مقدمتها: مشروع قانون البنية التحتية بقيمة 1.2 تريليون دولار، وزيارته لكييف في فبراير الماضي، وحشد الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
5- تعويل بايدن على خبراته السياسية: يُعول بايدن على امتلاكه للمهارات والخبرات اللازمة بعد أن قضي ما يزيد عن نصف قرن في مناصب عليا تؤهله للفوز من جديد في انتخابات 2024. ففي عام 1972، أصبح بايدن عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، وظل عضواً فيه طيلة 36 عاماً قبل أن يصبح نائباً للرئيس في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما. وللاحتفاظ بالبيت الأبيض، سيحتاج بايدن - على الرغم من خبرته السياسية الواسعة - إلى تحفيز تحالف الناخبين الشباب والناخبين الأمريكيين من أصل إفريقي ولاسيما النساء، إلى جانب "ذوي الياقات الزرقاء" من الوسط الغربي والمعتدلين والجمهوريين الساخطين الذين ساعدوه على الفوز في انتخابات 2020.
6- رفع نفس الشعارات الانتخابية: يصور بايدن نفسه بطلاً يحارب من أجل "روح أمريكا" في مواجهة المحافظين، وقد رفع شعار "استعادة روح أمريكا" عند ترشحه لانتخابات الرئاسة قبل 4 سنوات، ولا يزال يدافع عن الشعار نفسه، وإن أضاف له ملف الحريات، متعهداً بالدفاع عن الحقوق والحريات في ظل التهديدات التي تجابهها. ولا يخفى هجوم بايدن على شعار "ماجا" الذي رفعه ترامب في الانتخابات الرئاسية الماضية، بل وتعهده بحماية الحريات الأمريكية من "المتطرفين" المرتبطين به. ولذا، من المتوقع أن تتأسس حملة بايدن الانتخابية على تعدد التهديدات الوجودية التي تقوض الديمقراطية الأمريكية، ولاسيما مع استمرار دفع ترامب بتزوير الانتخابات الرئاسية الماضية، واستمرار تحقيقات الكونغرس في أحداث الكابيتول.
تحديات بايدن:
أثارت رغبة بايدن في الترشح سعياً للفوز بولاية رئاسية ثانية، تساؤلات عدة عن التحديات التي تواجهه، ولاسيما أنه سيبدأ ولايته الثانية المحتملة - في حال إعادة انتخابه - وهو في سن الثانية والثمانين عاماً، ما يجعله أكبر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة. ويمكن الوقوف على أبرز تلك التحديات في النقاط التالية:
1- معارضة الرأي العام الأمريكي: أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة "أن بي سي نيوز" مؤخراً أن 70% من الأمريكيين، وأكثر من نصف الديمقراطيين بقليل، يعتقدون أنه لا ينبغي لبايدن الترشح مرة أخرى. كما أظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة "جالوب" تراجع رضا المواطنين الأمريكيين عن أداء الرئيس بايدن إلى أدنى درجاته خلال فترة رئاسته ليصل إلى 37%. وأظهر استطلاع الرأي الذي أجرته وكالة "أسوشيتد برس" في منتصف إبريل 2023، أن العمر عامل رئيسي بين ناخبي الحزب الديمقراطي. ومع ذلك، رفض بايدن تلك المخاوف، وقال: "قررت الترشح.. أشعر بأنني بحالة جيدة، وأنا متحمس". بيد أن استطلاعات الرأي تلك تؤكد تراجع تأييد الناخبين الديمقراطيين لبايدن بعد أن طالب 51% منهم الحزب الديمقراطي بإيجاد مرشح آخر في ظل رفضهم لإعادة ترشح أكبر رئيس في التاريخ الأمريكي مجدداً، وذلك وفقاً لاستطلاع أجرته شبكة "أن بي سي". كما أظهر استطلاع رأي أجرته شبكتا "سي بي أس" و"يوجوف" أن 54% من الناخبين ذوي الميول الديمقراطية قبلوا فكرة ترشح بايدن مرة أخرى، بينما قال 27% إن الفكرة أصابتهم بالتوتر.
2- تقدم بايدن في العمر: يُفضل كثير من الناخبين الأمريكيين مرشحاً أصغر سناً من بايدن. وفي هذا الإطار، قالت المرشحة الجمهورية للرئاسة الأمريكية، نيكي هايلي، إن بايدن قد يموت في منصبه حال أُعيد انتخابه، ولذا فإن التصويت له يعني التعويل على نائبته هاريس. وقد سبق أن دعت هايلي - عندما أعلنت ترشحها لسباق الرئاسة - جميع المرشحين الذين تزيد أعمارهم على 75 عاماً إلى اختبار معرفي لينطبق ذلك على بايدن وترامب؛ فلا شك أن عمر بايدن وكثرة زلاته اللفظية ونسيانه المتكرر يُعد من نقاط ضعفه، حتى إن صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية وصفت ترشحه لولاية جديدة بأنه "مقامرة عالية المخاطر" للحزب الديمقراطي والولايات المتحدة والعالم بأسره، وأكدت أن الحزب الديمقراطي يخشى تدهور صحته فجأة أو وقوع حادث يؤكد تراجع قدراته العقلية.
3- تصاعد التحديات الاقتصادية: على الرغم من تعدد العقوبات الاقتصادية المفروضة على الاقتصاد الروسي وعائلة وشخص الرئيس فلاديمير بوتين، فإن تلك العقوبات لم تحقق الأهداف المرجوة منها. ولا يخفى عظم حجم المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، التي بلغت 70 مليار دولار في ظل طول أمد الحرب على نحو يؤجج عضب دافعي الضرائب الأمريكيين. على جانب آخر، اعتمد أكثر من 80 بنكاً مركزياً عملة الصين الرسمية (اليوان) في احتياطاتهم من العملات الأجنبية، وتعمل الصين على رقمنة عملتها بهدف كسر احتكار الدولار الأمريكي لسوق العملات العالمية، بالتزامن مع تراجع ثقة عدد كبير من الدول في الدولار باعتباره العملة الرئيسية للتجارة والتمويل العالميين، ما قد يعني إمكانية تحول الاقتصاد العالمي تدريجياً بعيداً عنه.
4- تعدد الشبهات التي تحيط بنجل بايدن: يرى مراقبون أن قضية نجل الرئيس الحالي، هانتر بايدن، سيكون لها تداعيات سلبية على ترشح والده، وقد تتحول إلى إحدى القضايا الساخنة في الانتخابات الرئاسية، ولاسيما أن شبكة "أن بي سي نيوز" ذكرت أن المُدعين الفدراليين يدرسون مسألة توجيه اتهامات لهانتر في ثلاث جرائم ضريبية، إضافة إلى اتهامه بشراء أسلحة، إلى جانب بعض المعلومات المتداولة عن تورطه في قضية الوثائق السرية التي كانت في مكتب الرئيس، واطلاعه عليها أثناء مشاركته في الصفقات الخارجية التي أُدين فيها، وبخاصة تلك التي ربطته بجهات في الصين وأوكرانيا. فلا شك في استخدام الحزب الجمهوري لتلك الورقة لانتقاد الرئيس بايدن، ما قد يؤثر سلباً في فرص إعادة انتخابه في 2024.
5- تخبط السياسة الخارجية: لا تخفى كارثية انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس 2021 وسقوط معدات عسكرية أمريكية تُقدر بمليارات الدولارات في أيدي حركة طالبان التي وصلت لحكم البلاد. ولا يمكن التقليل من خطورة استعداء روسيا والصين في الوقت نفسه. وقد أدت الحرب الأوكرانية إلى تزايد مخاطر تصعيد الصراع بين واشنطن وموسكو إلى مستويات غير مسبوقة. كما فشلت الإدارة الأمريكية الحالية في صياغة استراتيجية مضادة لردع روسيا، ما أدى إلى استنزاف ترسانة الأسلحة الأمريكية، وتزايد خطر الانتشار النووي مع اتجاه الصين إلى زيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية بأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 1500 رأس حربي بحلول عام 2035، فضلاً عن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة "ستارت الجديدة" الخاصة بخفض الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، واتجاهها إلى تعزيز قدراتها النووية بنظام بالستي جديد عابر للقارات وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت وغواصات نووية جديدة.
ختاماً، على الرغم من رغبة عدد كبير من الديمقراطيين في ترشح وجه جديد في الانتخابات الرئاسية عام 2024 مع تقدم بايدن في العمر، لا يوجد حتى الآن مرشح ديمقراطي آخر يحظى بالإجماع أو التوافق الواسع في الآراء. وإن تزايدت فرص بايدن المُحتملة في مواجهة ترامب، فإنه قد لا يتمتع بالفرص نفسها في مواجهة مرشح جمهوري آخر على شاكلة ديسانتيس على سبيل المثال. وبصرف النظر عن منافس بايدن المُحتمل، سيظل التساؤل عن ملامح فترته الرئاسية الثانية المُحتملة مطروحاً، ولاسيما على صعيد بعض القضايا الشائكة ومنها: الحماية الفدرالية ضد قوانين التصويت المقيدة، وتخفيف ديون الطلاب، وإجراءات العدالة الجنائية، ومحاسبة الشرطة، وغيرها.