أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تجربة مالي:

التحديات الاستخباراتية لقوات حفظ السلام في النزاعات

13 فبراير، 2023


عرض: هند سمير
لم تعد الاستخبارات التقليدية التي تهدف إلى مد قوات حفظ السلام في مناطق النزاع بمعلومات عن المخاطر والتهديدات التي تستهدفها كافية، لاسيما أن تلك القوات تعمل في بيئات معقدة وتنطوي على تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، وبالتالي أصبحت هناك أشكال جديدة من استخبارات حفظ السلام، بعضها يتركز على السكان، والأخرى على فهم الأبعاد الثقافية والإثنوجرافية، وذلك للكشف عن جذور الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في دول النزاعات.
في هذا الإطار، تكمن أهمية دراسة نُشرت مؤخراً حول "تطور استخبارات حفظ السلام: مختبر الأمم المتحدة في مالي" للباحثين سيباستيان ريتجنز وأ. والتر دورن، إذ تناقش كيفية تطور استخبارات حفظ السلام، وأبرز التحديات التي واجهتها، فضلاً عن طرح بعض الأفكار المقترحة للتعامل مع المشكلات الاستخباراتية في تجربة بعثة حفظ السلام في مالي.
مختبر استخباراتي:
 في عام 2013، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2100 بتشكيل البعثة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA)، وبحلول عام 2015، تشكلت البعثة بما يقرب من 9 آلاف فرد عسكري وألف شرطي وخمسمائة مدني دولي ومئة وعشرين متطوعاً من الأمم المتحدة، إلى جانب العديد من الموظفين المحليين. أما القوات العسكرية للبعثة فقد تألفت من 41 دولة مختلفة، بما في ذلك الدول الأوروبية، مثل الدنمارك، وألمانيا، والسويد، وهولندا، والدول الأفريقية، مثل مصر، وغامبيا، والنيجر، وغيرها من الدول، لا سيما الصين. 
وبالإضافة إلى مقر القوة (FHQ) في العاصمة باماكو، كان لدى بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي ثلاثة مقار قطاعية (SHQs) يقود كل منها ما يقرب من 4 آلاف فرد عسكري، إذ يقع المقر الرئيسي للقطاع الغربي في تمبكتو، بينما يعمل القطاع الشرقي من جاو، وبعد ذلك تم إنشاء القطاع الشمالي ومقره في كيدال ويغطي منطقة أصغر لكنها مضطربة للغاية.
وتعد البعثة العسكرية لحفظ السلام في مالي بمنزلة "مختبر استخباراتي" مهم للأمم المتحدة، إذ طبقت المنظمة الأممية عليه مفاهيم وقدرات استخباراتية أكثر تقدماً على غِرار حلف الناتو. فتملك البعثة وحدة دمج معلومات جميع المصادر (ASIFU)، والتي يعمل فيها 450 فرداً، ولدى هذه الوحدة شركتان مخصصتان للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع تحت قيادتها، تقعان في جاو وتمبكتو شمال مالي. وتقوم الوحدة الاستخباراتية بمهام عِدة منها إجراء تحليلات متطورة للاتجاهات والأشخاص والشبكات الاجتماعية، وتطوير سيناريوهات التحركات المختلفة، وإدارة منصات نظم المعلومات الجغرافية المتقدمة، وتقديم تقديرات تنبؤية على المدى القريب وحتى ثلاث سنوات في المستقبل.
تحديات استخباراتية:
قدَّمت القدرات الاستخباراتية لبعثة الأمم المتحدة مساهمات كبيرة للجيش في مالي وكذلك للجهات الفاعلة المدنية داخل البعثة، ومع ذلك، فإن محاولة الحصول على معلومات استخباراتية شاملة لم تخل من التحديات، والتي يمكن التعبير عنها في صورة ثلاثة انقسامات أساسية، وهي:
- الانقسام الأول، وهو يتعلق بوجود فجوة في القدرات الاستخباراتية بين أعضاء قوة حفظ السلام في مالي المنتمين للناتو وغير المنتمين للحلف. إذ جلبت الدول الأوروبية إلى القوة قدرات استخباراتية مبتكرة تعتمد بشكلٍ كبير على إجراءات ومعايير الناتو، وتتطلب أنظمة لدعم أمن المعلومات، ومن ثمَّ تم ربط هذه الأنظمة بأنظمة استخبارات الناتو. وكان يعني ذلك أن قوات حفظ السلام من الدول غير الأعضاء في الناتو لا يمكنها الوصول المباشر إلى تلك الأنظمة. وعلى النقيض، كانت القدرات الاستخباراتية العادية للقوة الرئيسية مكتظة بالجنود الأفارقة الذين لديهم معرفة ثقافية ويتقنون العديد من اللغات المنطوقة محلياً، لذا يمكن أن يؤدي إيجاد طرق للجمع بين القدرات الغربية والأفريقية إلى العديد من التحسينات المستقبلية.
- الانقسام الثاني، وهو بين الاستخبارات المتعلقة بالتهديدات الأمنية الحالية والاستخبارات الشاملة متوسطة إلى طويلة المدى، فبينما أنتجت وحدة دمج المعلومات من جميع المصادر (ASIFUHQ) وشركة (ISR) الهولندية تقارير واسعة النطاق تركز على المدى الطويل، كانت القيادة العسكرية لبعثة الأمم المتحدة في مالي تعطي قيمة كبيرة للمعلومات الحالية والمتعلقة بالأمن على حساب الاستخبارات الشاملة، وهذا يتوافق مع التوتر الملحوظ بشكلٍ شائع في عمليات السلام بين توجهين أحدهما نجاح المهمة والآخر حماية القوة. 
- أما الانقسام الثالث والأخير، فيتمثل في الافتقار إلى التنسيق والتكامل بين العناصر العسكرية والمدنية في عملية استخبارات البعثة المتكاملة (مع اعتبار الشرطة من المدنيين)، وينطبق هذا الأمر على العلاقة بين وحدة دمج المعلومات من جميع المصادر (ASIFU) ومركز التحليل المشترك للبعثة (JMAC)، وكذلك على التفاعل بين قدرات الاستخبارات العسكرية والمحللين المدنيين الذين عملوا داخل المنظمات المدنية التابعة للبعثة المتكاملة في مالي. 
وترجع أسباب عدم التكامل إلى أن عوامل تنظيمية تتعلق باختلاف هياكل قيادة المنظمات المدنية والعسكرية، بخلاف أسباب تقنية، تتعلق بعدم إمكانية مشاركة المعلومات بين الدول الأعضاء في البعثة من حلف الناتو وغير الأعضاء فيه الذين يشكِّلون الجزء الأكبر من قوات بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي. كذلك تفتقر الأمم المتحدة إلى نظام الاتصالات الآمن اللازم لنقل وتخزين معلومات قاعدة البيانات (TITAAN). كذلك أدى استخدام إجراءات وأساليب تحليل الناتو (X-PMESII) إلى عدم توافق الأفراد العسكريين من الدول غير الأعضاء في الناتو مع تلك الإجراءات. نتاجاً لهذه التحديات، تسعى الأمم المتحدة منذ العام 2017 إلى إصلاح بنية الاستخبارات في بعثة تحقيق الاستقرار في مالي للسماح بمشاركة معلومات أكثر وعُزلة أقل.
خطوات مستقبلية:
لا يمكن وصف تجربة استخبارات بعثة قوات حفظ السلام في مالي بالناجحة تماماً، بسبب التحديات سالفة الذكر، وقد اتخذت البعثة بالفعل خطوات لمواجهة الانفصال بين وحداتها الاستخباراتية، إذ أنشأت منصة (JCB) في عام 2015 لتنسيق الأنشطة المتعلقة بالاستخبارات بشكلٍ أفضل، كما تم إنشاء موقع مشترك لوحدة دمج المعلومات ومقر القوة العسكرية للبعثة.
إلا أن هذا التطور يواجه مشكلة تتعلق بأن المنظمات المدنية التابعة للبعثة لا تزال موجودة في وسط مدينة باماكو، مما قد يزيد من التحدي المتمثل في التنسيق المدني العسكري، وللتغلب على المزيد من العوائق المؤسسية، ستحتاج البعثة إلى الانتقال من تطور المعرفة إلى المشاركة، حيث إن بعثة تحقيق السلام في مالي هي عملية سلام متعددة الأبعاد، وكخطوة إلى الأمام، تم بالفعل استبدال نظام قاعدة البيانات (TITAAN) بشبكة آمنة لبعثة مالي تم التعاقد معها من قبل الأمم المتحدة.
هناك أيضاً مجال للتحسين التكنولوجي، فعلى الرغم من أن أقسام الاستخبارات في قوات حفظ السلام في مالي كانت الأفضل تجهيزاً في أي بعثة للأمم المتحدة حتى الآن، فإنه في المستقبل يمكن نشر استخبارات الصور (IMINT)، التي يتم جمعها عن طريق الجيش والطائرات من دون طيار والأقمار الصناعية التجارية، وتوجيهها مباشرة إلى القوات البرية، مع تحليلها في الوقت الفعلي (بمجرد دخولها إلى قواعد البيانات) للمساعدة في العمليات الحالية.
وقد شعر بعض الأشخاص في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي أن هناك الكثير من المعلومات في البعثة وأن المعلومات الاستخباراتية تم تمويلها بشكلٍ زائد عن الحاجة، وهي شكوى غير عادية في عمليات حفظ السلام، لكن الخطأ يكمن أكثر في نقطة الالتقاء بين البعثة ووحدة دمج المعلومات، والتي لم تشارك مع باقي عناصر البعثة المعلومات الأكثر أهمية أو ذات الصِلة بطرق سلسة ويسيرة، إذ كانت المشكلة الأكثر وضوحاً هي عدم القدرة على مشاركة المعلومات مباشرة من قاعدة بيانات وحدة دمج المعلومات إلى الدول غير الأعضاء في الناتو، بما في ذلك السويد التي كانت ثاني أكبر مساهم في تمويل الوحدة، وفي المقابل، لم تشارك السويد تقاريرها الاستخباراتية. 
وبصرف النظر عن الأسباب التقنية، كانت هناك أيضاً أسباب سياسية وتنظيمية وشخصية تحدد مقدار المعلومات التي تتم مشاركتها، ووصلت الحال إلى أن يصبح منع الوصول للبيانات والتلاعب بها هو القاعدة في البعثة، كما هي الحال في العديد من بعثات الأمم المتحدة. الأمر الذي أدى إلى عدم تكامل الاستخبارات على الأرض وما نتج عنه من عواقب وخيمة، سواء بالنسبة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو السكان المكلفين بحمايتهم. إذ يتطلب بناء القدرة على الإنذار المبكِّر للهجمات على قدرة أفراد البعثة والمدنيين على تبادل المعلومات بسرعة، ليس فقط بين أفراد البعثة، ولكن أيضاً مع السكان المحليين.
أخيراً، تحتاج قوات حفظ السلام إلى القدرة على تحليل أعمق للسياقات المحيطة بها في مناطق النزاعات، وهو ما أظهرته وحدة دمج البيانات بشكلٍ كبير، بما في ذلك بناء السيناريو والتحليلات التنبؤية. لذلك، يمكن مواصلة استكشاف استخدام الأدوات البرمجية الجديدة بحيث تتيح استخدامات أفضل للمعلومات الاستخباراتية في عملية السلام. وعلى الرغم من الدمج الخاطئ لوحدة دمج المعلومات في بعثة حفظ السلام في مالي، فإن الوحدة قد أظهرت كيف يمكن إجراء تحليل أعمق في هذا المجال، وسيستمر السعي للحصول على معلومات استخباراتية شاملة في كل من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي والأمم المتحدة بشكل عام، حيث يبحث المجتمع الدولي عن طرق لإجراء عمليات سلام واستقرار فعالة في مناطق النزاعات المسلحة.
المصدر:
Sebastiaan Rietjens and A. Walter Dorn, Chapter 9: The Evolution of Peacekeeping Intelligence: The UN’s Laboratory in Mali, in: Floribert Baudet, Eleni Braat Jeoffrey van Woensel, Aad Wever, Perspectives on Military Intelligence from the First World War to Mali: Between Learning and Law, springer, 2022.