تُعوِّل إيران على إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في إعادة التفاوض معها بشأن الاتفاق النووي، وبالتالي إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تدريجياً، وإعادة صادرات الخام الإيراني للأسواق الدولية، بعد أن واجهت مصاعب شديدة في التصدير نتيجة حملة الضغوط القصوى التي فرضتها إدار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عليها في العامين الماضيين. ولا تستبعد اتجاهات عديدة أن تبرم إدارة بايدن، مبدئياً، صفقة مؤقتة مع إيران، ستسمح بتصدير أكثر من نصف مليون برميل نفط يومياً، لحين الوصول إلى صفقة أوسع في أواخر العام المقبل أو عام 2022، وعودة كامل الصادرات للأسواق الدولية.
تشديد العقوبات:
سعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في العامين الماضيين، إلى فرض أقصى الضغوط الممكنة على إيران، حيث طبقت عقوبات شاملة على كافة الأنشطة الاقتصادية الإيرانية، بما في ذلك قطاعى النفط والبتروكيماويات، أهم مصادر الدخل الإيراني، فضلاً عن عقوبات عديدة ضد الشركات والأفراد والمؤسسات الإيرانية، وعلى نحو أدى إلى خسائر واسعة للاقتصاد الإيراني.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني أن انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة والعقوبات التي فرضتها كلَّفت طهران خسائر اقتصادية تقدر بأكثر من 150 مليار دولار. وكان قطاع الطاقة من بين أبرز المتضررين من الحظر الأمريكي، حيث هبط إنتاج النفط بنسبة 46% إلى نحو 1.9 مليون برميل يومياً مقارنة بنحو 3.5 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2018.
وفي ظل الحظر الأمريكي، واجهت إيران عقبات شديدة في تصريف إنتاجها من الخام للأسواق الدولية، حيث هبطت الصادرات النفطية إلى ما يتراوح بين 200 و300 ألف برميل يومياً في عام 2019 مقارنة بأكثر من 2.5 مليون برميل يومياً قبل العقوبات. ولجأت طهران، في الأشهر الأخيرة، مع تصاعد الضغوط الأمريكية عليها، لتكثيف جهودها للالتفاف على العقوبات الأمريكية، وتصدير نفطها للأسواق الدولية.
وفي هذا الصدد، استخدمت طهران أساليب عديدة منها عمليات النقل من سفينة إلى أخرى مع إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال لتجنب الكشف عنها. وقد كانت الصين المحطة الرئيسية لصادرات النفط الإيراني المهرب للخارج. ووفقاً لتقديرات "تانكر تراكرز"، صدَّرت إيران ما يقرب من 1.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات في سبتمبر 2020، وهو أعلى مستوى للصادرات الإيرانية في عامين.
توجه جديد:
مع فوز جو بايدن بالانتخابات الأمريكية مؤخراً، انتشعت الآمال الإيرانية بإمكانية عودة المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي. وعلى هامش حملته الانتخابية، صرّح بايدن، في مناسبات مختلفة، بأنه سيسعى إلى تبني الحلول الدبلوماسية مع إيران، شرط عودتها إلى الامتثال الصارم لخطة العمل الشاملة المشتركة، وعلى نحو أعطى أملاً لدى طهران في رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها.
وفي هذا الصدد، قال بايدن: "ينبغي على طهران العودة إلى الامتثال الصارم للصفقة، وإذا فعلت ذلك، فسأعود للانضمام إلى الاتفاقية"، وكان الرئيس الجديد قد انتقد أيضاً سياسة سلفه ترامب مع إيران قائلاً في وقت سابق: "هناك طريقة أذكى لتكون صارماً مع إيران".
وبطبيعة الحال، فقد رحبت الأوساط الإيرانية بتولي بايدن الرئاسة، حيث ترى أنه سيقدم نهجاً مختلفاً في التعامل بشأن ملفها النووي والعقوبات الاقتصادية. وعلى هذا النحو، قال الرئيس حسن روحاني، في 8 نوفمبر: "إن لدى الإدارة الأمريكية الجديدة فرصة للعودة إلى التزاماتها الدولية".
وبالرغم من بوادر التباينات الواضحة بين بايدن وترامب في التعامل مع الملف الإيراني، إلا أن التوصل لصفقة جديدة مع إيران بشأن ملفها النووي سوف يعتمد على عوامل مختلفة، وأبرزها مسألة التوقيت، إذ قد ترغب الإدارة الأمريكية الجديدة في الانتظار لحين إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في يونيو 2021.
فضلاً عن ذلك، فإن الملف الإيراني قد لا يحل على أولويات الإدارة الأمريكية في الأشهر الأولى للحكم، وذلك لحين حسم بعض الإشكاليات الداخلية الأمريكية، والتعامل مع جائحة كورونا. ويضاف إلى ذلك، أنه ستيعين على إدارة بايدن التوصل لشروط مواتية للصفقة الجديدة، التي ينبغي أن تأخذ في اعتبارها، بلا شك، الأمن الإقليمي، وهو مسار دبلوماسي قد يستغرق وقتاً طويلاً، ومما يرجح بالتالي إمكانية الوصول إلى اتفاق مؤقت مع طهران في الأشهر المقبلة.
تداعيات محتملة:
وعلى أية حال، فإذا عادت الولايات المتحدة وإيران إلى المسار الدبلوماسي في عهد بايدن، تظل هناك فرصة لتخفيف العقوبات الأمريكية الصارمة على صادرات النفط الإيرانية، مما قد يمهد الطريق لعودة الخام الإيراني للأسواق الدولية.
وهنا، تشير توقعات المراقبين إلى أن إبرام صفقة مؤقتة سريعة مع طهران، سيسمح بعودة أكثر من 700 ألف برميل يومياً للأسواق الدولية في العام المقبل، لحين عودة كامل الصادرات الإيرانية بمجرد الوصول إلى اتفاق شامل بين الطرفين، وهو ما سيكون له تداعيات بارزة على أسواق النفط الدولية.
ومن شأن عودة الصادرات الإيرانية للأسواق، سواء كلياً أو جزئياً، أن يزيد من ضغوط سوق النفط العالمية، التي تعاني، منذ أشهر عديدة، من هشاشة وضعف وسط تباطؤ الطلب العالمي على النفط بسبب جائحة كورونا، وفائض المعروض العالمي من الخام.
ومن دون شك، فإن السيناريو السابق سيضعف كذلك من جهود تحالف "أوبك+"، الذي خفَّض الإنتاج في الأشهر الماضية، لإعادة التوازن إلى السوق، وسيفرض بدوره ضغوطاً غير مسبوقة على أسعار النفط، وبالتالي ستكون مسألة عودة النفط الإيراني للأسواق الدولية محل تفاوض مع منتجي النفط بالشرق الأوسط مستقبلاً، وهم حلفاء الولايات المتحدة في الوقت ذاته.