لا شك أن اختيار جو بايدن، المرشح «الديمقراطي» لانتخابات الرئاسة الأميركية، نائبته قد ألقى حجراً جديداً في مياه السباق. فقد بدأ هذا السباق بداية هادئةً وكأنه شبه محسوم بين مرشح يتمتع بتأييد قاعدة صلبة أوصلته منذ قرابة أربع سنوات لسدة الرئاسة، وقد سجّل إنجازات اقتصادية حافلة وحافظ بثبات على تأييد قاعدته الانتخابية خاصةً وقد أجاد توظيف شعار «أميركا أولاً» في مجتمع لا يأبه كثيراً لما يجري خارجه.. وبين مرشح منافس باهت الملامح لا يملك «كاريزما» تمكنه من استغلال نقاط الضعف في خصمه، ولا يبدو أنه ظفر بترشيح حزبه إلا لاستبعاد المرشح اليساري «بيرني ساندرز» الذي كان قد حقق أداءً لافتاً في بداية حملة الفوز بترشيح «الحزب الديمقراطي»! ثم جاء «عام كورونا» ليلقي بأول حجر ضخم في المياه الراكدة لهذه الانتخابات، فقد انتُقدت إدارةُ ترامب لجائحة كورونا التي أوصلت الولايات المتحدة لتصدر دول العالم في عدد الإصابات والوفيات معاً، وإن حاول تحميل الصين المسؤولية، وتكفلت الجائحة بتصفية المكاسب الاقتصادية التي حققها، ثم شاءت الظروف أن تتفجر حلقة جديدة وعنيفة من حلقات العنف المرتبط بقضية التمييز العنصري عقب مقتل المواطن الأسود جورج فلويد وعدم اتخاذ ترامب موقفاً مُرْضياً من وجهة نظر أنصار الحقوق المدنية تجاه الواقعة وما تلاها من أعمال عنف. وفي أعقاب هذه التطورات وغيرها بدأ نوع من التحول في أوساط الرأي العام لصالح بايدن وصل إلى حد تفوقه في أحد استطلاعات الرأي بفارق عشر نقاط.
ومع ذلك لم يمكن لأحد من المحللين أن يجزم بفوز بايدن في انتخابات نوفمبر، وذلك لأكثر من سبب لعل أهمها شخصيته الفاقدة للكاريزما كما سبقت الإشارة، وهنا تأتي أهمية اختياره لنائبته «كامالا هاريس» المدعية العامة السابقة لكاليفورنيا وعضو مجلس الشيوخ عنها منذ عام 2017، ذلك أنها تتمتع بشخصية قوية جاذبة كما بدا من أول ظهور علني لها مع بايدن، كما يذكر الجميع لها استجوابها اللاذع في مجلس الشيوخ للقاضي بريت كافانو، مرشح ترامب لعضوية المحكمة العليا، وقد لاحظ كل من تابع وقائع ذلك الظهور العلني الطريقة الذكية التي تحدثت بها عن أبيها الجامايكي وأمها الهندية والتقائهما على خلفية قضية الحقوق المدنية. وتلك اعتبارات يتوقع المحللون أن يضيف اختيارها زخماً لحملة بايدن، لكن مع استمرار عجزهم عن الجزم بفوزهما في الانتخابات القادمة، وذلك لأسباب عدة، أولها الثقة المفقودة في دقة استطلاعات الرأي العام، وقد كانت تشير مثلاً إلى فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات السابقة. والأهم من ذلك أن هذه الاستطلاعات، حتى بفرض دقتها، تؤثر بحد ذاتها على الرأي العام بمعنى أنها تدفع أنصار المرشح الأقل حظاً إلى زيادة الجهود للتأثير في الرأي العام وقد تدفع أنصار الأوفر حظاً إلى التراخي. ويُضاف إلى هذا نظام «الكلية الانتخابية» المعقد الذي يحصد فيه المرشح الرئاسي نصيب الولاية بالكامل في الكلية الانتخابية إذا فاز بأغلبية الأصوات فيها، ما يعني أنه يمكن أن يفوز بالرئاسة دون أن يكون قد حصل على أغلبية الأصوات على المستوى الوطني، وقد حدث هذا في انتخابات 2016. وأخيراً وليس آخر تأتي مفاجآت الأسابيع والأيام الأخيرة في السباق الانتخابي التي قد يدخرها كل خصم لمنافسه، كفضيحة أخلاقية أو مالية أو قد تأتي من حيث لا يحتسب أحد كما حدث لهيلاري في الأيام الأخيرة لحملتها الانتخابية عندما أُثيرت مجدداً قضية استخدامها لبريدها الإلكتروني الشخصي إبان توليها وزارة الخارجية.
وهكذا تبقى كالعادة نتيجة هذا السباق الكبير غير محسومة حتى اللحظة الأخيرة.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد