أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

عالم أقل أمناً:

خرائط التهديد والعنف في مؤشر السلام العالمي 2017

18 يونيو، 2017


عرض: مصطفى عبد الغني، باحث إحصائي بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة 

لا تزال منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر اضطرابًا ضمن أقاليم العالم في ظل احتدام الصراعات الداخلية، وتصاعد التهديدات الإرهابية، وحالة عدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في عدد كبير من دول الإقليم. وفي هذا الإطار أصدر معهد السلام والاقتصاد العدد الحادي عشر من مؤشر السلام العالمي في يونيو 2017.

ويُقيِّم المؤشر حالة السلام والاستقرار في 163 دولة، ويتكون من ثلاثة أبعاد أساسية: مستوى الصراع المحلي والعالمي، ومستوى الأمن والأمان، ومستوى التسلح العسكري. ويضم كل بُعد من هذه الأبعاد الثلاثة مجموعة من المؤشرات الفرعية الكمية والكيفية، من أبرزها عدد الوفيات الناجمة عن الصراعات، وعدد اللاجئين والنازحين، والإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، واحتمال وقوع مظاهرات عنيفة، والعلاقة مع الدول المجاورة، وغيرها.


 تهديدات السلام العالمي:

تكشف مراجعة بيانات مؤشر السلام العالمي خلال السنوات العشر الماضية عن تراجعٍ حادٍّ في حالة السلام والاستقرار على مستوى العالم، وهو ما يرجع إلى تصاعد التهديدات الأمنية والعسكرية للأمن العالمي، وتزايد التهديدات الإرهابية، وارتفاع عدد ضحايا الصراعات المسلحة، وتدفقات اللاجئين عبر الحدود.

وتتمثل أهم العوامل التي أسهمت في تدهور مستوى السلام العالمي فيما يلي:

1- تصاعد العمليات الإرهابية: يؤكد مؤشر السلام العالمي أن مستويات الإرهاب قد زادت لدى 60% من الدول التي يُغطيها المؤشر مقارنةً بالعقد الماضي. فعلى الصعيد العالمي، ارتفعت الوفيات الناجمة عن الإرهاب من 11 ألفًا في عام 2007 إلى 29 ألفًا في عام 2015.

وبالمثل، ارتفع العدد الإجمالي للعمليات الإرهابية خلال الفترة الزمنية نفسها، من 2800 عملية إرهابية في عام 2007 إلى ما يزيد عن 12 ألف عملية في عام 2015، بزيادة تتجاوز 326%.

وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن هناك 5 دول تستحوذ على 75% من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب؛ حيث سجلت العراق وأفغانستان ونيجيريا وسوريا واليمن أكثر من 21 ألف حالة وفاة في عام 2015.

ولم تَنْجُ كلٌّ من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من الإرهاب الذي ارتفع بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية، فقد وصل عدد الوفيات الناتجة عن الإرهاب بهما إلى أكثر من 900% خلال الفترة ما بين 2007 إلى عام 2016، خاصة في تركيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا.

2- ضحايا الصراعات المسلحة: قُدِّر عدد الدول التي تعاني من صراعات مسلحة داخلية بحوالي 30 دولة في 2016، وقد ارتفعت أعداد الوفيات الناتجة عن الصراعات المسلحة الداخلية لتصبح حوالي 300 ألف في عام 2016 بعدما كانت تُقدر بحوالي 35,988 ألفًا في عام 2007، وهو ما يعني زيادة تجاوزت 732%، وترجع هذه الزيادة إلى الصراعات المسلحة الداخلية مثل: الصراع في سوريا، والمكسيك، وأفغانستان، والعراق، واليمن.

3- ارتفاع أعداد اللاجئين: قُدِّر عدد اللاجئين والنازحين في عام 2008 بحوالي 34 مليون شخص، وارتفع هذا العدد في عام 2015 ليصل إلى 64 مليون شخص؛ حيث أدى الصراع السوري إلى زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين والنازحين، إذ يُصنف أكثر من 68% من سكان سوريا كلاجئين أو نازحين داخليين، وذلك وفقًا لآخر البيانات المتاحة.

كما شهد عدد من الدول الأخرى زيادة كبيرة في عدد النازحين، فقد نزح أكثر من 20% من إجمالي السكان في قبرص وجنوب السودان، ونزح ما يقرب من 15% من كولومبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.


خريطة السلام في العالم:

رصد مؤشر السلام أوضاع الدول، ودرجة تحقق السلام بها؛ حيث وضع التقرير منطقة الشرق الأوسط في صدارة أكثر مناطق العالم اضطرابًا وأقلها سلامًا، تليها منطقة جنوب آسيا، وإفريقيا جنوب الصحراء. وفي هذا الصدد تتمثل المناطق الرئيسية التي تضمنها مؤشر السلام العالمي فيما يلي:

1- منطقة الشرق الأوسط: لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المنطقة الأكثر اضطرابًا على المؤشر للسنة الخامسة على التوالي، وتُعد سوريا هي الدولة الأقل سلامًا في العالم، كما يأتي كلٌّ من العراق والسودان وليبيا في ذيل القائمة. 

وعلى الرغم من الهزائم المتلاحقة التي واجهت تنظيم داعش، فإن هذا لم يخلق حالة من الاستقرار في المنطقة، بل بالعكس أدى إلى تصاعد العمليات الإرهابية.

وعلى الجانب الآخر، تأتي الكويت والإمارات وتونس وعمان في مقدمة الدول الأكثر سلامًا في منطقة الشرق الأوسط.

2- جنوب آسيا: تأتي منطقة جنوب آسيا كأقل المناطق سلامًا في العالم بعد الشرق الأوسط، خاصة وأن أفغانستان تعد أقل دولة سلامًا في العالم بعد سوريا. بالإضافة إلى أن النزاع حول كشمير يؤثر على العلاقات الهندية الباكستانية.

3- إفريقيا جنوب الصحراء: تعد دول جنوب السودان والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو ونيجيريا وبوروندي، هي الدول الأقل سلامًا في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. 

كما عانت إثيوبيا من تراجع كبير على مؤشر السلام؛ حيث أدت المظاهرات العنيفة إلى إعلان الحكومة حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في أكتوبر 2016. وتشكل الجماعات الإسلامية تهديدًا على دول منطقة الساحل، بما في ذلك مالي وموريتانيا، ونيجيريا في غرب إفريقيا.

4- أوروبا: على الرغم من التزايد المستمر في العمليات الإرهابية التي تشهدها أوروبا؛ إلا أنها لا تزال المنطقة الأكثر سلامًا في العالم. وتُعد أيسلندا الدولة الأكثر سلامًا في العالم، كذلك تأتي البرتغال والنمسا والدنمارك في مقدمة الدول الأوروبية الأكثر سلامًا، 

وتم وضع تركيا في ذيل قائمة الدول الأوروبية من حيث درجة السلام، ويرجع ذلك إلى تدهور الوضع السياسي في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، وقد وصل الوضع إلى ذروته في يوليو 2016، عندما حاولت بعض وحدات الجيش تنفيذ انقلاب عسكري.

وفيما يتعلق بأوروبا الغربية فقد تراجعت فرنسا لتصل إلى المرتبة 51 عالميًّا، ويُعزَى هذا التدهور إلى تصاعد العمليات الإرهابية خاصة بعد الهجوم الذي وقع في نيس في يوليو 2016. كما تراجعت حالة السلام في بريطانيا، لا سيما وأن خروجها من الاتحاد الأوروبي قد صاحبه وجود استقطاب حاد داخل المجتمع البريطاني، وحالة من عدم اليقين السياسي.

5- أمريكا الشمالية: جاءت كندا ضمن الدول الأكثر سلامًا في العالم؛ حيث تأتي في المرتبة الثامنة عالميًّا، بينما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تراجعًا على مؤشر السلام العالمي، إذ تأتي في المرتبة 114، حيث عانت الولايات المتحدة انقسامًا مجتمعيًّا حادًّا أثناء الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى تصاعد المشكلات الاجتماعية في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة.

6- روسيا وأوراسيا: تقع أوكرانيا وروسيا ضمن أقل 15 دولة في العالم سلامًا، حيث جاءت أوكرانيا في المرتبة 154 عالميًّا، بينما جاءت روسيا في المرتبة 151 عالميًّا.


التكلفة الاقتصادية للعنف:

يتسبب انتشار الصراعات والعنف في خسائر اقتصادية ضخمة، وذلك بسبب النفقات التي تتكبدها الدول في رفع مستوي التسليح، يضاف إلى هذا أنها تؤدي إلى انهيار البنية التحتية. وقد بلغت التكلفة الاقتصادية للعنف 14.3 تريليون دولار على مستوى العالم في عام 2016، أي ما يعادل 12.6% من الناتج الإجمالي العالمي، أو ما يعادل 1953 دولارًا للشخص الواحد.

وتتكبد الدول الثلاث الأقل سلامًا في العالم (سوريا، والعراق، وأفغانستان) خسائر اقتصادية باهظة، حيث تبلغ التكلفة الاقتصادية للعنف حوالي 67% من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا، فيما تصل في العراق إلى ما يعادل 58% من إجمالي ناتجها المحلي، وتصل النسبة في أفغانستان إلى حوالي 52%.

 

ختامًا، من المرجّح -وفق بيانات مؤشر السلام العالمي- أن يشهد العالم مزيدًا من عدم الاستقرار مع تزايد التهديدات الأمنية، وإخفاق جهود تسوية الصراعات الداخلية المسلحة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتزايد حدة التهديدات الإرهابية، وانتشار شبكات الجريمة المنظمة، والتهديدات الأمنية العابرة للحدود، بالإضافة إلى تعثر الجهود الدولية لتحقيق الأمن والاستقرار، وتراجع فاعلية أدوار المنظمات الدولية في حفظ الأمن والسلم الدوليين.