تشهد الساحة الألمانية في الآونة الأخيرة تحولات ملحوظة في عدة اتجاهات داخلية وخارجية، بعضها قد يعيد هذا البلد إلى قوته العسكرية في السياسة العالمية، بينما البعض الآخر يمثل قيوداً خاصة مع التغيرات السياسية في الخارطة الحزبية التي أسفرت عن صعود سياسي لحزب يميني متطرف، فضلاً عن التراجعات في أداء الاقتصاد الألماني.
ففي سبتمبر 2024، عرفت الساحة الحزبية الألمانية متغيراً لافتاً مع الانتصار النوعي لحزب "البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات الإقليمية التي أُجريت في ولايتي تورينجيا وساكسونيا في شرق البلاد، حيث حصل الحزب على أغلبية الأصوات في الولاية الأولى، بينما حل ثانياً في الولاية الثانية.
وتُجسد تلك النتائج سابقة هي الأولى من نوعها منذ تأسيس حزب البديل عام 2013، كما تدلل على تراجع الأحزاب الثلاثة الحاكمة في حكومة الائتلاف للمستشار أولاف شولتس، وذلك قبل عام واحد من إجراء الانتخابات العامة المقبلة. كما يُنذر صعود الحزب في شرق ألمانيا باستدعاء وضعية البلاد قبل الاتحاد؛ إذ التباين ما بين شرق وغرب البلاد في التوجهات السياسية والواقع الاقتصادي؛ مع ذلك يواجه حزب البديل عوائق أمام انخراطه في الائتلاف الحكومي، ولاسيما مع القيود التي وضعتها الأحزاب التقليدية الألمانية في التعامل مع هذا الحزب لتطويق انتشار اليمين المتطرف بصورة عامة.
بموازاة ذلك، شهدت الساحة الألمانية تغيرات أخرى على صعيد الاستراتيجية العسكرية، من خلال وضع وثيقة استراتيجية دفاعية تستند إلى تحديث وتطوير القوات العسكرية والصناعات العسكرية، مع زيادة الإنفاق العسكري وعودة التجنيد الإلزامي لمواجهة التحديات الأمنية في أوروبا عقب الحرب الروسية الأوكرانية. إلا أن المساعي الألمانية لزيادة الإنفاق العسكري تصطدم بتراجعات اقتصادية واستثمارية داخلية.
في هذا السياق، يرصد التقرير أبرز الرؤي المطروحة في مراكز الفكر ووسائل الإعلام الغربية حول التحولات السياسية والاقتصادية والعسكرية الراهنة في ألمانيا ومدى فعاليتها في استعادة قوة هذا البلد في الساحة الدولية، فضلاً عن تأثير ذلك في أوروبا، في ظل تصاعد موجة اليمين المتطرف، والتي تطرح تحديات مستقبلية أمام أوروبا ومؤسساتها الاتحادية، كما يناقش التقرير إدارة العلاقات الخارجية بين ألمانيا والقوى الكبرى المتنافسة على النظام الدولي الراهن خاصة الولايات المتحدة والصين.