استضافت إيطاليا، في منتصف يونيو 2024، اجتماعات مجموعة السبع (G7)، وشكلت القارة الإفريقية الموضوع الرئيس لروما على جدول أعمال المجموعة خلال اجتماعات العام الجاري، وهو ما يتماشى مع توجهات إيطاليا الراهنة لتعزيز حضورها في إفريقيا، وتطلعات رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، إلى جعل بلادها مركزاً رئيسياً للطاقة بين القارتين الأوروبية والإفريقية.
تحركات لافتة:
شهدت الأشهر الأخيرة تحركات إيطالية مكثفة في القارة الإفريقية لتعزيز نفوذ روما في إفريقيا. وفي هذا السياق، يمكن عرض أبعاد هذه التحركات على النحو التالي:
1. تقديم إيطاليا كوجهة أوروبية جديدة في إفريقيا: تمسكت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، بأن تكون القارة الإفريقية على أولوية جدول أعمال اجتماعات مجموعة السبع (G7) التي استضافتها روما في يونيو الماضي؛ إذ تُعد إفريقيا أحد أبرز مُرتكزات السياسة الخارجية لميلوني، وهو ما يتجسد بشكل واضح في "خطة ماتي" (Mate Plan)، والتي تستهدف بالأساس تعزيز دور روما كنقطة وصل بين إفريقيا وأوروبا وتوزيع الغاز الطبيعي من القارة الإفريقية ومنطقة البحر المتوسط إلى الداخل الأوروبي، فضلاً عن إحكام السيطرة على موجات الهجرة الجماعية غير الشرعية إلى أوروبا.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوزي، أن بلاده تسعى حالياً إلى إنشاء بنية تحتية أمنية قوية في القارة الإفريقية، وضخ استثمارات لبناء القدرات في قطاع الأمن السيبراني؛ وهو ما يتسق مع "خطة ماتي" و"عملية روما" التي ترى بأن تنمية القارة الإفريقية تشكل مُحدداً حاسماً لمنع تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
2. القمة الإيطالية الإفريقية عام 2024: استضافت روما مطلع العام الجاري 2024 القمة الإيطالية الإفريقية، التي انطوت على إعلان حكومة رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، عن تطلعات بلادها لدعم التنمية في القارة الإفريقية، من خلال الحديث عن خمسة مجالات رئيسية للاستثمار في إفريقيا، تتمثل في الطاقة والمياه والزراعة والصحة والتعليم. وشهدت هذه القمة إطلاق حكومة ميلوني لخطة بلادها في إفريقيا والمعروفة باسم "خطة ماتي"، والتي جاءت على اسم مؤسس شركة "إيني" الإيطالية، إنريكو ماتي، الذي كان قد دعا في خمسينيات القرن الماضي إلى تعزيز التعاون بين روما والقارة الإفريقية.
وتجدر الإشارة إلى أن "خطة ماتي" الإيطالية تعود بالأساس إلى المبادرة التي أطلقتها روما في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ إذ استهدفت هذه المبادرة آنذاك تأمين موارد الطاقة لإيطاليا من خلال توسيع الشراكة مع الدول الإفريقية، وهيكلة علاقات تعاونية أوسع بدلاً من الاعتماد فقط على استغلال الهيدروكربونات الموجودة في الدول الإفريقية، وقد نجحت هذه المبادرة في تعزيز صورة روما في المنطقة واعتبارها شريكاً أكثر موثوقية.
وتأتي تحركات حكومة روما الحالية لإحياء هذه الخطة في إطار مُحاولتها الاستراتيجية لتعزيز حضور إيطاليا ونفوذها التقليدي في القارة الإفريقية، في إطار المشهد الجيوسياسي المُعقّد في الوقت الراهن، ورغبة الحكومة الإيطالية في مُعالجة العديد من القضايا الحيوية التي تواجهها، على غرار ملف أمن الطاقة، وكذا التنمية الاقتصادية، ناهيك عن الانخراط الدولي المتزايد في القارة الإفريقية.
3. تنامي الحضور الإيطالي في شمال وغرب إفريقيا: تبنت ميلوني، نهجاً تدرجياً في التقارب مع القارة الإفريقية، فقد ركّزت في البداية على منطقة شمال إفريقيا. فأبرمت روما العديد من الاتفاقيات مع دول هذه المنطقة، سواء لضمان تلبية احتياجات إيطاليا من الطاقة -إذ باتت الجزائر وحدها مسؤولة عن 40% من احتياجات روما من الغاز- أم لضبط مسارات الهجرة غير الشرعية.
وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية قد أعلنت أن هناك بعض الدول الإفريقية التي ستكون لها أولوية في خطة حكومتها، منها المغرب؛ إذ تسعى روما لإنشاء مركز جامعي في الرباط، بالإضافة إلى التعاون مع حكومة كوت ديفوار في تطوير الخدمات الصحية، وتطوير مراقبة المحاصيل الزراعية عبر الأقمار الاصطناعية في الجزائر، فضلاً عن تطوير الآبار وشبكات المياه في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يُضاف إلى ذلك اتجاه روما لتطوير مشروع خط الكهرباء (ElMED) القائم بالفعل بينها وبين تونس.
كذا، عمدت روما إلى تعزيز تعاونها مع الحكومة الليبية؛ إذ تم التوصل لصفقة غاز مع حكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا بقيمة 8 مليارات دولار، فضلاً عن استضافتها لقائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، لتنسيق ملف الهجرة غير الشرعية. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الأشهر الأخيرة تنامي التقارب الإيطالي مع مصر وتونس وتوسيع نطاق التعاون المُشترك، على غرار مُذكرة التفاهم التي وقّعتها روما والقاهرة للاستثمار في القطاع الزراعي المصري ومجال الصحة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
4. تحركات إيطالية في منطقة القرن الإفريقي: تشكل منطقة القرن الإفريقي أحد أبرز بؤر الاهتمام أمام الحكومة الإيطالية، وفي هذا الإطار أرسلت الحكومة الإيطالية وفداً رفيع المستوى إلى إريتريا، برئاسة وزير الأعمال والصناعة الإيطالي، أدولفو أورسو، في يونيو الماضي، في إطار مساعي الحكومة الإيطالية لاكتشاف أهم الفرص للتوسع في القارة وتنفيذ "خطة ماتي"، ولاسيما في مجال الطاقة المُتجددة والبنية التحتية والتنمية الزراعية والمعادن وغيرها من المجالات.
وتشكل إريتريا فرصة رئيسة أمام التطلعات الإيطالية للتوسع في منطقة القرن الإفريقي، خاصةً فيما يتعلق بإنتاج الطاقة الكهروضوئية والطاقة الحرارية الأرضية، فضلاً عن البنية التحتية للموانئ والطرق والسكك الحديدة، بالإضافة إلى مناجم المعادن الثمينة كالنحاس والزنك والحديد والفوسفات والبوتاسيوم والمنغنيز وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن هناك علاقات تاريخية تربط إيطاليا بإريتريا، فقط كانت الأخيرة خاضعة للاستعمار الإيطالي. بالإضافة إلى ذلك، تتجه الحكومة الإيطالية لتعزيز التعاون مع الحكومة الإثيوبية، ولاسيما في مجال الدعم البيئي، فضلاً عن مبادرة لتطوير الوقود الحيوي مع الحكومة الكينية.
دلالات مُهمّة:
ظلت القارة الإفريقية غائبة نسبياً عن السياسة الخارجية الإيطالية لسنوات عديدة؛ ومن ثم تعكس التوجهات الراهنة لروما إزاء إفريقيا جملة من الدلالات المهمة بشأن مستقبل النفوذ الإيطالي في القارة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1. مساعي ميلوني لترسيخ سلطتها داخلياً وخارجياً: ترتبط التحركات الإيطالية الراهنة في القارة الإفريقية بمساعي رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني، بترسيخ نفوذها ومكانتها في الداخل الإيطالي، من خلال تقديم استراتيجية أكثر جذباً للشركات الإيطالية الخاصة وكذا بالنسبة للناخبين الإيطاليين، باعتبار أن القارة الإفريقية تشكل فرصة للنمو والتوسع الإيطالي، في ظل الموارد الهائلة التي تمتلكها القارة الإفريقية، ولاسيما ما يتعلق بالطاقة؛ ومن ثم الاستفادة من احتياطات الطاقة الهائلة في القارة. فضلاً عن تطلعات ميلوني لتعزيز الدور القيادي لبلادها في القارة الأوروبية. وفي هذا الإطار، تمثل القارة الإفريقية أحد أبرز أولويات السياسة الخارجية لرئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، منذ وصولها للسلطة في أكتوبر 2022.
2. الاستفادة من التعثر الفرنسي في إفريقيا: لا يمكن الفصل بين توقيت الحراك الإيطالي الراهن وتوجهات روما لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية من ناحية، والانتكاسات المتتالية التي تعرضت لها فرنسا في إفريقيا من ناحية أخرى، فقد تراجع نفوذ باريس بشكل كبير في القارة خلال السنوات الأخيرة، ويبدو أن روما تستهدف استغلال هذا التراجع والفراغ الذي تمخض عن الانسحاب التدريجي لفرنسا من أجل ملء هذا الفراغ وتعزيز الدور الإيطالي في إفريقيا. وربما يدعم هذا الطرح لغة الخطاب التي تتبناها روما في حديثها مع القادة الأفارقة وتجنب اللهجة الأبوية التي تنتهجها باريس، والتي كانت سبباً رئيساً في تنامي المشاعر المُناهضة لفرنسا في إفريقيا؛ إذ تطرح روما نفسها باعتبارها فاعلاً أكثر حياديةً وأقل تدخلاً مُقارنةً بالقوى الأخرى؛ ومن ثم الاستفادة من تاريخها السابق الأقل استغلالاً لموارد دول القارة.
3. دعم أمريكي للخطة الإيطالية: كشفت بعض التقديرات الغربية عن وجود دعم أمريكي، وكذا من بعض القوى الأوروبية، للخطة الإيطالية في إفريقيا، في إطار قلق واشنطن من أن تستغل روسيا والصين تراجع النفوذ الغربي في إفريقيا من أجل التوسع في القارة لملء هذا الفراغ؛ ومن ثم تأتي "خطة ماتي" الإيطالية استجابة للتنافس الجيوسياسي الحاد في القارة الإفريقية؛ إذ تستهدف روما من خلال هذه الخطة طرح نموذج بديل للنموذج الغربي التقليدي وما ينطوي عليه من قيود على الدول الإفريقية، وكذلك لتكون بديلاً للنهجين الروسي والصيني اللذان يبدوان أقل من النموذج الغربي من حيث القيود، لكنهما في المقابل يشكلان تحدياً سياسياً لدول القارة الإفريقية.
4. انتقادات لخطة روما الاقتصادية في إفريقيا: رغم ما تتضمنه الخطة الإيطالية من أهداف خاصة بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين روما والدول الإفريقية، فإن هناك بعض التقارير التي شككت في وجود رؤية واضحة وموارد اقتصادية كافية لتنفيذ الخطة والتطلعات الإيطالية في إفريقيا، مُشيرةً إلى أن الخطة الإيطالية في إفريقيا جاءت من قبل حكومة ميلوني دون مُساهمة حقيقية من القيادة الإفريقية.
كما أُثيرت إشكالية أخرى تتعلق بالأهداف الحقيقية لروما في إفريقيا، فعلى الرغم من إشارة "خطة ماتي" إلى ضرورة تعزيز التنمية في القارة الإفريقية من أجل وقف موجات الهجرة غير الشرعية، فإن هناك بعض التقارير التي اعتبرت أن هذه الخطة تركز بالأساس على الاستثمارات وليس التنمية، ولاسيما وأن روما تستند في تنفيذ الخطة إلى البنوك والشركات الخاصة والمملوكة للدولة، واستبعاد المنظمات الإنسانية وغير الحكومية.
5. تجنب تكرار أخطاء الاستراتيجية الألمانية في إفريقيا: كانت ألمانيا قد طرحت استراتيجية جديدة لها في القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة، مُستقلة في ذلك عن استراتيجية الاتحاد الأوروبي، فقد استهدفت برلين آنذاك التخلص من الصورة النمطية السيئة التي تمخضت عن الدور الفرنسي في إفريقيا؛ ومن ثم تجنب النهج الأبوي في علاقتها بالدول الإفريقية، واستبدال نهج مساعدات التنمية التقليدية بالاستثمارات الخاصة لدعم مصادر الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة، بيد أن الدافع الرئيس للاستراتيجية الألمانية تمثل بالأساس في محاولة منع تدفق المهاجرين إلى القارة الأوروبية؛ وهو ما تمخض عنه تركيز أحادي على مُعالجة أزمة الهجرة بدلاً من تبني نهج شامل مُتعدد الأبعاد من شأنه مُعالجة القضايا الرئيسة التي تحفز الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وفي هذا السياق، أشارت بعض التقديرات إلى أن روما تسعى من خلال خطتها الحالية إلى تجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبتها الاستراتيجية الألمانية، فعلى الرغم من إعطاء خطة روما الأولوية لملف الهجرة، فإن الحكومة الإيطالية تسعى إلى تبني مُقاربة شاملة في إفريقيا تضمن الحضور طويل الأمد لروما في القارة الإفريقية. وهي المرة الأولى التي تتبنى فيها روما خطة بإمكانها تغيير قواعد اللعبة للتعاون التنموي الإيطالي في القارة الإفريقية.
انعكاسات مُحتملة:
في إطار التحركات الإيطالية الراهنة، يمكن الإشارة إلى عدد من الانعكاسات المرتبطة بمستقبل الحضور الإيطالي في القارة الإفريقية، تتمثل أبرزها فيما يلي:
1. تحديات قائمة أمام الخطة الإيطالية: رغم أن الخطة الإيطالية في إفريقيا تبدو طموحة، فإنه لا تزال هناك العديد من التحديات التي ربما تعوق تنفيذ هذه الخطة، يتمثل بعضها في طبيعة المشروعات ذاتها التي تنطوي عليها الخطة؛ إذ يُعد بعضها مجرد إعادة صياغة لمشروعات قائمة. يُضاف إلى ذلك تحديات أخرى تتعلق بالموارد المطلوبة لتنفيذ الخطة، فحتى الآن لم تخصص روما سوى 5.5 مليار يورو خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي غير كافية لتحقيق الأهداف الطموحة للحكومة الإيطالية في إفريقيا. يضاف إلى ذلك إشكالية أخرى تتمثل في الحضور المؤسسي المحدود للحكومة الإيطالية في الداخل الإفريقي.
وقد أثرت هذه التحديات في قدرة الحكومة الإيطالية على تنفيذ هذه الخطة، فحتى الآن يتمثل الإجراء الفعلي الوحيد الذي اتخذته روما فيما يتعلق بتنفيذ "خطة ماتي" في القانون الذي أقره البرلمان الإيطالي في يناير الماضي، والذي يتكون من 11 مادة تتعلق بتفاصيل الخطة، لكنه لا ينطوي على المشروعات الفعلية التي تستهدف روما تنفيذها أو الموارد التي سيتم الاعتماد عليها، لكن هذا القانون يحدد فقط مجالات التعاون بين إيطاليا ودول القارة الإفريقية.
2. محاولة دمج "خطة ماتي" ضمن مُبادرة "البوابة العالمية" الأوروبية: في إطار التحديات التي تواجه "خطة ماتي" الإيطالية في إفريقيا، طرحت بعض التقارير الغربية مقترحاً يتعلق بدمج الخطة ضمن استراتيجية أوروبية شاملة، في محاولة للاستفادة من الموارد الأوروبية في تحقيق أهداف الخطة الإيطالية، واستعادة الدور الأوروبي في القارة الإفريقية، فرغم أن المبلغ المخصص من قبل الحكومة الإيطالية لتمويل "خطة ماتي" يبدو كبيراً في ضوء الموارد المالية لروما، فإنه يبقى غير كافٍ لإحداث التأثير الكبير في القارة الإفريقية الشاسعة.
وفي هذا السياق، طرح "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" مُقترحاً لدمج "خطة ماتي" ضمن مبادرة "البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي" (Global Gateway initiative)، الصادرة عن المفوضية الأوروبية في ديسمبر 2021، والتي تستهدف بالأساس تعزيز الاتصال العالمي من خلال الاستثمار في مشروعات التنمية الرقمية والبنية التحتية، مع تخصيص نحو 150 مليار يورو للقارة الإفريقية؛ ومن ثم يمكن أن يؤدي دمج "خطة ماتي" مع مبادرة الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق أهداف روما في إفريقيا من خلال الاستفادة من موارد الاتحاد الأوروبي المالية والمؤسسية والدبلوماسية، فضلاً عن تعزيز مصداقية "خطة ماتي" والنظر إليها باعتبارها جزءاً من الاستراتيجية الأوروبية الشاملة وليس كمصالح فردية لروما؛ وهو ما قد يخفف من قلق الدول الإفريقية بشأن دوافع روما في توسيع حضورها في إفريقيا.
3. مزيد من الزخم الإيطالي في إفريقيا: رجحت بعض التقديرات احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التحركات الإيطالية في القارة الإفريقية، في إطار مساعي روما لتعزيز دورها في إفريقيا؛ ومن ثم يتوقع أن تعمد الحكومة الإيطالية خلال الأشهر المقبلة إلى تكثيف مشاوراتها مع الدول الإفريقية، وإطلاق العديد من مشروعات التعاون المشتركة مع هذه الدول.
وفي الختام، تشكل التحركات الإيطالية الراهنة فرصة بالنسبة لروما لاستعادة حضورها في القارة الإفريقية، في ظل السياقات الجيوسياسية في المنطقة، بيد أن هذه المساعي لا تزال تواجه تحديات عديدة يمكن أن تؤثر في فاعلية تحركات حكومة ميلوني؛ بل وتجعلها مجرد إعادة صياغة للمبادرات الأوروبية التقليدية. ورغم أن دمج الخطة الإيطالية ضمن استراتيجية الاتحاد الأوروبي الكبري يمكن أن يعزز فرص نجاح مساعي إيطاليا، فإن الأخيرة ربما تخشى من هذا الاندماج باعتبار أن ذلك ربما يؤدي إلى اختفاء الصبغة الإيطالية ضمن نمط أوروبي شامل. غير أن تراجع جاذبية الدور الغربي في القارة الإفريقية ربما يفضي إلى صيغة جديدة للتعاون بين روما وبقية دول الاتحاد الأوروبي، تتولى فيها إيطاليا قيادة الجهود الأوروبية في إفريقيا.