منذ استضافة الهند لقمة مجموعة العشرين في نيودلهي في سبتمبر الماضي، ما زال الجدال قائماً حول احتمالات تغيير اسم دولة الهند، وذلك بعدما جلس رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلف لوحة مكتوب عليها "بهارات" بدلاً من "الهند". وقبل القمة، تم إرسال الدعوات الخاصة بمأدبة مجموعة العشرين للعديد من الشخصيات المرموقة موجهةً باسم الرئيس الهندي، دروبادي مورمو، بصفته رئيس "بهارات". فضلاً عن توزيع كتيب القمة بعنوان "بهارات: مهد الديمقراطية"، وإطلاق اسم "بهارات ماندابام" أي "الممر الثقافي" على مكان انعقاد قمة مجموعة العشرين (مركز المعارض والمؤتمرات الدولي) والذي افتتحه رئيس الوزراء مودي، في 26 يوليو 2023.
في واقع الأمر، يحتاج حزب رئيس الوزراء مودي، الملقب بحزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، إلى تمرير قرار يحصل على أغلبية الثلثين في "لوك سابها" "مجلس النواب في البرلمان الهندي والمكون من مجلسين تشريعيين" ليتمكن الحزب من تغيير اسم الدولة رسمياً. وبالفعل هناك مناقشات مختلفة في هذا السياق، يمكن تحديد أبعادها في التالي:
1. موقع "بهارات" من الدستور: لم تكن هناك أية مناقشات سياسية بشأن إعادة تسمية الهند من قبل السلطات قبل قمة مجموعة العشرين، وهكذا فقد أُخذ الشعب على حين غرة.
وتنص المادة الأولى من الدستور على أن "الهند، أي بهارات، يجب أن تكون اتحاداً للولايات"، ولكنها لا تُحدد من الناحية القانونية ما إذا كان من الممكن استخدام المصطلحين بالتبادل في الأغراض الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 368 من الدستور الهندي تمكن البرلمان من تعديل أي بند من بنود المادة 1 من الدستور، بما في ذلك اسم الدولة، بعد أن تتم مناقشة هذا البند مناقشة مدروسة في البرلمان. على الجانب الآخر تنص المادة 52 من الدستور الهندي على أنه "يجب أن يكون هناك رئيس للهند" وليس لبهارات.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن استخدام كلا المصطلحين "الهند" و"بهارات" بشكل متبادل، فإن النسخة الهندية من الدستور والمنشورة بموجب المادة 394أ، تتضمن مصطلح "بهارات" كمصطلح مقابل لـ"الهند" كما أوضح ثانكابان أشاري، الأمين العام السابق لمجلس النواب الهندي. ولقد قدم الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا، مقترحاً لتغيير الاسم في جلسة خاصة للبرلمان في الفترة من 18 إلى 22 سبتمبر 2023، وإن كانت المنهجية التي سيتم اعتمادها ما تزال غامضة.
2. تغيير اسم الدولة وصعود القومية: في واقع الأمر تمثل "الهند" اسماً دستورياً معترفاً به دولياً، بينما يُعد اسم "بهارات" أيديولوجياً وتاريخياً.
يرجع أصل مصطلح "بهارات" السنسكريتي إلى قبيلة بهاراتا الفيدية، التي تم ذكرها في "ريجفيدا"، أحد النصوص القانونية الأربعة المقدسة عند الهندوس. وسكنت قبيلة بهاراتا، "أريافارتا"، أي أرض الآريين، في شمال شبه القارة الهندية.
وقد ذكر المحامي الهندي جيه ساي ديباك، بوضوح في كتابه "الهند والتي هي أيضاً بهارات: الاستعمار والحضارة والدستور" أن الهند بحاجة إلى التحرر من الخيالات والأوهام المنتشرة عنها حول العالم التي خلقها الاستعمار. وأضاف أن اتباع نهج إنهاء الاستعمار لتخليص بهارات من المذاهب والأفكار الاستعمارية أمر ضروري، حتى لو لم يكن هو الحل السحري لإنهاء كل التحديات الحضارية التي تواجهها الدولة. ويعتقد ديباك أن مصطلح "بهارات" سيكون بمثابة مرشد للبلاد، يساعدها على الحفاظ على ماضيها وفهم رحلتها الخاصة، بدلاً من الاعتماد على الأطر الاستعمارية لفهمها.
ولذا فإنه ومن خلال نشر مفاهيم القومية، وإنهاء أفكار المذاهب الاستعمارية، وبإطلاق اسم "بهارات" على الهند، يعتقد حزب بهاراتيا جاناتا أن هذا من شأنه أن يغرس الفخر والوطنية في نفوس أفراد الشعب الهندى، كما أن من شأنه أيضاً أن يعزز قيم الانتماء للتراث الثقافي الغني للبلاد. ومنذ شهر تقريباً، طلب موهان باجوات، رئيس منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) أو المنظمة الأيديولوجية الأساسية لحزب بهاراتيا جاناتا، من الهنود التوقف عن استخدام كلمة "الهند" والتحول إلى كلمة "بهارات".
ومن ناحية أخرى، فإن كلمة "الهند" ترمز إلى الاسم الاستعماري الذي ورثته البلاد عند الاستقلال. كما أنها ترمز إلى الحداثة وإلى الاعتراف العالمي بها كدولة تحت الانتداب لها مجلسها التشريعي ودستورها ونظامها القضائي. وقد وصف الأكاديمي الهندي براتاب بهانو ميهتا، محاولة "إنهاء الاستعمار" هذه من قبل الحزب الحاكم بأنها محاولة تتم في إطار أيديولوجي فضفاض مقيد للخطاب الفكري في العديد من اللغات العامية، وبخاصة الهندية (التي يتم التحدث بها غالباً في شمال الهند). وتركز المناورات السياسية الإقصائية على ثنائية "ما هو غربي مقابل ما هو هندي". ويعتقد ميهتا أن الإسلام والمسيحية وديانات الأقليات الأخرى في الهند ستكون هدف ما يسمى بمشروع إنهاء الاستعمار.
3. جدل بين السلطة والمعارضة: في يوليو 2023 أطلق تحالف المعارضة المكون من 26 حزباً (حزبين وطنيين و24 حزباً إقليمياً) على نفسه اسم التحالف التنموي الوطني الهندي، والذي يُعرف اختصاراً بـ(INDIA) "إنديا" أي "الهند"، ويستعد هذا التحالف لدخول الانتخابات العامة في 2024.
وبالطبع لم يكن من قبيل الصدفة أن يسمى التحالف نفسه باسم "إنديا" ويُعد ذلك بمثابة مناورة سياسية. فبمجرد أن استخدمت الحكومة الحالية والحزب الحاكم مصطلح "بهارات"، لم تترك المعارضة أي وقت لجعل هذا الأمر قضية أساسية للنقاش. ولذلك فإن المخاوف الانتخابية والسياسية تُعد بمثابة العامل الرئيسي المحرك لقضية "الهند" مقابل "بهارات". حتى إن المعارضة بذكاء قد أطلقت على هذه القضية وصف: "المناظرة بين مودي وإنديا".
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يثار فيها هذا الجدال، ففي 11 مارس 2016 رفضت المحكمة العليا في الهند دعوى المصلحة العامة (PIL) التي رفعها نيرانجان بهاتوال، من ولاية ماهاراشترا، والتي توجه فيها بطلب تغيير اسم "الهند" إلى "بهارات". وأدلت الهيئة حينها: "بهارات أم الهند؟ من يريد أن يسميها "بهارات" فليتفضل، ومن من يريد أن يطلق عليها اسم "الهند" فله مطلق الحرية". وقد تم تقديم دعوى مماثلة في عام 2020 من قبل رجل أعمال مقيم في دلهي، وتم رفض هذه الدعوى هي الأخرى من قبل المحكمة العليا.
4. عواقب ممتدة داخلياً وخارجياً: إذا تم تغيير اسم الدولة الهندية ليصبح "بهارات"، فسوف يحتاج ذلك إلى وثائق ومنهجيات إدارية معقدة.
أولاً، يجب تغيير العديد من أسماء المؤسسات والقوانين الهندية البارزة في جميع أنحاء البلاد، وهي بمثابة خطوة ضخمة خاصةً بالنسبة لدولة لم تقم بإجراء تعداد سكاني لنفسها منذ عام 2011. ثانياً، يجب إخطار الدول الصديقة والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، بمثل هذا الأمر كما فعلت تركيا عندما قامت بتغيير اسمها رسمياً. ثالثاً، ستفقد الهند ميزتها الفريدة والمتمثلة في أن هناك محيطاً مُسمى باسمها. لقد زعمت الصين من قبل أن "المحيط الهندي لا يُعد محيطاً هندياً"، ولكن في الوقت نفسه لم يكن لدى بكين أية مشكلة في أن بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي يتبعان اسم دولتها الأم. إذن فتغيير اسم الدولة سيكون له تداعيات جيوسياسية بدوره. وأخيراً، والأهم من كل ما سبق، ماذا سيحدث لعقود من الانتماء العاطفي والوطني في نفوس أفراد الشعب الهندى ولهويتهم؟
5. ثغرات بهاراتيا جاناتا: لقد تم اعتماد اسم "الهند" بعد مناقشة مدروسة في الجمعية التأسيسية عام 1950 لأنه حظي بقبول عالمي.
إن الدعوة لإعادة تسمية "الهند"، وهي تحتفل بمرور 75 عاماً على استقلالها، لا تخلو من الثغرات لعدة أسباب. أولاً، أطلق رئيس الوزراء مودي بنفسه شعار "صنع في الهند" للاستثمارات الأجنبية المباشرة. ثانياً، بما أن الهند والولايات المتحدة قد ترأستا الاجتماع في 9 سبتمبر –على هامش قمة مجموعة العشرين– لإنشاء ممر جديد في غرب آسيا (الشرق الأوسط وأوروبا)، فكان ينبغي أن يطلق عليه اسم "بهارات" وليس "الهند". وأخيراً، فإن -الهند الدولة الديمقراطية الأكبر- ليست هي "مهد الديمقراطية"، لأن المصطلح كان قد ظهر لأول مرة في مدينة أثينا اليونانية في القرن الخامس الميلادي.
خلاصة القول إن "المساحات ليست هي التي تُحدد الهوية، بل الأماكن، فكيف يمكن أن يتحول الفضاء إلى مكان؟ من خلال تسميته".
ولذلك فإن اسم أية دولة له أهمية أساسية. ويُلاحظ أن عدة دول في الماضي قد غيرت أسماءها مثل: سيام والتي أصبحت تايلاند (1939)، وباكستان الشرقية والتي صارت بنغلاديش (1971)، وبورما والتي أضحت ميانمار (1989)، وزائير والتي تحولت إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية (1997)، وتركيا التي قامت بتغيير كيفية كتابة اسمها بالأحرف اللاتينية من (Turkey) إلى (Türkiye) (2022). وتهتم الدراسات الثقافية في مجال أسماء الأماكن بدراسة التغيرات التي تطرأ على المجتمعات من ناحية الهوية والانتماء والتفاعل بين الأفراد، وبخاصة على جماعات السكان الأصليين، مع مثل هذه التجارب الاجتماعية لتغيير أسماء الدول.
ولنتذكر أن بنديكت أندرسون، عالم السياسة الأنجلو أيرلندي، قد شرح في كتابه الشهير "المجتمعات المتخيلة: تأملات حول أصل القومية وانتشارها" والذي نشر عام 1983، مفهوم الأمة على أنه كيان اجتماعي وأيديولوجي يتخيله أفراد الشعب الذين يعيشون على أرضه ويعدون أنفسهم جزءاً من سكانه. وهكذا فإن اعتماد اسم "بهارات" لدولة الشعب الهندي والتخلي التام عن "الهند" من شأنه أن يقطع الحبل السري لملايين الهنود. ومن الممكن أن يتعايش الاسمان، كما هي الحال دائماً، إذ من حق الهنود أنفسهم أن يقوموا بتحديد هويتهم وانتمائهم، بدلاً من أن يصبحوا جزءاً من اللعبة السياسية في الانتخابات العامة المقبلة.