أصبحت الدول الكبرى والشركات الخاصة تتسابق وتتهافت على إرسال مركبات إلى سطح القمر، بهدف البحث العلمي واستكشاف الفضاء، حيث شكل اختبار إطلاق الصاروخ “أرتميس1” سنة 2022 كمرحلة أولى من برنامج “أرتميس – إعادة الإنسان إلى القمر”، نقطة انطلاق لاستكشاف موارد الفضاء، وبحث إمكانية تشكيل نموذج أرضي سياسي واقتصادي وتجاري ومجتمعي في الفضاء الخارجي، خاصة من قبل القوى الفضائية الكبرى، كالولايات المتحدة والصين.
وفي إطار التنافس على موارد الفضاء، تستهدف اتفاقيات “أرتميس” فرض رؤية دولية من قبل الولايات المتحدة للممارسات المستقبلية في هذا المجال، وهي عبارة عن اتفاقيات ثنائية مع عدد من الدول المشاركة في برنامج “أرتميس”، بالشراكة مع وكالة ناسا، لإعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2024، وما بعده، تم التوقيع عليها من قِبَل 23 دولة حتى الآن، بما يُشكِّل نوعاً من الاتحاد الدولي حول الولايات المتحدة. ووقعت أيضاً وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية اتفاقية تعاون في يونيو 2022. وتخلق هذه العضويات المتتالية تدريجياً رؤية مشتركة للتعاون واستكشاف الفضاء عبر نهج متعدد الأطراف.
وحسب تقرير كشف عنه مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة فإنه تتوفر الموارد غير المادية للفضاء بين النجوم في المدارات والترددات المتاحة، ويتم تخصيصها تحت رعاية الاتحاد الدولي للاتصالات “ITU”. كما تثير مسألة المدارات وحدها قضايا قانونية، لأنها لا تخضع للتملك، حيث يتطلب إطلاق كل قمر اصطناعي إذناً مسبقاً من ذلك الاتحاد لاستخدام المدار المستهدف، خاصةً أن إدارة هذه الموارد غير المادية قد تتمخض عنها بالفعل توترات وصراعات محتملة، لأنه غالباً ما يتم إعطاء الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً وتكنولوجياً أولوية في تخصيصها.
وأبرز التقرير ذاته أنه بالإضافة إلى الموارد غير الملموسة يمكن إضافة مجموعة من الموارد الملموسة المحتملة للطاقة الشمسية، من خلال تحويل أشعة الشمس إلى طاقة، ونقلها إلى الأرض لتغذي شبكة الطاقة، المعروفة باسم مشروع “سولاريس”، الذي أطلقته وكالة الفضاء الأوروبية “ESA” لتقدير الجدوى الفنية والربحية الاقتصادية للإسهام في حل أزمات الطاقة الأرضية.
وأفاد مركز المستقبل بأن الصراع الجيوسياسي بين الدول العظمى انتقل في السنوات الأخيرة من النزاعات الأرضية إلى الفضاء الخارجي، بعد فترة من الهدوء النسبي، عقب نهاية الحرب الباردة، وهو ما يحيل على احتمال نشوب موجة جديدة من “عسكرة الفضاء”، في إطار التنافس الإستراتيجي وسباق التسلح بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، مضيفا أن ما يزيد من هذا التنافس ما أتاحته التطورات التكنولوجية في السنوات الأخيرة من وصول الدول والجهات الفاعلة الخاصة بسهولة إلى الفضاء، إذ إن هنالك أكثر من 70 دولة لديها الآن أقمار اصطناعية خاصة بها في المدار، في سياق ما تسمى “دمقرطة الفضاء”.
وحسب التقرير ذاته فإن إنشاء برامج فضائية جديدة للقمر والمريخ يكشف أن الفضاء يظهر كأولوية إستراتيجية جديدة للقوى الفضائية، وهو ما تترتب عليه مطالبات بملكية الموارد الفضائية؛ ففي 6 أبريل من سنة 2020 أصدر الرئيس السابق دونالد ترامب، على سبيل المثال، أمراً تنفيذياً لا تعتبر فيه الولايات المتحدة الفضاء الخارجي بمثابة “مشاعات عالمية”، وهو ما يعكس التنافس الكامن الذي يحدث خارج الغلاف الجوي للأرض.
وتابع المصدر ذاته بأنه رغم أن المنافسة على الفضاء تتطلب توافر ميزانيات ضخمة، وهو أمر صار يشكل تحدياً للمنافسات العالمية، خاصةً أن جائحة “كورونا” أدت إلى إضعاف الاقتصاد العالمي، إلا أن ميزانية ناسا (2021-2025) لبرنامج “أرتميس” لاكتشاف القمر تبدو مضمونة حتى عام 2024، بمبلغ 28 مليار دولار، منها 16 مليارا مخصصة حصرياً لوحدة الهبوط على سطح القمر، لكنها ستحتاج أيضاً للتفاوض بشكل دوري مع الحكومة الفدرالية والكونغرس بشأن الميزانية.
ورجح مركز المستقبل للدراسات أن يكون الأمريكيون أول من يعود ويستقر على القمر، وبالتالي سيستغلون الموارد القمرية ويحتكرونها، في وقت تقترح الصين، من جانبها، برنامجاً طموحا يُظهر هبوط مركبة الهبوط الصينية “Chang’e-4” على الجانب البعيد والمظلم من القمر في يناير 2019، وهو الأول من نوعه في العالم.
وفي صيف عام 2020، أشارت إدارة الفضاء الوطنية الصينية إلى نية البلاد إنشاء محطة علمية دولية على القمر “ILRS” بدءاً من عام 2036، وكذا استغلال الموارد الموجودة خارج الغلاف الجوي. وحتى قبل تنفيذ هذه المحطة تعتزم الصين القيام بمهام بشرية على القمر في بداية العقد المقبل، كما ترغب في جذب شركاء دوليين إلى محطة “ILRS”، التي من المقرر إنشاؤها في القطب الجنوبي. وقد انضمت روسيا إلى هذا البرنامج عام 2021.
من جهتها، تبدو الهند مرشحاً جاداً آخر لإنجاز مهمة القمر، رغم الإخفاقات الكبيرة، مثل مهمة “Chandrayaan-2″، حيث دُمِر المسبار في وقت هبوطه على سطح القمر. لكن رغم أن اتفاقية “أرتميس” سابقة الذكر ذات طابع متعدد الأطراف، فإنها “غير متكافئة” من وجهة نظر دول مثل الصين وروسيا وألمانيا، التي تعارضها، ولاسيما بسبب التقدم الأمريكي في استكشاف الفضاء.