أدى إعلان كل من أن ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والذي صدر في نهاية شهر يناير الماضي، عن أنهما ستزودان أوكرانيا بالدبابات القتالية الرئيسية الأكثر تقدماً في العالم، والتي يطلق عليها اسم "MBTs"، إلى إنهاء التكهنات حول هذا الأمر. فبمجرد أن أكدت واشنطن أنها سترسل دبابات "إم 1 أبرامز" "Abrams M1" إلى أوكرانيا، تلاشى تردد ألمانيا بشأن إرسال بعض دبابات "ليوبارد 2" Leopard" "2 إلى كييف، بل وشجع ذلك بعض الدول الأخرى التي تمتلك الدبابة الألمانية على حذو نفس النهج.
وبالرغم من أن التفاصيل الدقيقة للأحداث تظهر على السطح بالتدريج، إلا أنه أصبح بادياً للعيان أنه وفي خلال الأشهر المقبلة سيتلقى الأوكرانيون قوة من دبابات القتال الرئيسية عالية التقنية. حيث تشمل الوعود المبدئية لأوكرانيا إرسال: دبابات "ليوبارد 2" ألمانية الصنع، والتي سترسلها حوالي اثنتا عشرة دولة، أهمها ألمانيا وبولندا. وكذلك تشمل هذه الوعود إرسال دبابات "إم 1 أبرامز" العملاقة من الولايات المتحدة، وعدد صغير من دبابات "تشالنجر 2" من المملكة المتحدة. كما أن هناك وعود بإرسال إمدادات أخرى - قد تبدو أقل رمزية من الناحية السياسية ولكنها بالتأكيد مرحب بها إلى ساحة المعركة- كحاملات الجنود المدرعة الفرنسية، ومركبات "برادلي" القتالية ومركبات "سترايكر" المدرعة عالية السرعة ذات الثماني عجلات الأمريكية. وتعد عدة دول أوروبية أخرى بإرسال مركبات مدرعة إضافية.
ولتسليط الضوء على استعدادات الخصمين، فقد زعمت بعض التقارير الإخبارية الروسية في الأيام التي سبقت إعلان إرسال الدبابات القتالية لأوكرانيا أن روسيا قد استلمت للتو دبابات "تي-34" "T-34" من لاوس "تم منح هذا النوع من الدبابات من قبل الاتحاد السوفيتي لأول مرة لفيتنام ثم انتقل بعد ذلك إلى اللاوسيين في الثمانينيات". وتوضح هذه الأنباء أن روسيا بحاجة ماسة إلى المزيد من الدروع القتالية هي الأخرى، خاصة وأنه تم تدمير المئات من دباباتها في الخطوط الأمامية للحرب في الأشهر الأولى، ومعظم هذه الدبابات دُمّرت بالصواريخ المضادة للدبابات التي قدمها الداعمون الغربيون لأوكرانيا.
دلالات عسكرية وسياسية
لقد أنذر مشهد خسارة الدبابات الثقيلة، في كلا الجانبين، الكثير من المحللين بتفوق الأسلحة المضادة للدبابات وباقتراب زوال الدبابة. حيث يتنبأ البعض بأن ظهور تقنيات جديدة للحرب مثل: الصواريخ الموجهة، والمركبات الجوية غير المأهولة بطيار، والقوة الجبارة للأسلحة الجوية عامة، قد يُنهي بالكلية وجود الدبابات في ساحة المعركة. فإلى جانب أن الدبابات تعتبر عرضة لمجموعة من التهديدات -مثل الطائرات المقاتلة من دون طيار- فالدبابات أيضاً تعتبر بطيئة وثقيلة جداً وأقل قدرة من أن تواكب الحرب الحديثة سريعة الخطى.
ومع ذلك، فلايزال هناك فريق آخر من المحللين يدافع عن الدبابات موضحاً أنها ستستمر في أداء دور حاسم في العمليات البرية، حيث إنها توفر القوة النارية الأساسية ووسيلة التنقل والحماية للقوات البرية. فنجد أن سماكة الدرع الموجود على جسد الدبابة من الخارج يوفر مستوى من الحماية لا تستطيع أي من المركبات المدرعة الأخرى مطابقته. أي أن الدبابات توفر حماية مدرعة لا غنى عنها لوحدات المشاة مما يسمح لها بالتقدم عبر خطوط العدو، ويمكّنها أيضاً من اجتياز التضاريس الصعبة من طين وثلج ومرتفعات وعرة، مما يدعمها في العمليات الأرضية حتى في أكثر البيئات صعوبة. ومن المميزات الرئيسية الأخرى للدبابات هي تأثيرها النفسي في قوات العدو. فمجرد وجود الدبابات في ساحة المعركة يمكن أن يكون له تأثير نفسي سلبي في العدو، مما قد يحبطه ويتسبب في انسحابه أو حتى استسلامه.
لقد نفى المتحدث الروسي، دميتير بيسكوف، نقل دبابات "الناتو" إلى أوكرانيا، معلناً أنها، "ستحترق مثل كل الدبابات التي سبقتها". ولكن تظل حقيقة أن "الكرملين" حذر من أن القرار قد يؤدي إلى تصعيد، عاكسة مدى قلق الجانب الروسي بشأن وجود هذه الدبابات الحديثة في أيدي الأوكرانيين. ولكن هل يجب أن يقلق الروس حقاً؟ وكيف سيفيد المدد المحدود من دبابات القتال المتقدمة أوكرانيا؟
على المستوى السياسي، كان القرار المشترك بين برلين وواشنطن بمثابة إشارة قوية للتضامن الدولي عبر الأطلسي، وللدعم المستمر لأوكرانيا. أما على الجانب الآخر، فقد كان "الكرملين" يأمل في حدوث شقاق بين أعضاء حلف "الناتو"، وكان يتمنى أن تتراجع رغبة أعضائه في دعم أوكرانيا في حرب طويلة. وهكذا فقد جاء قرار دعم أوكرانيا بالدبابات هادماً لكل آمال الجانب الروسي. ويتوقع المحللون أنه إذا كان هناك أي جديد في هذه الحرب، فاحتمال فتح الباب لوصول أسلحة متطورة أخرى إلى كييف، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، هو الاحتمال الأرجح. فبالتأكيد وصول الدبابات سيستدعي على الفور توفير المزيد من الطائرات المقاتلة في الأجواء لحماية المقاتلات على الأرض. وقد حذر جيمس ستافريديس، القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي، في تعليقه الأخير، عقب قرار إرسال دبابات "إم 1 أبرامز" و"ليوبارد 2" لأوكرانيا، قائلًا: "لا أستطيع أن أتخيل كيفية عمل تلك القوة المدرعة بدون غطاء جوي كافٍ".
ولكن ماذا عن القدرات القتالية في ساحة المعركة؟ لا يعتقد "الكرملين" أن دبابات "الناتو" ستغير من مسار الأحداث في المعركة. ولكن على صعيد آخر، يرى بعض المحللين العسكريين أن الافتقار إلى العتاد المناسب كان أحد الأسباب الرئيسية وراء توقف هجمات كييف في صيف العام الماضي. وأن الإسهام في إمداد أوكرانيا بالدبابات، حتى وإن لم يساعدها في الهجوم على روسيا، فعلى الأقل سيساعدها في الدفاع عن نفسها وفي استيعاب الهجوم الروسي المستمر عليها بالمجندين. وهكذا فتوفر الدبابات في الجانب الأوكراني، وإن لم يقض على الجانب الروسي، فإنه سيقلل من التحديات الشاقة التي يواجهها الأوكرانيون في ساحة القتال.
حدود التوظيف الميداني
تعد الدبابتان "إم 1 أبرامز" و"ليوبارد 2" من الدبابات الأكثر تطوراً في العالم. وبالتالي، فالتدريب على استخدام مثل هذا النوع من الدبابات، وعلى "إم 1 أبرامز" على وجه الخصوص، سيمثل مشقة كبيرة للطواقم الأوكرانية التي ستعمل عليها، وللمشرفين على صيانتها، وللقائمين بالأعمال "اللوجستية" الخاصة بها كذلك. فعلى سبيل المثال، فإن برج ومحرك "إم 1 أبرامز" لا يسمحان بأي مساحة من الخطأ من قبل الطاقم الذي يعمل على الدبابة. حتى إن مارك هيرتلنج، وهو جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي يتمتع بخبرة واسعة في مجال آلات القتال، قد صرّح في تغريدة له قائلاً: "تتطلب إم 1 أبرامز تدريباً شاقاً لاستخدام البرج بنسبة أكبر من أي دبابة غربية حديثة أخرى. كما أن محركها والذي يعمل بالطاقة التوربينية يمكن أن يخفق أيضاً أو ينفجر بالكلية إذا لم يتم تدريب الطاقم بشكل صحيح على كيفية قيادتها".
لا تكون الإصلاحات الميدانية دائماً ممكنة وبخاصة مع آلات متطورة ومعقدة مثل دبابتي "إم 1 أبرامز" و"ليوبارد 2". ويعود جزء كبير من مدى فعالية مثل هذه الدبابات القتالية في ساحة المعركة إلى الأنظمة الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر المتطورة التي توجد بها. أما فيما يخص صيانة مثل هذا النوع من الدبابات المقاتلة، وإصلاحها، وتوريد قطع الغيار الخاصة بها، فإنه يحتاج إلى بنية تحتية هائلة ومهارة عظيمة لأطقم العمل.
علاوة على ذلك، فإن كتائب الخطوط الأمامية لن تمتلك المهارة الكافية لإصلاح نظم الضوء المعطلة في دبابة مثل "إم 1 أبرامز" على سبيل المثال. فالتعامل معها يستوجب سحب الأنظمة الفرعية بالكامل من الدبابة وإرسالها إلى قاعدة متخصصة لإجراء الإصلاحات المطلوبة. وفي غضون ذلك وإلى أن تتم الإصلاحات المطلوبة، فيجب تسليم وتركيب الأنظمة الفرعية البديلة. وعلى الرغم من أن مسؤولي الدفاع الأمريكيين على دراية بكل هذه التحديات إلا أنهم مقتنعون بأن دبابات "إم 1 أبرامز" لا تزال تستحق العناء. وقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، قائلاً: "لقد ضغطنا بشدة لتحويل هذه المساعدات إلى عمليات تشغيلية وتنفيذية متكاملة. ويشمل هذا كل خطوة بدءاً من المنح، إلى التدريب، إلى الصيانة، ومن ثم إلى الاستدامة".
وبمقارنة دبابتي "ليوبارد 2" و"إم 1 أبرامز"، نجد أن "ليوبارد 2" تمثل عبئاً أقل على مستخدميها. فقد تم تصميم الدبابة الألمانية الصنع ليتم صيانتها من قبل جيوش المجندين، مثل الجيش الأوكراني، وتم تطويعها لتستخدم أنواع الوقود المتوفرة والذخيرة الأساسية التي يمكن الوصول إليها بسهولة. أضف إلى ذلك أن درع هذه الدبابة الألمانية ليس سراً خاضعاً لحراسة مشددة، وبالتالي يمكن إرسال أعداد كبيرة منها إلى أوكرانيا مباشرة بدلاً من إنتاج نموذج جديد لاستخدامه بالخارج. علاوة على ذلك، هناك الكثير من الجيوش في جميع أنحاء أوروبا تقوم باستخدم دبابة "ليوبارد 2"، مما يعني توفر المزيد من قطع الغيار.
وكما هو الحال مع دبابة "إم 1 أبرامز" الأمريكية، فإن أنظمة دبابة "ليوبارد 2" الأمانية تتطلب إتقانها واستخدامها بفعالية للحفاظ عليها. ونجد أن القوات الأوكرانية ستتلقى مزيجاً مختلفاً من نماذج الدبابات، كـ"ليوبارد 2A6s" الألمانية، و"ليوبارد 2A4s" البولندية والنرويجية. وكل نموذج من هذه الدبابات له متطلبات "لوجستية" مختلفة عن الآخر. ومع ذلك، فإن تشغيل أنواع غير متطابقة من الأسلحة هو شيء أظهر الأوكرانيون أنهم يستطيعون التعامل معه والقيام به.
ويلاحظ أحد محللي الدفاع مسألة أخرى، ألا وهي الوزن. فقد كتب ديفيد آكس موضحاً: "جميع طرازات ليوبارد 2 ثقيلة –حيث تزن الدبابة الواحدة حوالي 70 طناً أو نحو ذلك- وتعتبر هذه مشكلة في المناطق الريفية في أوكرانيا حيث قد تكون الطرق والجسور هناك ضعيفة للغاية ولن تتحمل مركبات بهذه الضخامة".
دعم الدفاع وليس الهجوم
بالنظر إلى مجموعة الحقائق التي تم ذكرها، يتبين أنه من المرجح أن يتم استخدام دبابات "إم 1 أبرامز" و"ليوبارد 2"، عقب إرسالها إلى أوكرانيا، في دور دفاعي بالمقام الأول؛ حيث يتطلب استخدام الدبابات في دور هجومي توفر شرط أكثر صعوبة وهو وجود خط إمداد آمن للحفاظ على قدرات الدبابات التشغيلية. ومهمة هذا الخط الآمن تكون بالعادة هي توفير الوقود والذخيرة وأعمال الصيانة، فضلاً عن القدرة على إخلاء الخزانات التالفة أو المعطلة. ولذا فيعد وجود مثل خط الإمداد الآمن هذا ضرورة في حالة أوكرانيا لمواصلة الهجوم، ولضمان بقاء الدبابات قيد التشغيل، ولتوفير الدعم المستمر للوحدات الأخرى كذلك. وبناءً عليه، فمن المحتمل أن تؤدي مثل هذه المتطلبات الكثيرة إلى توسيع مدى عمل القوات الأوكرانية بما يتجاوز ما يمكنها إنجازه.
على الرغم من أن التصور الشائع عن الدبابات هو أنها آلات حربية مهمتها هي تعقب جيوش الأعداء والانطلاق عبر السهول الأوروبية في هجمات خاطفة، أي أن دورها بالأساس هو دور هجومي، إلا أن الدبابات تعتبر مفيدة للغاية في أداء دور دفاعي أيضاً بسبب عدة عوامل منها أن سمك درع دبابات القتال الرئيسية يوفر مستوى من الحماية لا تستطيع أي من المركبات الأخرى مطابقته. حيث يسمح هذا الدرع للدبابات بامتصاص كمية كبيرة من نيران العدو، مما يجعلها مثالية للثبات على الأرض واتخاذ مواقع دفاعية. ومنها كذلك تجهيز هذه الدبابات القتالية بأسلحة مختلفة، مثل المدافع والرشاشات الآلية، التي توفر دفاعاً هائلاً ضد مشاة العدو ومركباته. وهكذا يجعل هذا المزيج من الدروع والقوة النارية من هذه الدبابات القتالية منصة مثالية للدفاع عن النقاط الاستراتيجية في ساحة المعركة.
قواعد اللعبة لم تتغير
تعتبر دبابات القتال الغربية متطورة من الناحية التكنولوجية ولديها سجل حافل في الحروب الحديثة، ولذا فيمكنها أن توفر لأوكرانيا ميزة عسكرية كبيرة في ساحة المعركة. فيمكن للدروع الفولاذية المتينة، والقوة النارية الهائلة لهذه الدبابات أن تساعد في صد الهجمات الروسية المتجددة في الربيع المقبل. وتشير بعض التقارير إلى أن موسكو في الغالب تستعد لشن هجوم على منطقة لوهانسك بشرق أوكرانيا، ومن المتوقع أن يشهد هذا الهجوم تركيزاً على القوات الروسية التقليدية المركزة التي سترسل إلى هذه الجبهة.
ولكن لا يزال من المهم النظر في القيود والتحديات التي ستواجه دمج هذه الدبابات في الجيش الأوكراني. فأولاً، هناك مسألة التكامل والتدريب، حيث ستحتاج أطقم جنود الدبابات الأوكرانية إلى التدريب على كيفية تشغيل وصيانة الدبابات الجديدة، الأمر الذي قد يستغرق وقتاً وموارد. وثانياً، هناك مسألة "اللوجستيات" والإمداد، حيث ستحتاج أوكرانيا إلى ضمان توفر خط إمداد آمن للدبابات للحفاظ على قدراتها التشغيلية. وهذا يشمل ضمان توافر الوقود والذخيرة والصيانة، والتي قد يكون توفيرها صعباً في منطقة الصراع.
علاوة على التحديات التي سيواجهها الجيش الأوكراني في دمج الدبابات الغربية في جيشه، يمكن أن يكون لاستخدام أوكرانيا للدبابات القتالية الغربية آثار سياسية ودبلوماسية أيضاً. حيث يمكن أن يُنظر إلى هذه الخطوة من قبل الجانب الروسي على أنها خطوة استفزازية، وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات بين البلدين. وقد يؤدي هذا أيضاً إلى مزيد من العدوان العسكري من قبل روسيا وبالتالي نشوب مخاطر أكبر وصراع أكثر تدميراً.
في ضوء هذه الاعتبارات، يصبح من الواضح أنه في حين أن الدبابات القتالية الغربية يمكن أن توفر لأوكرانيا ميزة عسكرية كبيرة في ساحة المعركة، إلا أنها ليست ضماناً للنجاح في مواجهة الهجوم الروسي. أضف إلى هذا أن دخول دبابات "ليوبارد 2" الخدمة مع القوات الأوكرانية قد يستغرق شهوراً لإحداث أي فرق ذي مغزى في الأرقام. أما بالنسبة لـدبابات "إم 1 أبرامز"، فقد يستغرق أمر إدراجها بالخدمة في الجيش الأوكراني أكثر من عام.
في النهاية، ستعتمد فعالية هذه الدبابات -عند وصولها- على كيفية استخدامها. ففي حين أن الدبابات القتالية الغربية قد تزود أوكرانيا بأداة قوية في دفاعها ضد الهجمات الروسية، إلا أنها لا تغير قواعد اللعبة.