مع اقتراب حلول الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 فبراير 2022، والتي صارت أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتحولها إلى حرب استنزاف طويلة الأمد لطرفي المواجهة؛ فقد بدا أن الجميع يبحث عن حلول وبدائل فورية لتعويض الخسائر البشرية والمادية الفادحة، في ظل غياب أي فرص للتفاوض، على الأقل حتى الآن، والاستعداد للتصعيد الميداني خلال الأشهر المقبلة مع اقتراب فصل الربيع وتحسن الظروف الجوية مقارنة بالشتاء.
فعلى الجانب الأوكراني، لا يكف الرئيس فولوديمير زيلينسكي عن الإلحاح في طلب أسلحة جديدة، كمية ونوعية، من الدول الغربية. ومن جانبها، لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بممارسة ضغوط هائلة على حلفائها الغربيين لتقديم الدعم العسكري لكييف، بل إنها تضغط أيضاً على حلفائها الآسيويين، مثل كوريا الجنوبية واليابان، لتعويض الخسائر الأوكرانية.
وفي السياق نفسه، كشفت واشنطن، في 20 يناير الماضي، عن أنها تعمل على إقناع 6 دول في أمريكا اللاتينية بالتخلي عن أسلحتها وأنظمتها روسية الصُنع، وإرسالها إلى كييف، في ظل تقديرات بأن الجيش الأوكراني قد لا يكون قادراً على استيعاب الأسلحة الغربية والتدرب عليها في الوقت المناسب.
وعلى الجانب الروسي، يضغط الرئيس فلاديمير بوتين على شركات الصناعات الدفاعية المحلية لزيادة وتيرة الإنتاج. وكانت وسائل إعلام غربية نقلت في وقت سابق عن مصادر استخباراتية أن موسكو قامت بشراء ملايين قذائف المدفعية والصواريخ من كوريا الشمالية وطائرات "الدرونز" من إيران.
وفي هذا السياق أيضاً، كشف تقرير نشرته صحيفة "ذا صن" البريطانية، في 27 يناير 2023، أن الرئيس بوتين يجري مفاوضات مع حكومة طالبان الأفغانية لشراء معدات عسكرية خلفتها القوات الأمريكية في أفغانستان بعد انسحابها في نهاية أغسطس 2021، مقابل تقديم مساعدات نفطية وأسلحة روسية، واعتراف دبلوماسي محتمل بحركة طالبان حكومة شرعية في أفغانستان.
مُحفزات الصفقة
تُمثل الأسلحة الأمريكية التي خلفتها واشنطن في أفغانستان وصارت في حوزة حركة طالبان، هدفاً جذاباً للعديد من الجهات، ومنها روسيا، وذلك للأسباب والدوافع التالية:
1- حاجة روسيا الماسة للأسلحة في أوكرانيا: عندما شنت روسيا حربها في أوكرانيا، كان من المخطط أن تكون "حرباً خاطفة" ((Blitzkrieg من شأنها أن تجتاح العاصمة كييف سريعاً، لكن المقاومة الشرسة للقوات الأوكرانية، والدعم الغربي لها، حولتها إلى "حرب استنزاف"، وانتهى الأمر بموسكو إلى التورط في مستنقع يكبد قواتها خسائر فادحة، وفقاً للعديد من التقديرات.
وبحسب أوكرانيا، كان لدى روسيا 900 صاروخ "إسكندر" عندما بدأت الحرب في فبراير 2022، لكنها انخفضت إلى 119 فقط في نهاية نوفمبر 2022. ووفقاً للتقديرات اليومية التي نشرتها وزارة الدفاع الأوكرانية في يناير الماضي، فقدت روسيا حتى الآن أكثر من 3100 دبابة، وأكثر من 6300 عربة مدرعة، وأكثر من 2100 مدفعية، وأكثر من 1900 طائرة بدون طيار، وما يقرب من 300 طائرة عسكرية.
وفي حين أنه لا يمكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل، فقد تم الاعتراف على نطاق واسع بأن موسكو بحاجة إلى المزيد من الأسلحة لتحقيق نصر حاسم، إذ لم تفقد روسيا عدداً هائلاً من الجنود والعتاد فحسب، بل لم تتمكن أيضاً من تصنيع أسلحة بمستويات ما قبل الحرب بسبب العقوبات المفروضة عليها، حيث تواجه موسكو نقصاً حاداً في ذخائر المدفعية.
2- حجم غنائم طالبان من الأسلحة الأمريكية: بعد الإطاحة بحركة طالبان في عام 2001، أنفقت الولايات المتحدة ما يُقدر بـ 67.59 مليار دولار على تسليح الجيش الأفغاني ودعم الحكومة آنذاك. وبين أغسطس 2005 وأغسطس 2021، زودت الولايات المتحدة قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية (ANDSF) بمعدات بإجمالي 18.6 مليار دولار.
وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة سلمت للحكومة الأفغانية 22171 عربة "همفي"، و33 طائرة هليكوبتر "بلاك هوك"، ونحو 115 شاحنة "Maxx Pros"، و634 مركبة مدرعة "M1117s"، و549118 رشاشاً، و16035 زوجاً من أجهزة الرؤية الليلية، وحوالي 8000 شاحنة، وبنادق هجومية ومسدسات، و4 طائرات نقل "C-130" للقوات الجوية الأفغانية.
وفي حين تم سحب الكثير من هذه المعدات العسكرية خلال إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، عندما تم تخفيض القوات الأمريكية في يوليو 2020 من 13 ألف جندي إلى 8600، فقد تُركت 70% من الأسلحة الأمريكية في أفغانستان، بعد انتهاء الانسحاب الأمريكي في 30 أغسطس 2021. وتُقدر قيمتها بنحو 7.12 مليار دولار.
3- اتجاه روسيا للانفتاح على طالبان: ناصبت موسكو حركة طالبان العداء بعد وصولها إلى السلطة لأول مرة في خريف عام 1996، وما زالت روسيا تعتبرها رسمياً منظمة إرهابية منذ عام 2003، لكنها تتخذ الآن وجهة نظر أكثر انفتاحاً تجاه طالبان منذ استيلائها على السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، لاسيما أن حكومة طالبان ظلت على الحياد فيما يتعلق بالصراع الأوكراني الروسي، ودعت رسمياً الجانبين إلى ضبط النفس.
وفي ظل قلق موسكو من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى قاعدة للجماعات الإرهابية وشن هجمات ضد جيرانها في آسيا الوسطى، تأتي أولوية الحكومة الروسية لضمان التفاهم مع طالبان وتأكيد أن موسكو راضية عن التعامل معها حكومة شرعية شريطة أن تقدم ضمانات أمنية لآسيا الوسطى، وأن تتعهد بمنع الهجمات الإرهابية من الأراضي الأفغانية.
4- حاجة طالبان للنفط الروسي: في الوقت الحالي، تعتبر طالبان روسيا شريكاً اقتصادياً جذاباً يمكن أن يقدم إمدادات النفط والغاز الأرخص التي يحتاجها الاقتصاد الأفغاني بشدة. ويضغط الشتاء القارس على طالبان لتأمين واردات النفط والغاز على عجل. وما يزال حوالي 70% من سكان أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة محرومين من الكهرباء، مما يجعلها سوقاً ضخمة لاستهلاك الطاقة.
وتدرس حكومة طالبان عقد صفقات مقايضة مع روسيا، حيث تعرض منتجات البلاد مقابل النفط الروسي. وتريد كابول منتجات نفطية بدلاً من الخام، لأن البلاد لا تمتلك طاقة تكرير، لكن ليس لدى أفغانستان الكثير لتقدمه في المقابل، باستثناء الفاكهة واللوز والصوف والمنتجات الزراعية الأخرى، التي لا تكفي لدفع ثمن كميات كبيرة من النفط. ومن هنا فإن بيع الأسلحة الأمريكية لروسيا قد يمثل أحد حلول طالبان لسداد قيمة النفط.
عراقيل قائمة:
أوضحت واشنطن أنه ليس لديها دليل يدعم التقارير المنشورة التي تدّعي أن موسكو طلبت المساعدة من حركة طالبان الأفغانية، فيما نفى نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية، ضياء أحمد تاكال، أن تكون طالبان تزود روسيا بالأسلحة، وذلك استناداً إلى عدة اعتبارات موضوعية تالية:
1- حاجة طالبان للأسلحة الأمريكية لتوطيد حكمها ومواجهة خصومها: بينما لا يمكن استبعاد وجود عرض من موسكو، فإن طالبان تركز على بناء قدراتها العسكرية، فهي تواجه تهديدات أمنية داخلية، لاسيما تنظيم "داعش- خراسان"، إذ تتعرض قوات طالبان لهجمات بوتيرة تكاد تكون منتظمة ضد قياداتها ومعاقلها داخل أفغانستان، في وقت تواجه فيه الحركة نفسها انقسامات داخلية، حيث يتحول أعضاؤها وقيادتها الأكثر راديكالية بولائهم نحو "داعش - خراسان".
وعلى الرغم من سيطرة حركة طالبان على أغلب المناطق الأفغانية، ما تزال مناطق جبلية خارج سيطرتها، لاسيما في شمال البلاد، وتتركز فيها جبهة المقاومة الأفغانية، بزعامة أحمد مسعود (نجل الراحل أحمد شاه مسعود)، وانضم إليها عدد من عناصر الحكومة المخلوعة ومقاتلو الجيش السابق ويتركز نشاطها في محافظتي بجلان وبنجشير.
2- عدم جدوى الأسلحة الأمريكية في أفغانستان للحرب الأوكرانية: في الواقع، قد تكون معظم الأسلحة التي تركتها واشنطن في أفغانستان غير صالحة للعمل وتدهورت بشدة بسبب نقص المشرفين المدربين، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأسلحة المُعقدة مثل طائرات الهليكوبتر أو الدبابات.
ومن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد فككت أو دمرت جزءاً كبيراً من هذه المعدات لأنها لم تعد تعمل. وربما أصبحت مجموعة من أنظمة الأسلحة التي خلفتها واشنطن وراءها عديمة الفائدة بسبب نقص الصيانة أو قطع الغيار.
ومن ناحية أخرى، قد لا تكون ترسانة طالبان ذات فائدة كبيرة للطموحات الحربية للرئيس بوتين؛ نظراً لعدم توافر العديد من الأسلحة التي قد تكون مفيدة في حرب أوكرانيا، حيث تعتمد روسيا بشكل كبير على الهجمات طويلة المدى باستخدام أسلحة غير موجهة، مثل مدافع "الهاوتزر" وصواريخ المدفعية، والتي لم تتركها واشنطن في أفغانستان.
3- عدم جدية موسكو في الاعتراف بطالبان: على الرغم من اتفاقهما التجاري المؤقت، لا يبدو أن روسيا ستعترف رسمياً بحكومة طالبان، ولعل أبرز دليل على ذلك استبعاد طالبان من قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" (SCO) في سمرقند في سبتمبر 2022. ومن غير المعروف ما إذا كانت أفغانستان ستحتفظ بوضع مراقب في هذه المنظمة، بالنظر إلى أن المجتمع الدولي لم يعترف بحركة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان. وبصرف النظر عن إصدار بيانات حول مساعدة الاقتصاد الأفغاني، فقد أبرزت مناقشات تلك القمة أن المنطقة مهتمة بشكل أكبر بأفضل السُبل لحماية نفسها من أي انتشار مُحتمل للعنف من أفغانستان.
4- تأخير الاعتراف الدولي بحكومة طالبان: ما زالت طالبان تدعو إلى الاعتراف الدولي بها حكومة شرعية في أفغانستان، وفي ظل الأزمة الاقتصادية، واستمرار الأعمال العدائية مع المنظمات المسلحة، فإن طالبان تدرك أنها بحاجة إلى إعطاء الأولوية لتدفق المساعدات والموارد إلى البلاد. وتفيد الأمم المتحدة بأن 6 ملايين أفغاني على شفا المجاعة. ومنذ استيلاء طالبان على السلطة، تقلص الاقتصاد الأفغاني بنسبة 20 إلى 30%.
ويشكل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي أهمية قصوى بالنسبة لطالبان إذا أرادت الإبقاء على سيطرتها على الحكم في أفغانستان. وفي هذا السياق، فإن إمكانية إقدام طالبان على بيع الأسلحة الأمريكية التي في حوزتها لموسكو، سوف يعرقل جهودها لنيل الاعتراف الدولي، بالنظر إلى امتلاك واشنطن مفاتيح تأهيل حكومة طالبان إقليمياً ودولياً، سياسياً واقتصادياً.
ختاماً، بعيداً عن مدى صحة التقارير المذكورة بشأن وجود مفاوضات بين روسيا وحكومة طالبان بشأن الحصول على الأسلحة الأمريكية، من عدمها، وبعيداً عن منطقية وواقعية المُحفزات والأسباب الدافعة لإمكانية حدوث ذلك؛ فإن احتمالات التوصل لصفقة فعلية بين موسكو وكابول تبدو مستبعدة، وقد تمثل هذه التسريبات حرباً نفسية لموسكو ورسالة تحذيرية لطالبان، ومحاولة غربية استباقية تستهدف إجهاض أي احتمالات لحدوث تقارب بينهما.