تداولت وسائل إعلام أمريكية وثيقة سرية تتضمن تنبؤ رئيس قيادة الحركة الجوية الأمريكية الجنرال، مايك مينيهان، باندلاع حرب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2025، وذلك بالتزامن مع تنامي التوتر بين البلدين بسبب الدعم الأمريكي لاستقلالية تايوان عن الصين.
ويكتسب التقدير السابق أهميته من منصب وخبرة كاتبه الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما يجعله مطلعاً على تطورات المشهد الإقليمي، وقادراً على قراءة التطورات العسكرية وآفاقها المستقبلية.
توتر قائم
يلاحظ أنه على الرغم من نفي المسؤولين الأمريكيين اعتمادهم التقييم السابق، فإن ذلك لا ينفي أن العلاقات بين واشنطن وبكين قد أصبح يغلب عليها الطابع الصراعي، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- تضارب التصريحات الأمريكية: نفي مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية أن تكون تقديرات مينيهان متسقة مع تقديرات الجيش الأمريكي، وهو ما يشير إلى امتلاكه لجدول زمني مختلف للصراع مع الصين، أي أن واشنطن باتت لديها قناعة بأن الصدام قادم مع بكين حول تايوان.
وفي المقابل، أكد ممثل عن القيادة الجوية الأمريكية، أن المذكرة حقيقية، وأنها تستند إلى الجهود التي تم اتخاذها في السنوات الماضية في مجال الاستعداد للنزاع مع الصين في حال فشلت محاولات منعها من ضم تايوان بالقوة.
كما صرّح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في يناير 2023، أن تصاعد الأنشطة الصينية بالقرب من مضيق تايوان يُعد مؤشراً على إمكانية وقوع غزو وشيك من قبل بكين لتايوان، هذا بالإضافة للمخاوف التي أثارها بعض قادة الجيش الأمريكي، مثل العميد بالقوات الجوية، باتريك رايدر، الذي أشار إلى أن المنافسة العسكرية مع الصين تمثل تحدياً رئيسياً، ومن الضروري أن تعمل واشنطن إلى جانب الحلفاء والشركاء للحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ سلمية وحرة ومنفتحة.
2- استمرار مسار التصعيد: توترت العلاقات الأمريكية الصينية في الآونة الأخيرة منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، في أغسطس 2022، وما صاحبها من مناورات وتدريبات عسكرية صينية في محيط تايوان وبحر الصين الجنوبي.
ومن جهة أخرى، أجرى وفد يضم بعض المسؤولين العسكريين السابقين الأمريكيين زيارة لتايوان مطلع فبراير 2023، إذ سيجتمع مع الرئيسة التايوانية، تساي إنغ ون، وكبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع الوطني ووزارة الشؤون الاقتصادية التايوانية. ومن المقرر أن يزور الوفد بعض المنظمات التايوانية، مثل معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطني ومؤسسة تايوان للديمقراطية، لتبادل وجهات النظر حول قضايا الأمن الإقليمي، وهو ما يكشف عن استمرار واشنطن في إيصال رسائل تصعيد للجانب الصيني.
3- إخفاق مساعي التهدئة: جرت محاولات بعد لقاء الرئيسين بايدن وشي على هامش قمة العشرين في نوفمبر 2022، لتهدئة التوتر في العلاقات بين الجانبين، إذ تمت استعادة قنوات الاتصال بينهما، وعُقدت لقاءات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية بين مسؤولي البلدين، وآخرها لقاء وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، مع نائب رئيس الوزراء الصيني في سويسرا على هامش منتدى دافوس الاقتصادي، في يناير 2023، غير أن هذه الجهود لم تنجح في حلحلة القضايا الخلافية بين الجانبين.
ومن جانب آخر، تستمر واشنطن في تبني سياسات معادية بشكل واضح للصين، كما في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي تنظر للصين باعتبارها المنافس الأوحد للولايات المتحدة، وأن الصين تمثل تهديداً لأنها تسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً وتكنولوجياً. ويضاف إلى ما سبق، إقرار قانون الإنفاق الدفاعي الأمريكي مبيعات أسلحة تصل إلى 10 مليارات دولار لتايوان.
كما ألغى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، زيارته التي كانت مقررة إلى الصين، في 6 فبراير 2023، وذلك على خلفية اتهام واشنطن للصين بإرسال منطاد تجسس إلى الأراضي الأمريكية، وهي كلها مؤشرات على أن التوتر بات هو الحاكم للعلاقات بين الجانبين.
4- صراع شي وبايدن: تولى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، رئاسة الحزب الشيوعي للفترة الثالثة على التوالي في عام 2022، وتمكن من إحكام سيطرته على الحزب الشيوعي. كما قام بتعيين مجلس حربه في أكتوبر 2022. وأكد شي خلال مؤتمر الحزب توجهات بلاده إزاء تايوان باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من التراب الوطني الصيني، وذلك رداً على السياسات الأمريكية الداعمة لانفصال الجزيرة عن بكين.
وفي المقابل، تشهد السياسة الأمريكية تجاه تايوان تحولات واضحة خلال عهد الرئيس جو بايدن، إذ أنه تخلى عن سياسة "الغموض الاستراتيجي"، والتي حكمت السياسة الأمريكية تجاه تايوان على مدار العقود الماضية، والتي كانت تدل على غموض موقف واشنطن بشأن رد فعلها تجاه قيام الصين باجتياح تايوان عسكرياً. وبات بايدن يتبنى سياسة الوضوح الاستراتيجي، إذ أنه على الرغم من إعلان تمسكه بسياسة الصين الواحدة ظاهرياً، فإنه في الواقع العملي، يدعم استقلالية تايوان عنها، إذ سبق أن صرّح بايدن في أربع مناسبات مختلفة أنه سيأمر الجيش الأمريكي بالتدخل إذا هاجمت الصين تايوان.
الطريق إلى الحرب
ترافق مع تصاعد التوتر الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين تعدد المؤشرات على استعداد البلدين للمواجهة العسكرية القادمة، وذلك على النحو التالي:
1- تعدد التلميحات الأمريكية بالحرب: سبق أن حدد العديد من القادة العسكريين الأمريكيين توقيتات زمنية تقريبية للعمل العسكري الصيني المحتمل ضد تايوان على مدى العامين الماضيين. ففي مارس 2021، قال رئيس القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ الأدميرال، فيليب ديفيدسون، إن الصين يمكن أن تهاجم تايوان بحلول عام 2027. وفي أكتوبر 2022، قال قائد البحرية الأمريكية الأدميرال، مايكل جيلداي، إن البنتاغون يجب أن يكون مستعداً لعمل عسكري في أي وقت.
2- إقامة 4 قواعد في الفلبين: أعلنت الولايات المتحدة والفلبين أنهما أبرمتا اتفاقاً يسمح للجنود الأمريكيين باستخدام 4 قواعد إضافية لديها، ليرتفع عدد القواعد الأمريكية في الفلبين إلى حوالي 9 قواعد، وهو ما يأتي في إطار السياسات الأمريكية الرامية إلى الاستعداد لأي حرب محتملة مع تايوان، كما أن واشنطن تهدف من هذه القواعد إلى مراقبة التحركات الصينية العسكرية في بحر الصين الجنوبي.
ويلاحظ أن ذلك الاتفاق جاء في إطار اتفاق التعاون الدفاعي المعزز الموقع في 2014، والذي يسمح للقوات الأمريكية بالوجود في 5 قواعد فلبينية، بما فيها تلك القريبة من مياه متنازع عليها. كما يسمح للجيش الأمريكي بتخزين المعدات والإمدادات الدفاعية في تلك القواعد.
وأثارت هذه الخطوة غضب الصين، وأكدت أنها سوف تزيد التوتر في المنطقة، وتهدد الاستقرار والسلام الإقليمي، وفقاً للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في 2 فبراير، وتكشف هذه الاستعدادات العسكرية الأمريكية أن واشنطن تتحرك لتمهيد مسرح العمليات في جنوب شرق آسيا لأي صراع عسكري قادم مع الصين.
3- بناء اليابان قاعدة عسكرية: أعلنت وزارة الدفاع اليابانية في يناير 2023، أنها سوف تشرع في بناء قاعدة جديدة في جزيرة ميج في كاجوشيما، حيث ستقوم الوزارة أولاً ببناء مدرجات ومرافق تخزين الذخيرة، وسيمهد المشروع الطريق لنقل موقع تدريب المُقاتلات الأمريكية من جزيرة إيووتو في المُحيط الهادئ، على بُعد حوالي 1250 كيلومتراً جنوب طوكيو إلى القاعدة الجديدة.
كما أن القاعدة الجديدة ستكون "لا غنى عنها" لحاملات الطائرات الأمريكية للعمل باستمرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وعلقت اليابان على القاعدة بالقول إنها تأتي في وقت تتسم فيه البيئة الأمنية بأنها الأشد تعقيداً في حقبة ما بعد الحرب الباردة، في إشارة إلى تنامي قدرات الجيش الصيني، واتجاه الولايات المتحدة إلى تحجيم تهديداته، بما يحمله ذلك من تنامي التوتر في جنوب شرق آسيا.
4- الكشف عن "بنية القوة 2030": كشف سلاح المشاه البحرية الأمريكي، في منتصف العام الماضي، عن خطة جديدة عرفت باسم "بنية القوة 2030"، تهدف إلى تطوير قوات المشاة لتعزيز استعدادها لسيناريو اندلاع مواجهة محتملة مع الصين، وهي الخطة التي أثارت انتقاداً كبيراً حتى فبراير 2023، وذلك بسبب اتجاهها إلى التخلص من كل الدبابات التي بحوزة قوات المشاة، فضلاً عن تخفيض عدد كتائبها، بالإضافة إلى استبدال حوالي ثلاثة أرباع بطاريات المدفعية المقطورة بأنظمة صاروخية بعيدة المدى، وكذلك تخفيض عدد أسراب طائرات الهليكوبتر.
وفي المقابل، سوف يتم تسليح هذه القوات بصواريخ جديدة مضادة للسفن يمكن إطلاقها من البر، وأنظمة جوية جديدة من دون طيار. ويرى المخططون العسكريون الأمريكيون أن هذه الخطط مستمدة من الدروس والعبر التي توفرها الحرب الروسية الأوكرانية.
وبغض النظر عن الجدل الذي أثارته الخطة داخل واشنطن، فإن الهدف النهائي من الخطة هو نشر هذه القوات في سلسلة الجزر المحيطة بالصين، وذلك استعداداً لأي حرب قادمة معها، كما تقوم قوات المشاة الأمريكية بالتدرب على هذا السيناريو في جزر أوكيناوا اليابانية بالقرب من تايوان. ويكشف ذلك أنه بات من الواضح أن واشنطن تستعد للحرب القادمة مع الصين حول تايوان.
5- تأكيد الصين قوتها الفرط صوتية: أكد جيش التحرير الشعبي الصيني، لأول مرة في 30 يناير 2023، القدرات الرئيسية لصاروخه البالستي المضاد للسفن "واي جيه – 21" (YJ-21) الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، في مقال نشره حساب مرتبط بجيش التحرير الشعبي على موقع المدونات "ويبو" الذي تسيطر عليه الصين، إذ تم تأكيد أن الصاروخ، الذي يشار إليه محلياً أيضاً باسم "ضربة الصقر 21" (Eagle Strike-21)، تبلغ سرعته القصوى 10 ماخ.
كما أكدت المقالة أن الصاروخ الصيني لا يمكن هزيمته بأي نظام دفاع جوي مستخدم على السفن الحربية، في تأكيد أن الصين بات بإمكانها تطبيق استراتيجية "المنع من الدخول والحرمان من الوصول" للسفن المعادية لها حول تايوان، وذلك في حالة استخدام هذا الصاروخ ضد أي سفن أجنبية تسعى لتقديم الدعم العسكري للجزيرة، في رسالة تهديد مبطنة إلى الولايات المتحدة.
وفي التقدير، يمكن القول إن الحرب الباردة الأمريكية الصينية قد بدأت في جنوب شرق آسيا، وأنها مرشحة للانتقال في أي لحظة إلى مواجهة عسكرية في ظل المؤشرات على استمرار الدعم الأمريكي لتايوان، الأمر الذي يجعل التقديرات الأمريكية الأخيرة تتمايز عن سابقاتها بسبب تقديمها لموعد الحرب الأمريكية الصينية، وملابسات السياق الراهن الذي يتسم بالتصعيد العسكري من جانب واشنطن وبكين.