طرح زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، في 8 أبريل، مبادرة من 9 نقاط لإنهاء أزمة تشكيل الحكومة العراقية. وتمثلت أبرز بنودها في جلوس كافة الأطراف على طاولة المفاوضات لمناقشة الأزمة الحالية، وتسمية الكتلة الأكبر من القوى الممثلة للمكون الاجتماعي الأكبر، في إشارة للطائفة الشيعية، بالإضافة إلى حسم موضوع الرئاسات الثلاث عبر تفاهم أبناء كل مكون فيما بينهم.
صيغة الحكيم التوافقية:
تمثل مبادرة الحكيم صيغة معدلة من حكومة التوافق، التي كان يسعى التنسيقي لفرضها على الصدر، على الرغم من تراجع وزن الأول في انتخابات أكتوبر 2021، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1- إشراك أطراف من التنسيقي: تمثل مبادرة الحكيم تنازلاً محدوداً من جانب قوى الإطار التنسيقي، إذ إنها تسلم بأحقية الصدر بتشكيل حكومة أغلبية مع إعطاء تطمينات للمعارضة، ممثلة في التنسيقي، وذلك عبر حضور غير معلن لهم في حكومة الأغلبية، أي أن يشترك بعض قادة التنسيقي في فريق الأغلبية ممثلاً لهم وضامناً لنفوذهم في السلطة التنفيذية.
2- التوافق حول رئيس الوزراء: يصر التنسيقي على أن يلعب دوراً في اختيار رئيس الوزراء، وذلك عبر التشاور حوله داخل المكون الشيعي، بما يكفل استمرار لنفوذهم في العملية السياسية، وبالتبعية استمرار النفوذ الإيراني داخل العراق. ويعني ذلك استمرار دور قوى الإطار التنسيقي في المشاركة في إدارة العملية السياسية على الرغم من هزيمتهم في الانتخابات البرلمانية.
3- الحفاظ على التوافق: تنص مبادرة الحكيم كذلك على ضرورة اتفاق الأغلبية الحاكمة والمعارضة على التشاور الدائم والتداول الدوري حول القضايا الأساسية في البلاد للخروج بقرارات وطنية واجتماعية في القضايا المصيرية والقوانين المعطلة.
وبالتالي، فإن ما تحدثت عنه المبادرة بصيغة عمومية حول التشاور حول مسار عمل الحكومة القادمة سوف يمثل قيد أساسي على عملها، فالمقصود هنا هو محاصرة توجه كتلة الأغلبية لدعم الحكومة المركزية ودمج الميليشيات ومحاربة النفوذ الأجنبي، وتحديداً النفوذ الإيراني، وهي قضايا تعارضها قوى الإطار التنسيقي.
ملاحظات أساسية:
تعكس مبادرة الحكيم عدداً من الملاحظات الأساسية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- الإقرار بتراجع وزن التنسيقي: تمثل مبادرة الحكيم محاولة للبحث عن حل لأزمة الإطار التنسيقي الشيعي مع السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، وذلك بعد أن أحرجها عرضه بأن يقوم التنسيقي بتشكيل حكومة أغلبية تستبعده هو وحلفائها. ويدرك الصدر جيداً عدم قدرة قوى الإطار على تحقيق ذلك، وبالتالي تحميلها مسؤولية الانسداد الحالي وتعقيد الأزمة العراقية، خاصة أن الصدر لايزال يرفض الدخول معها في تحالف واسع لتشكيل حكومة توافقية.
وعلى الرغم من أن هذه المبادرة ليست جديدة، وسبق وأن أعلنها الحكيم منذ عدة أشهر ولكن بصيغة أكثر عمومية، ولم تلق التجاوب المطلوب من الطرفين وقتها، ولكنه أعاد صياغتها بما يعني التسليم بثقل وهيمنة جبهة الأغلبية، والإقرار بحجم قوى الإطار التنسيقي في مواجهتها، وهو ما قد يزيد من فرص قبولها.
2- الحفاظ على النظام الطائفي: تستميت المبادرة في الحفاظ على تماسك الكتلة الشيعية وعدم انقسامها، للتأكيد على استمرار صيغة المحاصصة، وهيكل النظام السياسي العراقي الذي تبلور منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو ما يتضح في إصرار المبادرة على أن يتم اختيار كل من الرئاسات الثلاث عبر التفاهم داخل كل طائفة، أي أن يتوافق الشيعة على شخص رئيس الوزراء، والأكراد على منصب رئيس الجمهورية.
3- ضمان النفوذ الإيراني: تهدف المبادرة إلى التأكيد على استمرار النفوذ الإيراني في العملية السياسية في العراق، وذلك عبر تمثيل بعض مكونات التنسيقي فيها، فضلاً عن تدخله في اختيار منصب رئيس الحكومة، وكذلك برنامجها، ومن ثم وضع بعض القيود على البرنامج الذي أعلن عنه الصدر، خاصة فيما يتعلق بحل سلاح الميليشيات، أو محاربة الفساد، في إشارة إلى محاكمة المسؤولين المتورطين في قضايا فساد، ممن هم محسوبين على التنسيقي.
4- التخلي عملياً عن الاتحاد الوطني: تعني مبادرة الحكيم التخلي عملياً عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إذ إن المبادرة تنص على أن يتم اختيار منصب رئيس الدولة بالتوافق بين الأكراد. ويتوقع أن يستمر الحزب الديمقراطي مصمماً على أحقيته في ترشيح ريبر أحمد لمنصب رئيس الدولة، وهو ما يعني تلاشي فرص الرئيس برهم صالح في تجديد ولايته، خاصة أن الأول يمتلك أغلبية أصوات الأكراد.
ويعني ما سبق كذلك زيادة حدة الانقسام الكردي الداخلي، بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، وهو ما سينعكس بصورة كبيرة على إدارة العملية السياسية في إقليم كردستان في شمال العراق خلال الفترة المقبلة.
5- محاولة تجنب حل البرلمان: تتمثل أحد الخيارات المطروحة أمام الصدر، والتي عبّر عنها أحد نواب "إنقاذ وطن" هو الذهاب إلى حل مجلس النواب، وإلى انتخابات مبكرة، وهو ما سوف يعني أن تستمر الحكومة الحالية في إدارة العملية السياسية، ويستمر مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء، وتبقى الأزمة العراقية قائمة لحين إجراء انتخابات جديدة.
وقد عبّر نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون عن رفضه لهذا الخيار، نظراً لإدراكه جيداً أن الشارع العراقي يناوئ القوى المرتبطة بإيران، كما أن نجاح الصدر في تشكيل أغلبية غير طائفية تستجيب لتطلعات الشارع العراقي تعني أنه سوف يتمكن من الحفاظ على موقعه في الانتخابات القادمة. ومن جانب آخر، فإن الأمر الأسوأ بالنسبة للتنسيقي وإيران، هو أن يدخل الصدر الانتخابات الجديدة بالتحالف مع ائتلاف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما يعني مأسسة واقع جديد في السياسة العراقية، وهي الائتلافات غير الطائفية، وهو ما يمثل تهديداً مؤسسياً للنفوذ الإيراني على العراق.
فرص نجاح المبادرة
تواجه مبادرة الحكيم عدداً من التحديات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1- رفض الصدر المحتمل للمبادرة: لا شك أن موقف السيد مقتدى الصدر الذي يصر على تغيير هيكل النظام السياسي العراقي من خلال تكوين كتلة أغلبية بالتحالف مع تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني لتشكيل حكومة أغلبية سوف يجد صعوبة في قبول هذه المبادرة في صيغتها الحالية، وذلك لأنها تحقق مكاسب لقوى الإطار التنسيقي، وذلك بصورة لا تعكس قدراته أو ثقله الانتخابي الذي تبلور في نتائج الانتخابات الأخيرة، وبالتالي لا يستحقها في تقديره.
كما أنها تسعى لمصادرة أو تقييد بعض البنود المهمة في برنامج الصدر الحكومي، خاصة فيما يتعلق بسلاح الميليشيات ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى أنها تهدف في النهاية لاستمرار نظام المحاصصة الطائفية، ومن ثم النفوذ الإيراني. ولا شك أن مثل هذه التنازلات قد تؤثر على شعبية الصدر في الشارع العراقي، فقد جاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة المبكرة نتيجة لرفض الشارع العراقي للنفوذ الإيراني في المقام الأول.
2- معارضة فصائل إيران المسلحة: تواجه المبادرة بالفعل معارضة من جانب الكتل المرتبطة بالفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، خاصة كتائب حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق، بالإضافة إلى هادي العامري، زعيم ائتلاف الفتح، والتي تستشعر الخطر من مواقف كتلة الأغلبية تجاهها، خاصة إصرار الصدر على مصادرة سلاح الميليشيات.
ومن جهة أخرى، فإن هناك مشكلة أخرى يواجهها التنسيقي، وهي أن الثلث المعطل يمثل عقبة فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، في حين أن انتخاب رئيس الوزراء، وكذلك تمرير أغلب القوانين يتم عبر الأغلبية البسيطة، وهو ما يعني أنه لن يكون بمقدور التنسيقي فرض قيود على الصدر، إذا ما قرر الأخير أن يستكمل توجهاته القاضية بمحاربة الفساد، أو مصادرة سلاح الميليشيات، وهو ما يدفع التنسيقي إلى رفض مبادرة الحكيم.
وفي التقدير، تكشف مجمل التطورات السابقة أن قوى الإطار التنسيقي تواجه أزمة كبيرة، إذ بات دورها ينحصر في تعطيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية، ولن يكون في مقدورها الهيمنة على العملية السياسية، كما كان الحال سابقاً، خاصة أن إصرارها على محاولة إعادة تشكيل المكون الشيعي ككتلة متماسكة أصبح أمراً مشكوكاً فيه، بسبب إصرار الكتلة الصدرية على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مع السنة والأكراد، وهو ما يعكس نوعاً من التغيير السياسي غير المسبوق في العراق.