تشهد الساحة السياسية العراقية مزيداً من التطورات على مدار الفترة الماضية، لاسيما في ظل إصدار المحكمة الاتحادية العليا قرارين، أحدهما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية، والثاني، يتعلق بعدم دستورية قانون النفط والغاز الصادر عن حكومة إقليم كردستان، وهو ما ينذر بتصاعد التوتر بين القوى السياسية، خاصة أطراف الاتفاق الثلاثي بزعامة الصدر.
تطورات جهود تشكيل الحكومة:
يمكن الإشارة إلى عدد من المستجدات التي شهدتها البيئة السياسية العراقية، في النقاط التالية:
1- عودة "ريبر أحمد" لمرشحي الرئاسة: قُدم طعن أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق حول قرار البرلمان بإعادة فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية لمدة ثلاثة أيام، بعد إغلاقه أول مرة، وفقاً للتوقيتات الدستورية المحددة بثلاثين يوماً.
وأصدرت المحكمة حكمها، في 1 مارس، والتي أكدت فيه على "عدم دستورية إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية"، غير أنها في الوقت ذاته أشارت إلى أن "إمكانية إعادة فتح باب الترشيح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية، لكن بقرار من مجلس النواب، وليس من رئاسة المجلس"، أي أنه على مجلس النواب الاجتماع بكامل نوابه من أجل اتخاذ قرار بفتح باب الترشيح، وذلك بالأغلبية البسيطة، وليست أغلبية الثلثين.
ويعني ما سبق أنه سيكون بمقدور الحزب الديمقراطي الكردستاني طرح مرشحه لرئاسة الدولة في العراق، ممثلاً في ريبر أحمد، وبذلك يكون فرص مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني قد تراجعت بشدة، ممثلاً في الرئيس الحالي برهم صالح.
2- وقوع خلافات بين بغداد وأربيل: أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، يوم 15 فبراير، حكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه، وذلك بسبب مخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية، وهو الحكم الذي رفضته حكومة إقليم كردستان العراق في 1 مارس 2022، وهو ما ينذر بتجدد الجدل حول صلاحيات المركز والأقاليم.
فقد قامت حكومة إقليم كردستان بتطوير موارد النفط والغاز بمعزل عن الحكومة الاتحادية، وسنّت في 2007 قانونها الخاص الذي أرسى التوجيهات التي سيدير الإقليم بموجبها هذه الموارد، وبصورة تخالف المنصوص عليه في الدستور العراقي. ولا شك أن هذه الأزمة قد تعتبر إحدى القضايا التي تثير خلافاً بين التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن ثم تعطل الجهود الرامية لتشكيل الحكومة العراقية.
3- تهديد ميليشيات طهران المتحالفين مع الصدر: أشارت بعض المصادر عن وصول تهديدات من فصائل مسلحة إلى بعض النواب في البرلمان، خاصة النواب المستقلين تحديداً الأكثر قرباً من التحالف الثلاثي، وذلك نظراً لنجاح الصدر خلال الفترة الأخيرة في استمالة عدد منهم وبعض الأقليات، هذا بالإضافة إلى إرسال رسائل تحذير إلى بعض مناطق القوى السنية لتهديدها بإمكانية أن تشهد تلك المناطق تصعيداً أمنياً في حال استمروا في التحالف مع التيار الصدري.
4- دخول العشائر على خط المبادرات: طرحت بعض العشائر العراقية مبادرات لحلحلة الجمود السياسي، فقد أعلن "الإطار التنسيقي" عن تلقيه مبادرة من شيوخ العشائر العراقية، في 16 فبراير الجاري، تدعو جميع القوى السياسية لوضع حلول عملية للخروج من الأزمة الحالية.
ويمكن الإشارة إلى أن هذه المبادرة ليست الأولى منذ جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ونائبيه، حيث سبقها طرح الإطار التنسيقي لمبادرة أخرى في 9 فبراير، وفي نهاية يناير الماضي أعلن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني عن مبادرة أخري برعاية إيرانية، إلا أن كل هذه المبادرات لم تفض إلى نتائج ملموسة تجاه الأزمة السياسية الحالية، بسبب تشبث الإطار التنسيقي بمطالبه، وفرض نفسه على الحكومة العراقية بشروطه.
استمرار التحالفات القائمة:
لم تؤثر التطورات سالفة الذكر على التحالفات الراهنة، وذلك على الرغم من الضغوط التي بذلها الإطار التنسيقي لفرض نفسه على حكومة الصدر، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- الاتفاق على مرشح الديمقراطي الكردستاني: زار السيد مقتدى الصدري، رئيس التيار الصدري بغداد في 25 فبراير، حيث اجتمع مع الهيئة السياسية للتيار الصدري في 25 فبراير، وطلب منهم دعم مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبر أحمد.
وبذلك يكون الصدر قد حافظ على اتفاقه مع الديمقراطي الكردستاني، والذي يقضي بدعم الصدر مرشح الحزب الديموقراطي الكردستاني للرئاسة، في مقابل دعم مرشح التيار الصدري لمنصب رئاسة الحكومة.
2- استمرار احتفاظ الصدر بالأغلبية: أكد التيار الصدري على استمرار حرصه على تشكيل حكومة أغلبية، محافظاً بذلك على تحالفه مع السيادة السنّي، بزعامة خميس خنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني.
وتشير التقديرات الحالية إلى أن الأطراف الثلاثة يمتلكون حوالي 180 مقعداً، كما أن الصدر بدأ في التفاوض مع المستقلين لضمهم إلى التحالف الثلاثي، وكذلك ممثلي الأقليات في البرلمان العراقي، الأمر الذي يمنحهم، وفقاً للتقديرات المبدئية، نحو 200 مقعد من أصل حوالي 329 مقعداً، وهو ما يقل عن امتلاك أغلبية الثلثين في البرلمان العراقي بنحو عشرة مقاعد فقط.
3- انتهاج الإطار التنسيقي مسارين أساسيين: سعى الإطار التنسيقي إلى تشكيل تحالف موسع يضم قوى الإطار التنسيقي، فضلاً عن بعض القوي السنية والكردية، لتشكيل تحالف يملك ثقلاً فاعلاً في البرلمان، حيث أعلن القيادي في الإطار النائب، عارف الحمامي، بأن التحالف المرتقب سيحمل مبدئياً اسم "الثبات الوطني".
وأشارت شخصيات في التنسيقي أن الاتحاد الوطني الكردستاني سوف يكون طرفاً في هذا الاتفاق، غير أن الأخير نفى هذه الأخبار، مؤكداً أنه على مسافة واحدة من الأطراف، وأنه لايزال يسعى للتفاهم مع التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما يكشف أن كل المحاولات الإعلامية التي يبذلها التنسيقي لتأكيد أنه يمتلك الثلث المعطل تصبح مسار شك كبير، خاصة أن الثلث المعطل يحتاج إلى الوصول إلى 110 مقاعد، في حين أن عدد أعضاء التنسيقي لا يزيد على 54 مقعداً. وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يسعى فيها التنسيقي للترويج لامتلاكه عدداً من المقاعد يفوق عدد المقاعد التي يملكها فعلاً.
وفي المقابل، يسير التنسيقي في مسار موازٍ، وهو التأكيد على ضرورة انضمامه إلى الصدر لتشكيل الأغلبية، وهو ما أكده عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، أحد مكونات التنسيقي، والذي أكد ضرورة عودة الصدر للبيت الشيعي، وتكوين الكتلة الأكبر. ويستند التنسيقي في ذلك إلى الضغوط التي تبذلها إيران.
وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية، والتي أربك بعضها المشهد الحالي، فإن الاصطفافات الحزبية لم تختلف كثيراً، خاصة مع إصرار الصدر على تشكيل حكومة الأغلبية. وفي المقابل، فإن تأجيل حسم اختيار مرشح رئاسة الجمهورية قد يدفع الحزبين الكرديين للتوافق على مرشح توافقي، خاصة في ظل حرص الاتحاد الوطني على المشاركة في الحكومة القادمة. أما الإطار التنسيقي، فإنه يستمر في توظيف الضغوط الإيرانية لفرض نفسه على الحكومة العراقية، خاصة أن كل المؤشرات الحالية تؤكد أنه لا يمتلك الثلث المعطل في البرلمان العراقي.