أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

استهداف متصاعد:

دلالات تصعيد الفصائل العراقية لهجماتها ضد القوات الأمريكية

16 يناير، 2022


نفذت فصائل الحشد الشعبي التابعة لإيران، بين 3 و7 يناير 2022، خمس هجمات داخل العراق استهدفت الوجود الأمريكي في مطار بغداد وقاعدة عين الأسد الجوية بصواريخ غير موجهة وطائرات مسيرة. كما استخدمت فصائل المقاومة نفسها، بشكل منفصل، الصواريخ والطائرات المسيرة لاستهداف القاعدة الأمريكية في القرية الخضراء في شرق سوريا في 5 يناير، كما هاجمت الوجود الأمريكي في حقل العمر النفطي في مناسبات متعددة في يناير، وهي الهجمات التي لم تترتب عليها أي خسائر مادية أو بشرية في صفوف القوات الأمريكية. 

هجمات متتالية:

تورطت الفصائل العراقية، الموالية لإيران، وتحديداً حركة "النجباء " الشيعية، و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" العراقي في التصعيد الأخير ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق، وذلك على النحو التالي:

1- استهداف الوجود الأمريكي في سوريا: شهدت قاعدتا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في حقل "العمر" النفطي ومعمل غاز "كونيكو" استهدافاً صاروخياً متواتراً في أيام 3 و5 و7 يناير 2022. وجاء الهجوم الأخير على القاعدة عقب استهدف طيران التحالف الأمريكي مقرات عسكرية لبعض الفصائل الإيرانية في بلدات العشارة والميادين غرب نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي، والتي أسفرت عن مقتل القيادي بالحرس الثوري "حاج عباس" في بادية الميادين بريف دير الزور. ويشار إلى أن حاج عباس، هو مسؤول سابق عن فصائل إيران في بادية البوكمال، كما أنه كان مقرباً من "الحاج عسكر" مسؤول الحرس الثوري في محافظة دير الزور.

2- تصعيد مماثل في العراق: تزامنت الهجمات في سوريا مع تصعيد مماثل في العراق. ففي 4 و5 يناير، تم استهداف قاعدة عين الأسد العسكرية العراقية الواقعة في غرب البلاد، والتي تضم قوات استشارية للتحالف الدولي بهجمات بالطائرات المسيرة وضربات صاروخية، على التوالي، كما تم استهداف الوجود الأمريكي في مطار بغداد بطائرتين مسيرتين كذلك. 

وفي المقابل أكد قائد بحرية الحرس الثوري الإيراني، علي تنغسيري، مسؤولية إيران عن استهداف قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقية، في تحدٍ مباشر للولايات المتحدة، ولكنها تعكس في الوقت نفسه رغبة الأخير في التغطية على إخفاق أي من الهجمات السابقة في إنزال خسائر مادية، أو بشرية بالوجود الأمريكي في العراق أو سوريا. 

3- تهديد الوجود الأمريكي: تزامن الاستهداف الإيراني للقاعدة الأمريكية مع الذكرى الثانية لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق في 3 يناير، وهو ما إلى اتجاه إيران لتوظيف الميليشيات الموالية لها لتهديد الوجود الأمريكي في المنطقة، وصولاً إلى إلحاق خسائر بها. 

وعلى الرغم من تزامن هذه الهجمات مع مباحثات فيينا، فإن طهران ترسل رسالة لواشنطن مفاداها أن التوصل لاتفاق حول برنامجها النووي لن يجعل إيران تتراجع عن تنفيذ أجندتها الرامية إلى الانتقام لمقتل سليماني، أو إخراج القوات الأمريكية في المنطقة. 

4- اختبار نظم الدفاع الجوي الأمريكية الجديدة: يلاحظ أنه الجيش الأمريكي قد تمكن من صد أغلب الهجمات الأخيرة ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، ويرتبط ذلك بكفاءة نظم الدفاع الأمريكية المستخدمة، فضلاً عن كون أحد أهداف الهجمات الإيرانية هو التحقق من مدى فاعلية دفاعات الولايات المتحدة وقدرتها على اعتراض الطائرات المسيرة والقذائف الإيرانية.

ردود الأفعال الأمريكية:

اتجهت الإدراة الامريكة للرد على الهجمات التي تعرضت لها عبر اتخاذ السياسات التالية:

1- تبني واشنطن تدابير دفاعية: تمكنت منظومات الدفاع الجوي الأمريكية من طراز "سي رام"، المضادة لصواريخ الهاون والطائرات المسيرة، والمنشورة في عدد من القوات الأمريكية في العراق من اعتراض أغلب الهجمات التابعة لميليشيات إيران، كما نشرت واشنطن منظومات "كايوت" عالية التقنية لرصد أية تحركات معادية أو أية استعدادات لمهاجمة هذه المواقع العراقية، وهو ما مكنّها من ضرب مواقع، كانت الميليشيات تقيمها لشنّ الهجمات ضد القوات الأمريكية. 

ويلاحظ أن الولايات المتحدة استخدمت أساليب مماثلة في سوريا، فقد قامت قواتها بتوجيه ضربات استباقية ضد موقع حول القرية الخضراء كان يجري الإعداد فيه لتنفيذ هجوم صاروخي على القوات الأمريكية في سوريا. 

2- تعزيز واشنطن وجودها العسكري في سوريا: اتجهت الولايات المتحدة لتأكيد بقاء قواتها في سوريا، فقد دشنت القوات الأمريكية المتمركزة في مناطق سيطرة أكرد سوريا، مصفاة نفط ومستلزمات التكرير في حقل رميلان النفطي، لاستخداماتها العسكرية، في مطلع يناير 2022، وكشفت مصادر أن قدرة المصفاة 100 ألف برميل شهرياً، وأن القوات الأمريكية ستستخدم النفط المكرر من المصفاة المذكورة لاستخداماتها العسكرية في المنطقة. ولا يزال هناك نحو 900 جندي أمريكي منتشرين في شمال شرق سوريا وفي قاعدة التنف الواقعة قرب الحدود الأردنية والعراقية.

3- تراجع واشنطن عن الانسحاب من العراق: كان من المنتظر أن يتقلّص عدد الجنود الأميركيين في العراق مع نهاية العام 2021 إلى ما دون 1000 جندي، غير أن المتحدث باسم البنتاجون جون كيربي كشف في 4 يناير، أن الأميركيين لا يزالون يحتفظون بـ 2500 جندي على الأراضي العراقية. كما أكد كيربي أن القادة العسكريين لديهم مطلق الصلاحية لاستعمال إمكانياتهم في الدفاع عن الجنود والمواقع التي ينتشرون فيها، وهو ما يؤشر إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بالقدرة على الرد على أي هجمات يتعرض لها جنودها في العراق وسوريا. 

4- إرسال رسائل تهديد مباشرة إلى إيران: كشف عدد من المصادر الأمريكية أن الولايات المتحدة وجهت تحذيرات لإيران، والميليشيات المرتبطة بها بضرورة وقف هذه الهجمات، وإلا فإن الولايات المتحدة سوف تتجه للرد بقوة عليها، دون توضيح أبعاد أو مضمون هذه التهديدات، وهو ما يؤشر إلى أن الولايات المتحدة سوف تتجه إلى وضع خطط طارئة للرد على أي اعتداء إيراني يتسبب في سقوط قواتها في العراق، بما يحمله ذلك من إمكانية تصعيد المواجهة بين الجانبين. 

5- التنسيق المحتمل مع روسيا: تكشف التحركات الروسية الأخيرة في جنوب سوريا عن وجود سياسة روسيا لتعزيز انتشار عناصر الفيلق السوري الأول، لتعزيز قدرته على تولي إدارة الوضع الأمني في جنوب البلاد، وذلك على حساب وحدة القيادة الجنوبية لحزب الله اللبناني، كما أن الخطوة الروسية تهدف كذلك إلى قطع الطريق أمام تهريب المخدرات عبر الحدود السورية – الأردنية، وهو ما يمثل تحجيماً لأحد مصادر تمويل ميليشيات إيران في سوريا. 

وتحاول القوات الروسية تثبيت نفوذ قوة الفيلق عبر تحسين علاقته بسكان المنطقة المحسوبة على المعارضة، بالتعاون مع قوات "الشرطة العسكرية" الروسية. وتشير التقديرات إلى أن الروس من خلال زيادة نفوذهم في جنوب سوريا، يحاولون وضع حد للنفوذ الإيراني في المنطقة لإبعادها عن أي حرب متوقعة بين إسرائيل وإيران. 

ويلاحظ أن هذا التطور قد يصب في صالح الولايات المتحدة، ولكن في المقابل، فإن موسكو لن تكون على استعداد للتوصل لتفاهمات حول الوجود الإيراني في جنوب البلاد ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية على الحكومة السورية. 

وفي الختام، يمكن القول إنه مع تصاعد الجدل في واشنطن حول الدور الأمريكي في سوريا والعراق، خاصة مع تصاعد التهديدات القوات الأمريكية المنتشرة هناك، فإن هذا الجدل لم يؤثر على الالتزام الأمريكي تجاه بقاء القوات الأمريكية في البلدين، وهو ما وضح في إدخال منصة نفط مؤخراً واحتفاظ واشنطن بـ 2500 جندي أمريكي في العراق. ولكن في المقابل، تفتقد واشنطن آلية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، وهو ما يرجح أن تتجه واشنطن لتعزيز تفاهماتها مع روسيا لتحجيم الوجود الإيراني في البلاد، خاصة أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أنهم ليس بوارد أن يخضعوا للضغوط الإيرانية لمغادرة سوريا.