تبنت إيران سياسات عدائية ضد أذربيجان على نحو ما وضح في إجراء إيران مناورات عسكرية بالقرب من حدود أذربيجان في 1 أكتوبر، وإغلاق طهران مجالها الجوي ضد الطيران العسكري الأذربيجاني في 6 أكتوبر. وبدأ هذا التصعيد مع إعلان طهران رصد تحركات إسرائيلية داخل أذربيجان قرب حدودها، وهو ما نفاه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.
تصعيد إيراني ضد أذربيجان
اتخذت إيران خلال أزمتها الأخيرة مع أذربيجان عدداً من المواقف، والتي تجلت في الآتي:
1- إجراء مناورات عسكرية قرب أذربيجان: أجرى الجيش الإيراني مناورات عسكرية أطلق عليها "غزاة خيبر" بمشاركة وحدات مدرعة ومدفعية وطائرات مسيرة، في 1 أكتوبر 2021، والتي تعد الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما انتقده الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، متسائلاً "لماذا الآن ولماذا على حدودنا؟".
ويلاحظ أن تسمية المناورة "غزاة خيبر" تحمل دلالة كبيرة، إذ أن خيبر كانت غزوة أقامها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ضد يهود خيبر، وهي بذلك تحمل تهديداً ضمنياً لأذربيجان لاستضافتها قوات إسرائيلية، وفقاً للمزاعم الإيرانية.
كما صرح المرشد الإيراني، علي خامنئي، في 3 أكتوبر الجاري، بأن الدول في المنطقة المحيطة بشمال غرب إيران، في إشارة ضمنية إلى أذربيجان، ينبغي ألا تسمح "لجيوش أجنبية تخدم مصالحها الوطنية" بالتدخل في شؤونها أو المشاركة في جيوشها، وحض الدول المجاورة على "البقاء مستقلة".
2- إغلاق المجال الجوي مع أذربيجان: أعلنت طهران، في 5 أكتوبر، إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية القادمة من أذربيجان، اعتباراً من 6 أكتوبر الجاري.
3- تعزيز التعاون مع أرمينيا: استقبلت طهران وزير الخارجية الأرميني، أرارات ميرزويان، في 4 أكتوبر الجاري، والتقى نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وهدفت على ما يبدو لتعزيز التحالف الإيراني الأرميني في مواجهة أذربيجان. ووضح ذلك في تصريح الرئيس الأرميني، نيكول باشينيان، في 4 أكتوبر الجاري، بأن أرمينيا ليست جزءاً من أي مؤامرة تعتقد إيران أنها تحاك ضدها.
4- محاولة استدعاء الضغط الروسي: قام عبداللهيان بزيارة إلى موسكو، في 6 أكتوبر الجاري، التقى خلالها نظيره الروسي سيرجي لافروف، حيث أكد عبد اللهيان "أن بلاده لن تتسامح مع تغيير خريطة القوقاز"، وأنها "تتوقع من روسيا أن تبدي رد الفعل والحساسية اللازمين تجاه التغييرات المحتملة على حدود الدول في المنطقة، ووجود إرهابيين والتحرکات الإسرائيلية"، في مؤشر على مسعى إيران لتوظيف النفوذ الروسي على أذربيجان للضغط عليها لمنع استخدام الإسرائيليين أراضيها ضد إيران، وفقاً لاتهامات الأخيرة.
5- إنشاء طريق بديل مع أرمينيا: سعت طهران بالتعاون مع أرمينيا لإيجاد طرق بديلة للالتفاف حول أذربيجان، فقد توجه وفد هندسي إيراني إلى أرمينيا، في 3 أكتوبر الجاري، بهدف التشاور حول مشاركة إيران بمشروع طريق "آجواني – تاتيف" في الجنوب الأرميني، والذي سيكون بديلاً عن طريق "جوريس- كابان"، والذي أصبح تحت سيطرة أذربيجان، ويهدف هذا الطريق إلى ربط إيران بروسيا وأوروبا عبر أرمينيا، من دون المرور بأذربيجان.
كما تتجه طهران لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أرمينيا، إذ بحث الرئيس الأرميني مع نظيره الإيراني، تسريع مشروع نقل الطاقة الكهربائية بين البلدين، وكذلك بحث إنشاء سد ميجري الهيدروكهربائي على نهر آراس، وهي الخطوة التي جاءت للرد على وقف أذربيجان جانب من صادرتها من الطاقة من إيران.
هواجس إيرانية متعددة
تتمثل العوامل التي ساهمت في تعزيز المخاوف الإيرانية من أذربيجان، ودفعها للتصعيد العسكري ضدها في التالي:
1- اتهام أذربيجان باستضافة قوات إسرائيلية: تتهم إيران أذربيجان باستضافة قوات إسرائيلية وعناصر من الاستخبارات الإسرائيلية على أراضيها بالقرب من حدود إيران، وهو ما وضح في تصريحات عبداللهيان، في 8 أكتوبر الجاري، والذي أكد أن "الوجود الاستخباراتي الإسرائيلي في أذربيجان لا يصب في مصلحة هذا البلد". وزعم القيادي السابق في الحرس الثوري، حسين كنعاني مقدم، أن بلاده كانت على علم "بوجود قواعد إسرائيلية في أذربيجان منذ سنوات عديدة".
كما تزعم تصريحات مسؤولين إيرانيين للتلفزيون الرسمي، بأن القوات الإسرائيلية المتمركزة في باكو مسؤولة عن هجمات استهدفت البرنامج النووي الإيراني، واغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، وذلك من خلال إرسال طائراتها المسيرة من أذربيجان إلى إيران للقيام بعمليات عسكرية واستطلاعية من قاعدة "القبلة" في جنوب باكو، فضلاً عن إشارة هؤلاء المسؤولين إلى تدمير إيران طائرة مسيرة إسرائيلية من نوع "هيرمس" التي كانت تتجه نحو منشأة نطنز النووية، إلى جانب تأكيد أن عمليات سرقة الوثائق النووية تمت من خلال الدخول عبر أراضي أذربيجان.
ويبدو أن التقييمات الإيرانية قد استندت إلى العلاقات المتنامية بين تل أبيب وباكو، والتي تجلت بوضوح في الدعم الإسرائيلي لأذربيجان في حربها الأخيرة مع أرمينيا، من خلالها تزويدها بالطائرات المسيرة الهجومية، وتكنولوجيا التجسس عبر الأقمار الصناعية، والتي أسهمت بشكل كبير، إلى جانب الدعم التركي، في الانتصار الذي أحرزته باكو على يريفيان.
2- التخوف من النفوذ التركي: تتحسب إيران للدور التركي المتصاعد في المنطقة، لاسيما في ضوء الدعم الواضح الذي أبدته أنقرة لحليفتها باكو، في حربها الأخيرة مع أرمينيا، فضلاً عن كونها طرفاً أصيلاً في الترتيبات التي جرت بعد الحرب، والتي تمت بتفاهمات روسية – تركية فقط، مع استبعاد إيران منها، رغم عرضها لدور الوساطة في أكثر من مناسبة.
وتسعى تركيا لتعزيز نفوذها في جنوب القوقاز، من خلال تقوية علاقاتها مع أذربيجان، وهو الأمر الذي تجلى في إجراء عدد من المناورات المشتركة بين أذربيجان وباكستان وتركيا منها "مناورة أتاتورك 2021" في 9 فبراير الماضي في إسلام آباد، ومناورة "الأخوة الثلاثة 2021" في 12 سبتمبر الماضي في باكو.
كما أن المناورة بين تركيا وأذربيجان في 21 و23 يونيو جرت في "جمهورية ناخيتشيفان الذاتية"، إحدى أقاليم أذربيجان، والتي تقع بالقرب من الحدود الأذربيجانية – الإيرانية، والتي كانت باكو قد وضعت قدماً فيها بموجب اتفاق السلام مع أرمينيا في نوفمبر 2020. وعلى الرغم من أن المناورات كانت رسالة لأرمينيا، غير أن مشاركة القوات التركية فيها وبالقرب من حدود إيران أقلق الأخيرة.
كما أن استبدال أذربيجان إيران بتركيا، فيما يتعلق بتزويد منطقة الحكم الذاتي التابعة لها في إقليم ناختشفيان، والتي تقع بين إيران وأرمينيا وتركيا، بالطاقة من خلال خط أنابيب غاز جديد، يعني خسائر اقتصادية لإيران.
3- فرض رسوم على الشاحنات الإيرانية: فرضت السلطات الأذربيجانية رسوماً على الشاحنات الإيرانية المتجهة إلى أرمينيا، عبر طريق الاتصالات "جوريس – كابان"، والذي يربط بين إيران وأرمينيا، والذي أضحى تحت سيطرة باكو، عقب الحرب الأخيرة بين باكو ويريفان، حيث كان هذا الطريق في السابق تحت سلطة الأخيرة.
كما قامت السلطات الأذربيجانية بمنع مرور الشاحنات واعتقال بعض السائقين في ضوء اعتراض السائقين الإيرانيين على دفع الرسوم الجمركية المقررة، كما عمدت الشاحنات الإيرانية إلى الدخول لمنطقة ناجورنو قرة باغ من دون الحصول على إذن رسمي من السلطات الأذربيجانية، وهو ما دفع باكو لاستدعاء السفير الإيراني، في 11 أغسطس الماضي، للاحتجاج على هذا التصرف.
4- تهديد طرق النقل الإيرانية: تم الاتفاق على إنشاء طريق يربط بين أذربيجان وإقليم ناختشفيان، التابع لها، عبر أراضي أرمينيا على حدود إيران، ومع تنفيذ ممر الاتصال هذا، فلم تعد هناك حاجة لاستخدام الأراضي الإيرانية لربط منطقة ناختشيفان بالدولة الأم في أذربيجان.
ومن جانب آخر، فإن هذا الطريق سيؤدي إلى قطع الاتصال بين إيران وأرمينيا، وبالتالي فقدان إيران لإحدى أهم طرق المواصلات بينها وبين جورجيا وأوروبا، هذا على عكس الفوائد التي ستجنيها أنقرة من خلال هذا الممر، والذي سيمكنها من الاتصال ببحر قزوين عبر أذربيجان، الأمر الذي يصب في صالح النفوذ التركي في منطقة القوقاز، وهذا ما تعارضه إيران بشدة.
5- إغلاق ممثلية المرشد الإيراني: قامت السلطات الأذربيجانية، في 5 أكتوبر الجاري، بإغلاق المكتب التمثيلي للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، في باكو والمسجد التابع له، وذلك رداً على إغلاق الأخيرة مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الأذربيجانية.
مستقبل العلاقات الثنائية:
تتمثل المسارات التي يمكن أن تسلكها الأزمة خلال الفترة القادمة في التالي:
1- صدام محدود: يفترض هذا المسار إمكانية اتجاه إيران إلى تنفيذ عمليات عسكرية محدودة ضد أذربيجان، لحثها على وقف تعاونها مع إسرائيل، وعدم منح باكو إسرائيل المجال لتنفيذ عمليات تخريبية ضد إيران انطلاقاً من أذربيجان.
وتتراجع فرص تحقيق هذا السيناريو في ضوء أن إيران ليس من الوارد أن تدخل في صراع عسكري ضد أذربيجان، بما يضعها في مواجهة مع حلفائها الإقليميين، وتحديداً تركيا وإسرائيل، بما يمثل استنزافاً لطهران.
ومن جهة أخرى، تجمع إيران وأذربيجان حدود بطول حوالي 900 كم، فضلاً عن أنه لدى إيران مجموعة قومية آذرية تعد الثانية من حيث الحجم بعد القومية الفارسية، ويشكلون نحو 20% من سكان إيران، ويقطنون في محافظات متاخمة لأذربيجان، وفي حالة اتجاه طهران للحلول العسكرية، فإن آذاريي إيران سوف يتعاطفون مع أذربيجان بما يحمله ذلك من تداعيات سلبية على وحدة أراضي إيران.
2- ضمانات أذربيجانية: تسعى إيران في الأساس من التصعيد ضد أذربيجان إلى محاولة الضغط عليها من أجل وقف السماح لإسرائيل باستخدام أراضيها ضد طهران، خاصة في ظل عجز إيران الواضح عن وقف هذه الاختراقات المتكررة. وبالتالي، فإن إيران قد تتراجع عن تصعيدها ضد أذربيجان في حالة ما قدمت الأخيرة ضمانات لطهران بعدم حدوث ذلك، أو منع تكراره مستقبلاً.
3- وساطة روسية: تلعب روسيا دور الضامن للاستقرار في القوقاز، خاصة في ضوء ما تتمتع به من علاقات جيدة مع إيران وأذربيجان. ويبدو أن طهران تسعى لاستغلال روسيا لكبح الدور الإسرائيلي المحتمل في أذربيجان، والموجه بصورة رئيسية ضدها، خاصة أن موسكو تبدي توجساً من أن تؤدي الأدوار التركية والإسرائيلية إلى الخصم من نفوذها في وسط آسيا.
4- توتر ممتد: يفترض هذا السيناريو بقاء الوضع على ما هو عليه، أي استمرار التوتر بين الجانبين، من دون القدرة على حلحلة المسائل الخلافية، أو التراجع عن السياسات التصعيدية لكليهما.
وفي الختام، يكشف التوتر الأخير بين إيران وأذربيجان أن الانتصارات العسكرية الأخيرة لأذربيجان ضد أرمينيا كانت لها ارتدادات إقليمية، فاختلال التوازن بين أذربيجان وأرمينيا لصالح الأولى، قد انعكس في تصاعد النفوذ التركي والإسرائيلي على حساب طهران في منطقة آسيا الوسطى.