أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تثبيت النفوذ:

دوافع طهران لتعزيز حضورها العسكري في شمال شرق سوريا

16 مايو، 2021


تواصل إيران تحركاتها المكثفة في الساحة السورية والتي تسعى من خلالها إلى تعزيز دورها كطرف أساسي في عملية إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا بعد الأزمة، خاصةً وأن الورقة السورية تعد أهم الأوراق الاستراتيجية للسياسة الإيرانية في المنطقة، وقد بدا ذلك جلياً في اتجاهها إلى توسيع نطاق حضورها العسكري في شمال شرق سوريا.

مؤشران رئيسيان: 

يمكن رصد أبرز المؤشرات الدالة على حرص إيران على دعم حضورها العسكري في شمال شرق سوريا، وذلك من خلال ما يلي: 

1- تعزيز الوجود العسكري قرب مواقع التحالف الدولي: كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في 2 مايو الجاري عن تنصيب مليشيات موالية لإيران لصواريخ في تلال البطين الواقعة بأطراف الميادين شرق دير الزور، وفي اتجاه مناطق التحالف الدولي غرب الفرات. كما أشار المرصد قبل ذلك بيوم واحد إلى أن المليشيات الإيرانية أنشأت قاعدة عسكرية لها على تلة في قرية حبوبة شرق حلب. ووفقاً للمرصد، فإن القاعدة العسكرية الجديدة تقع مقابل مناطق نفوذ مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). 

ونوه المرصد في 4 مايو الجاري إلى أن المليشيات الموالية لإيران استقدمت تعزيزات عسكرية إلى تلك القاعدة. وكان المرصد قد كشف في 5 إبريل الماضي عن دخول شحنات أسلحة جديدة تابعة للمليشيات الموالية لإيران من العراق، وتم توزيع تلك الشحنات على مستودعات مليشيا "فاطميون" الأفغانية في منطقة عياش بريف دير الزور الغربي، وعلى مواقع المليشيات الإيرانية في الريف الشرقي لمحافظة الرقة.

2- تصاعد عمليات التجنيد الإيرانية: أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان في 4 مايو الجاري باستمرار عمليات التجنيد لصالح المليشيات الموالية لإيران، وعلى رأسها "لواء فاطميون" الأفغاني، في ريف حلب الشرقي. ووفقاً للمرصد، فإن تعداد المجندين لصالح تلك المليشيات ارتفع إلى نحو 805 عنصراً منذ تصاعد عمليات التجنيد مطلع شهر فبراير الماضي. وكشف المرصد في 28 إبريل الماضي عن افتتاح الحرس الثوري الإيراني باباً للتطوع ضمن صفوف المليشيات الإيرانية في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي.

أهداف مختلفة:

يأتي مسعى طهران لتعزيز حضورها العسكري في شمال شرق سوريا ارتباطاً برغبتها في تحقيق جملة من الأهداف، والتي يتمثل أهمها فيما يلي:

1- الرد على التحركات الأمريكية المضادة: تستهدف طهران بصورة أساسية من وراء تعزيز حضورها العسكري في سوريا بشكل عام، وفي شمال شرق سوريا على وجه التحديد في الوقت الحالي، الرد على التصعيد الكلامي والميداني المكثف الذي تقوم به الولايات المتحدة ضد الحضور الإيراني في سوريا، سواء في شكله المباشر أو غير المباشر. ويدلل على ذلك أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عبرت في أكثر من مناسبة منذ قدومها عن أن خروج إيران من سوريا يأتي على رأس أولوياتها. وأكدت طهران في الفترة الأخيرة على لسان كبار المسئولين، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى على خامنئي، على أن حضورها في سوريا كان استجابة لدعوة رسمية من الحكومة السورية بعكس الحضور العسكري الأمريكي الذي تعتبره طهران بمثابة احتلال. يُضاف لذلك أن طهران تحاول توجيه رسالة ضمنية للجانب الأمريكي بأن ضرباته التي قام بها في 26 فبراير الماضي ضد المليشيات العراقية الموالية لإيران في شرق سوريا لن تثني الأخيرة عن مشروعها في سوريا.

2- دعم سياسة الضغوط الإيرانية ضد واشنطن: يمكن اعتبار حرص إيران ومليشياتها على تعزيز الحضور العسكري في شمال شرق سوريا، المعروف عنها بأنها مناطق نفوذ تقليدية لواشنطن في سوريا، على أنه أداة من أدوات الضغط التي تتبعها طهران منذ قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، وذلك من أجل تقليص سقف توقعات وطموحات واشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني. وقد تبنت إيران في هذا الإطار جملة من التدابير التصعيدية التي تستهدف الضغط من خلالها على إدارة بايدن. ويُشار في هذا الصدد إلى أن التحركات العسكرية الإيرانية في شمال شرق سوريا تتوازى مع المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران في فيينا بشأن البرنامج النووي. 

3- مزاحمة روسيا: تستهدف طهران من تحركاتها الراهنة بسوريا بشكل عام، وفي شمال شرق سوريا على وجه التحديد، التأكيد على أنها موجودة في سوريا بدعوة شرعية على غرار روسيا التي رسّخت حضورها العسكري بشكل مقنن لاسيما في قاعدتي طرطوس وحميميم غرب سوريا. ويفرض إصرارها على ذلك ضغوطاً على روسيا في سوريا في هذا الوقت، خاصة مع إدراكها أن الضغوط الدولية على روسيا للموافقة على خروج القوات الأجنبية ومن بينها الإيرانية بدأت تؤتي ثمارها. ويدلل على ذلك أن روسيا استبعدت إيران من منصة الدوحة التي شكلتها مؤخراً بجانب تركيا وقطر، على الرغم من أن طهران تشكل مع موسكو وأنقرة مسار الأستانة. ويعكس الاستبعاد الروسي لإيران من منصة الدوحة عمق الخلافات الروسية- الإيرانية في سوريا. يُضاف لذلك التقارير التي أشارت في 13 مارس الماضي إلى قيام موسكو بإجبار مليشيات موالية لإيران في الرقة على الانسحاب من بعض الحقول النفطية هناك. 

4- منافسة تركيا: يُشكل الحضور العسكري الإيراني المتصاعد في شمال شرق سوريا رسالة واضحة من طهران لأنقرة بأنها ستزاحم وبقوة حضورها العسكري في شمال سوريا. ويُشار في هذا الصدد إلى أن لتركيا مطامع تاريخية في محافظة حلب وبعض الحضور العسكري في المحافظة. ولا ينفصل ذلك عن الأزمة الدبلوماسية التي نشبت مؤخراً بين إيران وتركيا بشأن اتهامات البلدين المتبادلة حول أدوارهما السلبية في العراق. 

5- ضمان دور في معركة إدلب المقبلة: تستهدف طهران من زيادة حضورها العسكري في شمال شرق سوريا ضمان لعب دور رئيسي ومحوري في معركة إدلب المقبلة، وذلك عبر تكثيف الحضور العسكري الإيراني في مناطق قد تبدو قريبة من إدلب التي تقع في شمال غرب سوريا. ويأتي ذلك في ضوء إدراك طهران أن معركة إدلب ستقع لامحالة رغم التوافقات الروسية- التركية الحالية بشأن المحافظة، وأنها ستكون آخر أكبر المعارك الكبرى في الساحة السورية، والتي سيتم في أعقابها تحديد التوازنات العسكرية النهائية لكل الأطراف المنخرطة في الصراع. ويدعم ذلك أن بعض المليشيات التي نقلتها إيران مؤخراً إلى شمال شرق سوريا تنحدر في الأصل من مناطق شيعية في إدلب.

6- الاستعداد لوقف المعارك: تُدرك طهران أن تعميق نفوذها في سوريا في هذا التوقيت على المستويات المختلفة خاصةً المستوى العسكري سيشكل سنداً ومبرراً لدور إيراني فاعل في سوريا ما بعد الحرب في المجالات المختلفة، وعلى رأسها الملف الاقتصادي وجهود إعادة الإعمار. ويُشار في هذا الإطار إلى تصريحات كبار المسئولين الإيرانيين السابقة، والتي كشفت صراحةً عن أن طهران ترغب في المشاركة بصورة فاعلة في مرحلة البناء وإعادة الإعمار في سوريا. 

على ضوء ذلك، يمكن القول إن جهود إيران الحالية لتعزيز حضورها العسكري في سوريا بشكل عام، وفي شمال شرق سوريا على وجه التحديد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الوكلاء، تضعف أي فرصة لخروج طوعي إيراني من الساحة السورية، خاصةً وأن هذا الخروج تعتبره طهران في حال أقدمت عليه بمثابة هزيمة مجانية لها، على اعتبار أن ذلك سيضعف من قدرتها على منافسة خصومها الإقليميين والدوليين، وسيجعلها تخرج من سوريا صفر اليدين.