تعرض تنظيم "القاعدة" في أفغانستان لضربات قوية خلال المرحلة الماضية، تزيد من حدة الضغوط المفروضة عليه، والتي تتزامن مع تراجع نشاطه، على نحو بات يقتصر على الساحة الإعلامية إلى حد كبير، حيث أعلنت وكالة المخابرات الأفغانية، في 10 نوفمبر الجاري، أن قوات الأمن قتلت قيادياً بارزاً في التنظيم جنوبى أفغانستان، اتهمت حركة "طالبان" بإيوائه.
وتعد تلك الضربة الثانية من نوعها التي يتلقاها التنظيم في أقل من شهر، حيث سبق وأعلنت السلطات الأفغانية، في 24 أكتوبر الفائت، عن نجاح قواتها في قتل حسام عبد الرؤوف أحد القيادات البارزة في "القاعدة"، الذي تشير بعض الاتجاهات إلى أنه يحتل المركز الثاني في هيكل التنظيم، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أهم الانعكاسات المحتملة لتصاعد استهداف قادة التنظيم في أفغانستان، خاصة أنه يواجه في الوقت ذاته أزمة يفرضها عدم وجود قيادات بديلة يمكن الاعتماد عليها.
دور "طالبان":
اللافت في هذا السياق، هو أن تلك العمليات المتتالية جاءت بعد توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة "طالبان" في 29 فبراير الماضي، وتعهدت بموجبه الأولى بسحب قواتها في منتصف عام 2021، مقابل التزام الثانية بعدم إيواء التنظيمات الإرهابية، في إشارة إلى تنظيم "القاعدة"، وعدم استخدام الأراضي الأفغانية في شن هجمات إرهابية خارجية، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح ضلوع الحركة في عمليات الاستهداف المستمرة لقادة تنظيم "القاعدة"، أو على الأقل تغاضيها عنها، خاصة أن العمليتين الأخيرتين تم تنفيذهما في مناطق يتصاعد فيها نفوذها، وهو ما يعني أنها تسعى، وفقاً لتلك الرؤية، إلى توجيه رسائل لواشنطن مفادها التزامها بما يفرضه اتفاق السلام من تعهدات، وهو ما يتعارض مع اتهام الحكومة لها بإيواء بعض قيادات التنظيم.
وتستند تلك الاتجاهات إلى اعتبار رئيسي لتبرير رؤيتها، يتمثل في افتقاد الحكومة للقدرة على تنفيذ مثل تلك العمليات النوعية، في ظل الأزمات التي تواجهها على المستويات المختلفة، لاسيما السياسية والأمنية، بما يعني أنها ربما اتجهت في الفترة الماضية إلى توسيع نطاق التنسيق مع الحركة من أجل استهداف التنظيم.
تأثيرات محتملة:
يمكن القول إن تكرار استهداف قادة تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، خلال الفترة الماضية، سوف يفرض مجموعة من التداعيات المحتملة عليه، خاصة في ظل غياب قياداته التقليدية عن المشهد، وعدم وجود جيل جديد من القيادات أو الكوادر يمكن الاعتماد عليه في الحفاظ على نشاطه.
ويمكن تحديد أبرز تلك التداعيات في النقاط التالية:
1- استمرار انحسار التنظيم: كان لافتاً أن الضربات المتتالية التي يتعرض لها التنظيم جاءت في وقت يتعرض فيه لانحسار تدريجي، خاصة في أفغانستان، حيث لم تعد لديه القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، وبات دوره فقط مقتصراً على المستوى الإعلامي، من خلال بعض البيانات التي يصدرها زعيمه أيمن الظواهري بين الحين والآخر، لإبداء رأيه في بعض التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية، وإثبات استمراره في قيادة التنظيم. ومن هنا، فإن استمرار مثل تلك العمليات سوف يؤدي إلى تراجع قوة التنظيم بشكل كبير، خاصة أنها كشفت عن فشله في حماية قياداته داخل المناطق التي تخضع لنفوذ حركة "طالبان".
2- تزايد الاختراقات الأمنية: تشير تلك العمليات إلى أن جهات عديدة ربما نجحت في اختراق التنظيم للحصول على معلومات مهمة عن قياداته وكوادره، وبالتالي تعزيز قدرتها على استهدافها. وتتزايد أهمية دور العناصر التي تقوم بذلك في ظل القيود الشديدة التي تفرضها التنظيمات الإرهابية، ومنها تنظيم "القاعدة"، على المواقع التي تتواجد فيها قياداتها، بما يعني أن تلك العناصر تعتبر المصدر الأساسي للمعلومات التي تستخدمها تلك الجهات في شن ضرباتها ضد التنظيم، على غرار الضربات الأخيرة التي تعرض لها.
3- تراجع التحالف مع "طالبان": يبدو أن مساحة الخلافات بين تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" سوف تتسع تدريجياً في الفترة القادمة، لاسيما أن الأول لم يدعم اتفاق السلام الذي توصلت إليه الثانية مع الولايات المتحدة الأمريكية، في 29 فبراير الماضي، باعتبار أنه المستهدف الأساسي منه. وبالتالي، فإن قيادات التنظيم ربما ترجح أن يكون هناك دور للحركة في عمليات الاستهداف الأخيرة، على ضوء ما جاء في اتفاق السلام الذي يفرض عليها عدم إيواء التنظيمات الإرهابية.
وهنا، فإن التنظيم ربما يعتبر أن الحركة بدأت في تبني سياسة جديدة تقوم على تقليص نفوذه وربما العمل على إخراجه من أفغانستان تمهيداً لتعزيز دورها على المستويين الأمني والسياسي خلال المرحلة القادمة التي سوف تشهد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في غضون 14 شهراً.
وقد لا يمكن استبعاد اندلاع اشتباكات بين عناصر التنظيم والحركة في ضوء تزايد الشكوك بين الطرفين وتصاعد حدة التباينات في التعامل مع بعض التطورات التي طرأت على الساحة الأفغانية خلال المرحلة الماضية.
4- تصاعد دور الفروع: ربما تساهم تلك التطورات في تزايد الدور الذي تقوم به أفرع التنظيم في بعض الدول الأخرى، خاصة أنها قد تسعى إلى استغلال الأزمة التي يتعرض لها داخل أفغانستان من أجل إثبات قدرتها على تولي قيادته خلال المرحلة القادمة.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن تراجع دور ونشاط التنظيم في أفغانستان قد تكون له ارتدادات في الخارج، حيث قد تحاول التنظيمات الفرعية من أجل تحقيق الهدف السابق شن عمليات إرهابية نوعية لتوجيه رسائل عديدة في هذا الصدد إلى جهات عديدة، لاسيما القيادات الرئيسية للتنظيم في أفغانستان.