في تطور جديد للأحداث التي تشهدها أفغانستان، وبعد نحو شهر ونصف من توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة "طالبان"، في 29 فبراير الماضي، سوف تنسحب بمقتضاه القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو من أفغانستان في غضون 14 شهراً، أعلن تنظيم "ولاية خراسان"- فرع تنظيم "داعش" في أفغانستان- في 9 إبريل الجاري، مسئوليته عن الهجوم الذي تعرضت له قاعدة باغرام الجوية الأمريكية، وهى أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان، حيث ذكرت تقارير عديدة أنه "جرى إطلاق خمسة صواريخ على قاعدة باغرام الجوية"، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أهم الدلالات التي يطرحها هذا الهجوم، لاسيما فيما يتعلق بتوقيته، حيث يتوازى مع الجهود التي تبذلها أطراف عديدة لتعزيز فرص انخراط "طالبان" في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأفغانية للوصول إلى تسوية للأزمة، لاسيما بعد أن أفرجت الأخيرة عن مئة سجين من الحركة.
توقيت لافت:
لا يمكن فصل هذا الهجوم، الذي لم يكن الأول من نوعه، عن مجموعة من التطورات الهامة التي طرأت على الساحة الأفغانية في الفترة الأخيرة، ويتمثل أهمها في إعلان السلطات الأفغانية، في 5 إبريل الحالي، عن اعتقال قائد تنظيم "ولاية خراسان" إسلام فاروقي، الذي يعرف أيضاً باسم عبد الله أوراكزاى، إلى جانب 19 من قياديي وعناصر التنظيم، في إطار ما أسمته بـ"العملية المعقدة"، التي جاءت بدورها بعد العملية التي شنها التنظيم واستهدف من خلالها مزاراً دينياً للسيخ في العاصمة كابول، في 25 مارس الفائت، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 28 شخصاً، حيث اتهم فاروقي بالتخطيط لها.
ومن هنا، لا يمكن استبعاد أن يكون أحد أهداف الهجوم على القاعدة الأمريكية هو الرد على تلك الخطوة التي اتخذتها السلطات الأفغانية، ولتوجيه رسالة بأن التنظيم يستطيع استيعاب المعطيات الجديدة التي فرضتها، عبر إحلال قيادات أخرى محل فاروقي لديها قدرات وخبرات تستطيع من خلالها تنفيذ عمليات إرهابية نوعية.
كما أن التنظيم يحاول بتبني ذلك النمط من العمليات تأكيد قدرته على احتواء تداعيات الهزائم التي يتعرض لها، لاسيما بعد أن أعلنت الحكومة الأفغانية، في 10 نوفمبر 2019، عن هزيمته وتدمير مراكزه في ولاية ننجارهار التي كان يحاول تأسيس معقل له فيها.
دلالات متعددة:
يطرح هجوم التنظيم على القاعدة الأمريكية دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- تصدر مشهد العنف: يبدو أن التنظيم يرى أن انخراط حركة "طالبان" في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية ثم مع الحكومة الأفغانية قد يوفر له فرصة من أجل تصدر مشهد العنف داخل أفغانستان، خاصة أن الاتفاق الذي وقعته "طالبان" سوف يمنعها من تنفيذ عمليات ضد القوات الأمريكية، وهو ما سيحاول فرع "داعش" استغلاله من أجل الترويج إلى أنه التنظيم الأبرز الذي يسعى إلى استهداف تلك القواعد. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن تقارير عديدة كشفت أن هجوم التنظيم على قاعدة باغرام هو الثالث من نوعه الذي يتم تنفيذه منذ الإعلان عن توقيع الاتفاق بين "طالبان" وواشنطن.
2- شن حملة ضد "طالبان": ربما يسعى التنظيم عبر تلك الهجمات إلى إضفاء شكوك عديدة تجاه مدى قدرة حركة "طالبان" على المساهمة في الجهود التي سوف تبذل من أجل ضبط الأوضاع الأمنية، حيث يرى التنظيم أنه أحد الأطراف المستهدفة من الاتفاق الذي تم توقيعه بين "طالبان" وواشنطن، ومن ثم فإنه سوف يحاول، على الأرجح، تكرار مثل تلك العمليات خلال المرحلة القادمة، لتأكيد عدم نجاح المقاربة الجديدة التي سيتم اعتمادها لمواجهته على الساحة الأفغانية.
3- تعميق انقسامات الخصوم: لم يكن الانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية ثم الوصول إلى اتفاق معها والتمهيد للمشاركة في مفاوضات أخرى مع الحكومة الأفغانية، في الغالب، محل توافق داخل حركة "طالبان"، في ظل وجود أجنحة ما زالت رافضة لهذا الخيار الذي يمكن أن يؤثر، في رؤيتها، على موقع الحركة على الساحة الأفغانية، باعتبار أنه سوف يقلص، وفقاً للرؤية نفسها، من هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات الميدانية والسياسية.
ويبدو أن ذلك كان محل اهتمام ومتابعة من جانب قادة "داعش"، على نحو دفعهم إلى تنفيذ أكثر من عملية إرهابية لتحقيق هدفين: أولهما، تكريس هذا الانقسام داخل الحركة بشكل قد يؤدي إلى إضعافها وربما تفككها في النهاية، وهو ما سوف يصب في صالحه وفقاً لتلك القيادات. وثانيهما، دفع بعض القيادات إلى الانشقاق عن الحركة والانضمام إليه، بشكل سوف يؤثر على توازن القوى بين الطرفين وسيساعد التنظيم على مواجهة الضربات التي يتعرض لها سواء من جانب القوات الأجنبية أو من قبل الحكومة الأفغانية أو "طالبان".
4- استقطاب عناصر جديدة: توازى استمرار العمليات الإرهابية التي ينفذها "داعش" داخل أفغانستان مع ظهور تقارير عديدة تكشف عن محاولات يقوم بها الأخير لاستقطاب عدد من شباب ولاية كيرلا الهندية من أجل الانضمام إليه والمشاركة في تنفيذ تلك العمليات، حيث أشارت إلى أن أحد منفذي الهجوم على المزار الديني للسيخ في كابول كان هندي الجنسية.
أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن الفترة القادمة سوف تشهد، على الأرجح، محاولات جديدة من جانب التنظيم لتنفيذ مزيد من الهجمات الإرهابية، من أجل توجيه رسائل عديدة إلى مجمل الأطراف المعنية بما يحدث داخل أفغانستان مفادها أن لديه القدرة على التعامل مع المعطيات الجديدة التي سوف يفرضها الاتفاق الذي تم توقيعه بين "طالبان" وواشنطن.