الخرافة قديمة قدم الإنسان نفسه، وُجدت في كل الأزمنة، وهي تتفشى مع الجهل وتنتشر مع الأزمات الخانقة، وتصبح ملاذاً للخائفين وملجأ للمرعوبين، وهي تساهم في تهدئة بعض النفوس وخوف الإنسان الدائم من المجهول.
مع فيروس «كورونا» المستجد، انتشرت الخرافات انتشار النار في الهشيم، ولكل دينٍ أو فلسفة أو ثقافة خرافاتها الخاصة بها، وإن كانت بعض الخرافات عابرة لكل هذه الاختلافات، ولكن يتم تحويرها وتعديلها حتى تتواءم مع كل ثقافة، بحسب طبيعتها وخطابها. وقوة تفشي الخرافة دليلٌ على حاجة نفسية لدى الإنسان لا علاقة لها بعلمه أو عقله.
الخرافات الحالية متنوعة ومختلفة في أشكالها وطبيعتها، بحسب عديد من المتغيرات، فثمة خرافات دينية وخرافات صحية وأخرى سياسية وغيرها اقتصادية، وهلمَّ جرّاً. والخرافة خطيرة على عقل الإنسان؛ لأنها تمنحه شعوراً زائفاً بالأمان، وتعيقه عن فعل ما يجب فعله حقاً.
من الخرافات الدينية ما يصنعه بعض من يسمون الدعاة، أو الدعاة الجدد، في كل العالم من شرقه إلى غربه، باختلاف الصيغ والتعبيرات. ففي أميركا يقف القس الشهير كينيث كوبلاند مهدداً فيروس «كورونا» وآمراً له بالفناء والذهاب عن أميركا، فيزيد انتشاره في أميركا حتى تصبح في المرتبة الأولى عالمياً. وفي إيران يقف وعاظ النظام ورموزه ويدَّعون أن اللجوء إلى المرقد الفلاني يشفي الناس من دون الحاجة إلى العلم أو الدواء، فتصبح إيران بؤرة عالمية لنشر الفيروس.
لا يقل عن هؤلاء بعض الوعاظ أو الدعاة الجدد في الدول العربية الذين يحرضون الناس على ترك الأسباب العلمية والعملية في مواجهة الفيروس، والاكتفاء بالدعاء، والاستبشار بالأحلام، والاعتماد على الخرافات.
مَن يروّج أن أضغاث الأحلام هي رؤى صادقة، وأنَّها جزء من النبوة في مواجهة فيروس «كورونا»، هو شريك في نشر المرض، ويودي بمن يصدقه إلى التهلكة، ويدعي أن الرؤيا الفلانية متواترة، وفسرها فلان وفلان، في نشر للخرافة بين الناس، في وقتٍ كل ما يحتاجه الناس هو التعامل بعقلانية، والتزام توجيهات المؤسسات الرسمية، وعلى رأسها وزارة الصحة.
في الدول العربية التي صنفت جماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات الإسلام السياسي إرهابية، ضُربت الذلة والخوف على كل مروجي الخرافات، وتم إجبارهم على الانزواء والاختفاء، وعدم ترويج الأكاذيب أو استغلال الأزمة الكبرى بأي شكلٍ من الأشكال، ولكن لم تزل لهم بقايا في مواقع التواصل الاجتماعي، يروّجون تلك الخرافات وإن كان بحسن نية وعدم وعي من البعض، وكما يقال: الطريق إلى الجحيم مليء بالنيات الحسنة.
بعد عشرة أيام تقريباً، سيحل شهر رمضان الكريم، وهو ما يعتبره بعض الجهلاء أو المغرضين من أتباع الإسلام السياسي فرصة لدق إسفين بين الشعوب وقياداتها، ومحاولة لضرب أنظمة الدول، وتخريب خطط واستراتيجيات مواجهة وباء «كورونا»، عبر دعوات حق يراد بها باطل، وعبر تحريض الناس على التجمعات في صلاة التراويح أو غيرها، ومثل هؤلاء سينشطون في الأيام القادمة، ويجب الردُّ عليهم بقوة ووضوحٍ، كما يجب محاسبتهم حسب الأنظمة والقوانين.
صوم رمضان شعيرة من شعائر الإسلام، وصوم رمضان في الإسلام إحدى تلك الشعائر.
هذا أمرٌ مفهومٌ تماماً، ولكن يجب على العاقل أن يعلم أن إغلاق المساجد عن الصلوات الخمس، أكبر من إغلاقها في نافلة مثلاً كصلاة التراويح، وأن الفرض هو صيام رمضان، وهذا ممكنٌ لكل أحدٍ من بيته، ولا علاقة له بالتجمعات التي يلتزم بها الناس كعرفٍ وطقسٍ شعائري، وهي أمرٌ يثلج صدور المؤمنين، ولكن ليس في مثل هذه الظروف وهذه الأزمة الكبرى.
تقديماً لمبدأ حفظ نفس الإنسان، أصدر الفقهاء في مختلف البلدان فتاوى بإغلاق المساجد، وإغلاق الحرمين الشريفين عن العمرة، وربما الحج، وصدرت أوامر الدول بمنع التجول ووجوب لزوم المنازل والبقاء في البيوت، منعاً للتجمعات التي لا ينتشر الوباء إلا من خلالها، فلا ناقل للوباء إلا الإنسان، وكلما اختلط الناس تفشى الوباء، والعكس صحيح، وعلى المبدأ نفسه فسيستمر الأمر نفسه في رمضان دون زيادة أو نقصان.
أركان الإسلام وفرائضه يمكن القيام بها كاملة دون مخالفة الفتاوى الفقهية الصريحة أو عصيان أوامر الدول، وأكثر من هذا ففضائل شهر رمضان ثابتة لا يمكن أن ينتزعها أحدٌ، والمطلوب فقط هو عدم المشاركة في تفشي الفيروس بين الناس عبر التجمعات.
هذا فيما يتعلق بالشأن الديني، ولا يقل خطراً عنه التواصل الاجتماعي بين الناس، فقد اعتاد الناس على التواصل بشكل مكثفٍ بين العائلات والأقارب والأصدقاء، والذي يمثل عاداتٍ طيبة وفضائل دينية، وبالذات في شهر رمضان الكريم، ما قد يدفع البعض إلى التساهل والرغبة في البر وصلة الرحم، ما يعني سبباً آخر لتفشي الوباء.
أما الخرافات الأخرى، صحياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً، فهي بلا حدٍ أو حصرٍ، فالكل يتطبب اليوم ويلجأ لمعهوده الشعبي في استخدام أدوية وعلاجاتٍ معينة، ليس لها أثرٌ على الفيروس، وقد تكون ضارة للإنسان، ويوصي بها إما بدليل ديني يفسره كما يشاء وإما بزعم الخبرة والتجربة أو بمجرد الاعتياد، وهذه خرافات لا تغني عن العلم شيئاً، بل ضررها أكثر من نفعها.
هذه الخرافات لا تدخل في الأنظمة السياسية المعنية بمصالح الناس ورعايتهم، ولكنها موجودة كثقافة اجتماعية، وأعظم الخطر يكمن في دخول الخرافات في النظام السياسي للدول. وأوضح الأمثلة على هذا: النظام الإيراني، الذي قاد الخرافات في إيران، وعلى لسان مرشد النظام الأعلى بنفسه، وسخَّر كل إمكانات الدولة لبث الخرافات بين الناس، ما جعل النموذج الإيراني واحداً من أسوأ النماذج دولياً في مواجهة فيروس «كورونا» المستجد، والأرقام لا تكذب.
أخيراً: الخرافات لا تقي من فيروس «كورونا» بل ما يقي منه هو التزام تعليمات الأطباء والخبراء الصادرة من مؤسسات الدولة الرسمية.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط