أعلن تنظيم "داعش"، في 10 يناير 2020، عن تنفيذ هجوم جديد ضد حركة "طالبان" الأفغانية، أسفر، حسب روايته، عن مقتل وإصابة 60 من عناصرها، على نحو يوحي بأن التنظيم يسعى إلى توسيع نطاق هجماته لتشمل أطرافاً عديدة، تتمثل في قوات الأمن الأفغانية إلى جانب تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، وذلك لتحقيق أهداف مختلفة خاصة بتحويل فرعه في أفغانستان، وهو "ولاية خراسان"، إلى نقطة ارتكاز جديدة له وتمكينه من السيطرة على مساحات جغرافية أكبر، في سياق تعامله مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الهزائم التي تعرض لها في كل من سوريا والعراق خلال المرحلة الماضية.
مغزى التوقيت:
عقب مقتل زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في محافظة إدلب السورية في 27 أكتوبر 2019، ركز "داعش" على الساحة الأفغانية، من حيث استهداف تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، وذلك لإثبات تغير توازنات القوى لصالحه. فخلال الأشهر الثلاثة الماضية التي أعقبت مقتل البغدادي، اندلعت مواجهات عديدة بين "داعش" من ناحية وكل من "القاعدة" و"طالبان" من ناحية أخرى، كان أبرزها الهجوم الذي وقع في 10 يناير الجاري، حيث أعلن التنظيم، عبر وكالة "أعماق" على إحدى القنوات المغلقة التابعة له على تطبيق تليجرام، أن "عنصراً من التنظيم فجر سترته الناسفة داخل مقر لميليشيا طالبان في ضاحية ليث أباد قرب مدينة كويتة، ما أسفر عن مقتل 20 عنصراً من الميليشيا وإصابة قرابة 40 آخرين"، ويعتبر هذا الهجوم هو الأكبر مع بداية العام الجاري والثاني بعد الهجوم الذي وقع في أكتوبر 2019 وسعى عبره
"داعش" إلى السيطرة على ريف ولاية كُنر بعد طرد عناصر "طالبان" منها.
أهداف مختلفة:
يسعى "داعش" من خلال رفع مستوى الهجمات ضد "القاعدة" و"طالبان" في أفغانستان إلى تحقيق العديد من الأهداف التي يتمثل أبرزها في:
1- تعزيز نفوذ "ولاية خراسان": مثلت السيطرة على مناطق جغرافية جديدة في أفغانستان وضمها لـ"ولاية خراسان" أحد الأهداف الرئيسية التي حاول التنظيم تحقيقها في الفترة الأخيرة، خاصة بعد الضربات القوية التي تعرض لها داخل كل من العراق وسوريا، حيث حاول استغلال ذلك في توسيع نطاق قاعدته المركزية المؤقتة، وهو ما جعل عملياته في أفغانستان تأتي في المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات مقارنة بتلك التي تنفذها الأفرع الأخرى للتنظيم خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
2- إثبات التماسك التنظيمي: رجحت اتجاهات عديدة تصاعد حدة الانشقاقات داخل التنظيم عقب الهزائم التي منى بها، لاسيما بعد خروجه من منطقة الباغوز في سوريا، باعتبار أن ذلك يعد أحد أهم التداعيات التي يمكن أن تفرضها تلك الهزائم، والتي توازت مع مقتل قيادات وكوادر عديدة كان لها دور في تعزيز نشاطه داخل المناطق التي سبق أن سيطر عليها في كل من العراق وسوريا. ومن هنا، حرص التنظيم، عبر رفع مستوى الهجمات التي يقوم بتنفيذها في أفغانستان، إلى إثبات قدرته على التماسك ووضع حدود لظاهرة الانشقاقات، خاصة أنه استهدف في هذا السياق بعض التنظيمات المنافسة له، لاسيما "القاعدة" و"طالبان"، والتي سعت بالفعل إلى استغلال الضربات التي تعرض لها لاستقطاب بعض عناصره وضمها إليها.
3- تغيير توازنات القوى: وهو هدف اكتسب أهمية خاصة لدى "داعش"، في ظل التنافس المستمر مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، وبشكل خاص "القاعدة", حيث سعى الأول إلى استغلال هجماته في تغيير توازنات القوى لصالحه، من خلال تدعيم فرص حدوث انشقاقات داخل تلك التنظيمات وتقليص قدرتها على السيطرة على مساحة أكبر من الأرض في أفغانستان.
رسائل متعددة:
ربما يمكن القول إن "داعش" حاول عبر تلك الضربات التي وجهها إلى "القاعدة" و"طالبان" توجيه رسائل في اتجاهات متعددة، بعضها مباشر والآخر غير مباشر. إذ لا يمكن فصل تلك الضربات عن المحادثات التي تجري بين الولايات المتحدة الأمريكية وقادة من حركة "طالبان"، والتي اعتبر التنظيم أن نجاحها يمكن أن يفرض معطيات جديدة على الأرض لا تتوافق مع حساباته. ومن هنا، سعى عبر تلك العمليات لتأكيد أنه التنظيم الأكثر قوة داخل أفغانستان، وربما الاستعداد مبكراً لما يمكن أن تسفر عنه تلك المحادثات من نتائج.
فضلاً عن ذلك، فإن توقيت تصاعد حدة الهجمات التي يقوم بها التنظيم يرتبط، بدرجة كبيرة، بتراجع أعداد العناصر المتطرفة التي تمكن من استقطابها في الفترة الماضية، حيث رأت قيادته أن الضربات والهزائم التي تعرض لها فرضت تداعيات سلبية عديدة، كان من أهمها عزوف بعض تلك العناصر عن الانضمام إليه، بعد أن فشل في الحفاظ على المناطق التي سيطر عليها في الأعوام الخمسة الماضية.
وفي النهاية، يمكن القول إن مقتل زعيم التنظيم السابق أبوبكر البغدادي كان بمثابة مرحلة جديدة سعى خلالها التنظيم إلى البحث عن مناطق تمركز بديلة وتأسيس قاعدة جديدة له في أفغانستان، وهى القاعدة التي تعتبرها قيادة التنظيم بمثابة مركز مؤقت يمكن، في رؤيتها، العمل من خلاله لحين استعادة السيطرة على المناطق التي خرج منها في كل من سوريا والعراق، وهو ما يجعل من استمرار تنفيذ مزيد من الهجمات في أفغانستان ضد تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، يمثل إحدى الآليات التي يتبعها للحفاظ على بقائه، على نحو سوف يزيد من حدة التنافس البيني مع "القاعدة" تحديداً، في العديد من دول المنطقة، وبشكل خاص في أفغانستان وسوريا وبعض دول القارة الإفريقية.