دفعت اعتبارات عديدة الولايات المتحدة الأمريكية، في 4 سبتمبر الجاري، إلى فرض عقوبات جديدة على شبكة إيرانية تضم كيانات ومسئولين في الحرس الثوري الإيراني تتهمهم بتهريب النفط للخارج، يتمثل أهمها في الحد من مواصلة بعض الدول، وفي مقدمتها الصين، شراء شحنات من الخام الإيراني رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني منذ نوفمبر الماضي، بجانب عرقلة أى مساعي دولية أو إقليمية لتخفيف العقوبات الأمريكية على طهران مقابل التزام الأخيرة ببنود الاتفاق النووي، بعد أن أخلت ببعضها، فضلاً عن تقويض شبكة تهريب النفط لسوريا ووكلاء إيران في المنطقة، وضمان عدم تكرار حادثة السفينة الإيرانية "أدريان داريا 1"، التي تمكنت، بحسب بعض الترجيحات، من تفريغ جزء من حمولتها من النفط في ميناء سوري رغم التحركات الأمريكية المكثفة للحيلولة دون ذلك.
اتجاه مستمر:
في خطوة تستهدف، على ما يبدو، تصعيد حدة الضغوط المفروضة على إيران، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في 4 سبتمبر الجاري، عقوبات جديدة على إيران شملت هذه المرة شبكة يديرها الحرس الثوري وتضم 16 كيانًا و10 أفراد ونحو 10 سفن بحرية جميعها متورطة، بحسب الإدارة الأمريكية، في تهريب النفط لصالح "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري.
ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن كثيرًا من المسئولين الإيرانيين متورطون في هذه الشبكة، وعلى رأسهم قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني ووزير النفط الإيراني السابق رستم قاسمي وشركات إيرانية محلية وأخرى أجنبية، ومن بينها مجموعة "مهدي" التي تتخذ من الهند مقرًا لها.
ويتوافق هذا التوجه كثيرًا مع الآليات التي كان يستخدمها الحرس الثوري خلال فترة العقوبات الدولية المفروضة على طهران بين عامى 2012 و2015، عندما كان مسئولاً بشكل أساسي عن تهريب النفط الخام للأسواق الدولية رغم العقوبات.
ويأتي اتخاذ هذه الخطوة على الرغم من أن الإدارة الأمريكية فرضت حزمة من العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني في نوفمبر الماضي تقضي بحظر تصدير النفط ومنتجاته لكافة دول العالم، وهو ما ساهم في هبوط صادرات النفط إلى أقل من 10% من مستوياتها السابقة، والتي بلغت نحو 2.5 مليون برميل يوميًا في إبريل 2018.
بيد أن الإدارة الأمريكية ما زالت حريصة على تحقيق هدفها بتصفير صادرات النفط الإيرانية، ومنع تصدير أى شحنات من النفط لدول العالم. وفي هذا السياق، قالت سيجال مندلكر وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية لشئون الإرهاب والمخابرات المالية، في 8 سبتمبر الجاري: "إن الولايات المتحدة ستواصل فرض عقوبات على كل من يشتري النفط الإيراني أو يتعامل مع الحرس الثوري"، مضيفة أن "واشنطن لن تمنح مجددًا أى إعفاءات تتعلق بمشتريات النفط الإيراني".
اعتبارات مختلفة:
يمكن تفسير اتجاه الإدارة الأمريكية نحو فرض الحزمة الجديدة من العقوبات على شبكة الحرس الثوري في ضوء اعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في أن طهران لا زال بمقدورها تصدير ما يتراوح بين نحو 100 ألف إلى 150 ألف برميل يوميًا بحسب بعض بيانات شركات تتبع السفن، رغم النتائج التي فرضتها العقوبات الأمريكية على مستويات صادرات النفط الإيرانية للخارج.
وتكشف بيانات شركات تتبع شحنات النفط أن الصين لم تتوقف مطلقًا عن شراء النفط الإيراني منذ مايو الماضي عندما ألغت الإدارة الأمريكية الإعفاءات الممنوحة لها لشراءه. فمن جانبها، ترى بكين أنه من المشروع مواصلة استيراد النفط الإيراني باعتبار أن العقوبات الأمريكية أحادية الجانب ولم يتم الاتفاق عليها من قبل القوى الدولية.
وتشير بعض البيانات إلى أن الصين استوردت ما يقرب من 142 ألف برميل يوميًا من إيران في يوليو الماضي، بل إن بعض التقديرات ذهبت إلى أن الصين ربما استوردت نحو 360 ألف برميل يوميًا في هذا الشهر. ومع ذلك، وكما يبدو، فإن هذه الكميات تظل منخفضة عن مستوياتها مقارنة بالعام السابق، الذي بلغت فيه أكثر من 750 ألف برميل يوميًا.
ويتعلق ثانيها، برغبة الإدارة الأمريكية في تجفيف منابع تمويل الحرس الثوري، والتي يعد فيها النفط عنصرًا رئيسيًا. وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، فإن "فيلق القدس"، بجانب حزب الله اللبناني، تمكنا من تحقيق مكاسب مالية عبر نقل النفط والمنتجات النفطية الإيرانية إلى سوريا، في الأغلب، بقيمة أكثر من 750 مليون دولار خلال عدة أشهر قليلة من العام الجاري.
ومن خلال هذه العقوبات، ترغب الإدارة الأمريكية أيضًا، فيما يبدو، في تعزيز جهودها وإجراءاتها لتقويض شبكة تهريب النفط الإيرانية إلى سوريا لتفادي حادثة ناقلة النفط الإيرانية "أدريان داريا 1" التي تمكنت، كما تشير تقارير عديدة، من إفراغ قسم من حمولتها في ميناء سوري رغم الرقابة الأمريكية التي تعرضت لها.
وينصرف ثالثها، إلى سعى الإدارة الأمريكية لتوجيه رسالة للكيانات المتورطة في تهريب النفط الإيراني، وكذلك مشتري شحنات الخام، بأنهم يدعمون بشكل أساسي أنشطة إرهابية متعلقة بالحرس الثوري، ولا سيما "فيلق القدس" المدرج في القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشن، في 4 سبتمبر الجاري: "إن إجراءات الوزارة ضد شبكة النفط المترامية الأطراف توضح بشكل جلي أن أولئك الذين يشترون النفط الإيراني يدعمون بشكل مباشر الذراع العسكري والإرهابي لإيران وفيلق القدس".
ويرتبط رابعها، بإحباط أى مساعي دولية أو إقليمية تهدف إلى دفع الإدارة الأمريكية نحو تخفيف العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني مقابل التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، التي تخلت عن بعضها. ومؤخرًا، عرضت فرنسا توفير خط ائتمان بقيمة 15 مليار دولار بضمان عائدات النفط الإيراني على أن تعود طهران للالتزام ببنود الاتفاق النووي وضمان أمن منطقة الشرق الأوسط.
وقد قدمت فرنسا هذا العرض بافتراض أن يصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعفاءات لصالح صادرات النفط الإيراني للعالم الخارجي. وهنا، عبر مسئولون إيرانيون، في أكثر من مناسبة، عن رغبتهم في تصدير 700 ألف برميل يوميًا قد تزيد إلى 1.5 مليون برميل يوميًا كبادرة حسن نية للقبول بخيار التفاوض مع واشنطن.
وختامًا، يمكن القول إن الإدارة الأمريكية تتجه نحو رفع مستوى العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، رغم المساعي التي تبذلها قوى دولية من أجل تخفيف الضغوط التي تفرضها السياسة الأمريكية تجاه إيران، على نحو يطرح مسارات عديدة قد يتجه إليها التصعيد الحالي بين طهران وواشنطن.