في الوقت الذي قامت فيه معظم الدول بدعم أو تجاهل قرار الهند الأخير بشأن نزع الوضعية الخاصة التي يتمتع بها إقليم جامو وكشمير؛ إلا أن الصين ظلت داعمة لباكستان التي تُعد من أهم حلفائها في المنطقة. حيث أيدت الصين طلب باكستان لعقد جلسة "مشاورات مغلقة" في مجلس الأمن الدولي لمناقشة القرار الهندي، بيد أن الصين تعارض -في الوقت نفسه- التصعيد بين الطرفين واللجوء للحل العسكري.
دوافع الدعم الصيني:
تعود أسباب دعم الصين لباكستان في الأزمة الأخيرة إلى ما يلي:
1- النزاعات الحدودية: ينقسم إقليم كشمير بين الهند وباكستان التي تسيطر على قطاع من الأراضي في غرب الإقليم، والصين التي تدير منطقة يقيم بها عدد قليل من السكان في الشمال، كما تطالب الصين بحوالي 90 ألف كلم مربع في ولاية أروناتشال براديش الهندية، التي يُشار إليها بشكل غير رسمي من قبل بعض الصينيين باسم "جنوب التبت". في حين أن الهند تدعي السيادة على 38 ألف كلم مربع من هضبة أكساي تشين التي تقع في شمال شرق منطقة لاداخ المتنازع عليها بين البلدين، وتكمن أهمية موقع أكساي تشين للصين في كونه صحراء شاسعة تشكل جزءًا من أقصى غرب منطقة شينجيانج ذات الغالبية المسلمة المضطربة في الصين، كما تسعى الصين لفرض سيطرتها على هذه المنطقة لأسباب تتعلق بتأمين الطريق الرابط بين شينجيانج والتبت.
وقد ضغطت الصين مرارًا وتكرارًا على الهند للتخلي عن مطالبتها بأكساي تشين في مقابل موافقة بكين على التنازل عن منطقة أخرى متنازع عليها على طول خط ماكماهون المعروف لدى الهند باسم أروناتشال براديش، ولكن باءت مساعي الصين بالفشل.
وانعكس ذلك في التصريحات الغاضبة للجانب الصيني، حيث صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية في أغسطس 2019 بـ"أن الصين تعارض دائمًا إدراج الهند للأراضي الصينية في القطاع الغربي من الحدود الصينية الهندية ضمن اختصاصها الإداري". وأضافت: "نحث الهند على توخي الحذر في الأقوال والأفعال المتعلقة بمسألة الحدود، والالتزام الصارم بالاتفاقات ذات الصلة المبرمة بين الجانبين، وتجنب اتخاذ أي خطوة قد تزيد من تعقيد مسألة الحدود". وأشارت إلى أن "الهند مؤخرًا استمرت في تقويض السيادة الإقليمية للصين من خلال تغيير قانونها الداخلي من جانب واحد، وأن عمل الهند غير مقبول ولن يكون له أي تأثير قانوني".
ومن الجدير بالذكر أن البلدين انخرطا في نزاع عام 2017 في منطقة دوكلام الحدودية، بعدما أرسل الجيش الهندي قوات لمنع الصين من بناء طريق عسكري، وبعد توتر استمر لشهرين، انسحبت قوات البلدين من المنطقة. ثم التقى رئيس الوزراء الهندي بالرئيس الصيني في أبريل 2018 في مسعى لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي، ولكن في فبراير 2019 توترت العلاقات الثنائية بشكل كبير في ضوء احتجاج الصين على زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى ولاية أروناتشال براديش المتنازع عليها .
2- التنافس الهندي-الصيني: لا يُعزَى توتر العلاقة بين الصين والهند إلى النزاعات الحدودية فحسب؛ بل إن هناك عدة عوامل تتضافر مع ذلك وتجعل العلاقات بين البلدين متوترة، وأهم هذه العوامل إدراكهما أن كلًّا منهما منافس إقليمي للطرف الآخر، فكلاهما مندفعان لتأمين مصادر الطاقة، وكلاهما لديه مصالح متضاربة في آسيا الوسطى والمحيط الهندي، ويُلقي العامل الباكستاني بتأثيره أيضًا من خلال الدعم الذي تحصل عليه باكستان من الصين خاصة في مجال التكنولوجيا النووية. أضف إلى ذلك تفاقم مخاوف الهند من احتمالات نقل الغواصات التي شرعت الصين في بنائها إلى مياه المحيط الهندي بما يُهدد مصالحها الحيوية هناك بشكل مباشر.
نزاع بالوكالة:
يمكن أن يُفهم الصراع الهندي-الباكستاني في ضوء توتر العلاقات الصينية-الأمريكية، حيث يرى بعض المحللين أن قرار الهند تجاه إقليم كشمير جاء بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة لتضييق الخناق على الصين، وفتح مزيدٍ من الجبهات لاستنزاف وتشتيت قوى الصين. وما يدعم هذا التحليل هو رد الفعل الأمريكي على القرار الهندي، حيث صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية "مورغان أورتاجوس" قائلة: "نتابع عن كثب" الوضع في كشمير"، رغم أنها ذكرت أن الحكومة الهندية وصفت هذه الإجراءات بأنها "مسألة داخلية بحتة". وحثت جميع الأطراف للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة. وهذه التصريحات توضح أن الولايات المتحدة لا تعارض الخطوة التي قامت بها الهند، وتكتفي بمراقبة الوضع، وتدعو لإحلال السلام في المنطقة.
في المقابل، قامت الصين بدعم علاقاتها مع باكستان التي تُعد المنافس التقليدي للهند، فالصين تستثمر 57 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية والطاقة الباكستانية، أكثر من أي دولة أخرى في جنوب آسيا. وتوطدت العلاقات المتميزة بين البلدين بشكل أكبر في ضوء مبادرة "الحزام والطريق"، حيث تقوم الصين بإنشاء ممر اقتصادي صيني باكستاني لربط الصين بميناء جوادر الباكستاني الواقع على بحر العرب، والذي يمر بمنطقة متنازع عليها، حيث يعدّ هذا الميناء أقرب ميناء لإقليم شينجيانج الصناعي إذا ما قُورن بالموانئ الصينية الواقعة شرقها، لذلك ستعبر التجارة الصينية برًّا من خلال الطرق التي تَمَّ إنشاؤها بين الصين وباكستان حتى تصل إلى ميناء جوادر، ومن هناك يتم نقل البضائع إلى دول الخليج والشرق الأوسط، وبالتالي ستقل التكلفة والوقت المستغرق لنقل البضائع من وإلى الصين.
معارضة الحل العسكري:
على الرغم من متانة العلاقات الصينية-الباكستانية؛ إلا أن الصين ليس في مصلحتها أن يتطور الصراع إلى مواجهة مسلحة وأن تقوم الدولتان باللجوء للعنف، وذلك لأن الصين تُعد من أكبر الشركاء التجاريين للهند، ويصعب على بكين التضحية بالمكاسب الاقتصادية مع دولة تتمتع بسوق ضخمة كالهند.
ولن تستطيع الصين التدخل بشكل مباشر أكثر من ذلك لدعم باكستان، وذلك تجنبًا لقيام الهند بالتصعيد مع بكين، واعتبار ذلك تدخلًا منها في الشئون الداخلية الهندية، وهي نفس الحجة التي تلجأ إليها الصين في معالجة أي انتقاد دولي لها لأي موضوعات متعلقة بـالتبت، وإقليم شينجيانج، والمظاهرات التي تجتاح هونج كونج الآن.
وتتخوف الصين من تحول موقف الهند تجاه المظاهرات في هونج كونج من الحياد إلى دعم المتظاهرين في هونج كونج. وفتح مزيدٍ من جبهات الصراع مع الهند ستكون له تكلفة باهظة للغاية في هذا التوقيت، خاصة وأن الصين الآن تتعامل مع عدد من القضايا المحلية والعالمية شديدة الخطورة والحساسية، وعلى رأسها: الاحتجاجات في هونج كونج، والحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك لا يمكنها التركيز فقط على كشمير.
كما ترغب الصين في استكمال مخططاتها المتعلقة بمبادرة "الحزام والطريق". فالهند لم تدخر جهدًا لإعلان معارضتها لمشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والذي يثير حفيظتها نظرًا لمروره بأجزاء من الأراضي المتنازع عليها بين الهند وباكستان، فضلًا عن أن إنشاء هذا الممر سوف يعزز الوضع الاقتصادي لباكستان، وهو ما تخشاه الهند بدون شك. وبالتالي فإن نشوب أي أعمال عنف في هذه المنطقة ستعطل من خطط الصين لاستكمال مشروعاتها وفقًا لمبادرة "الحزام والطريق".
ويمكن القول إن الصين قد تكون مستاءة من قرار الهند؛ إلا أنه ليس لديها أي مصلحة في إشعال الصراع في المنطقة، ومن المرجح أن تقوم بالضغط على باكستان لكي لا تلجأ لأي تصعيد عنيف للأزمة، كما ستستفيد الصين من هذه الأزمة لتعزيز دورها وصورتها كدولة تحافظ على التوازن في منطقة جنوب آسيا. وما يعزز حدوث هذا السيناريو هو أن وزير الخارجية الصيني "وانج يي" أشار في أغسطس الجاري إلى أن "بكين مستعدة لممارسة ضبط النفس الاستراتيجي، ووضع إطار للأزمة كمسألة يجب تسويتها بالوسائل السلمية". ووصف وزير الخارجية الصيني علاقات بلاده بالصين بالإيجابية، وأنها ليست علاقة ذات أبعاد ثنائية بل ذات أبعاد عالمية.