تصاعدت بالآونة الأخيرة حدة التهديدات لإمدادات الطاقة بالمنطقة تزامنًا مع التوتر الشديد في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بعد قيام الأولى بتشديد العقوبات الاقتصادية على طهران، الأمر الذي دفع الأخيرة للتهديد بغلق المجرى الملاحي لمضيق هرمز، كما قام بعض وكلائها باستهداف منشآت حيوية للطاقة في عدد من الدول الرئيسية بالمنطقة. وعلى الرغم من أن تداعيات هذه التطورات لا تزال محدودة، ولم تؤثر بشكل أو بآخر على تدفق النفط للأسواق الدولية؛ إلا أن تصاعد التهديدات قد يترك تداعيات واسعة في المستقبل قد تتمثل في تغيير مسارات النقل البحري للنفط، وارتفاع تكلفة الشحن والتأمين لنقل الخام، فضلًا عن ضغوط محتملة قوية على أسعار النفط.
مصادر التهديدات:
تتعرض إمدادات الطاقة بالمنطقة لتهديدات واسعة بالآونة الأخيرة جراء تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشكل غير مسبوق، وفيما يلي أبرز مصادر التهديدات القائمة:
1- تهديد الملاحة البحرية: مجددًا، هددت إيران مؤخرًا بإغلاق المجرى الملاحي لمضيق هرمز أمام حركة التجارة العالمية، وذلك على غرار السنوات الماضية عندما اعتاد المسئولون الإيرانيون أثناء فترة العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها (2012-2015) توجيه رسائل للولايات المتحدة والقوى الدولية بمقدرتها على قطع إمدادات النفط بالمنطقة بإغلاق الممر الملاحي.
وربما يأخذ تهديد طهران بالآونة الأخيرة طابعًا أكثر جدية من المرات السابقة، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية الحالية لا تبدو متساهلة كسابقتها في تطبيق العقوبات بفعالية على الاقتصاد الإيراني، حيث فرضت قيودًا واسعة على كافة الأنشطة الاقتصادية الإيرانية بما فيها قطاع النفط بموجب جولتين من العقوبات في أغسطس ونوفمبر الماضيين، كما تضغط بقوة على دول العالم كافة للالتزام بهذه العقوبات.
ومع إلغاء واشنطن إعفاءات بعض الدول لشراء النفط الإيراني نهائياً، قال قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأميرال "علي رضا تنكسيري"، في 22 إبريل الماضي، إن طهران ستغلق مضيق هرمز في حال مُنعت من استخدامه، الأمر الذي إن حدث بالفعل قد يتسبب في عرقلة مرور ما بين بين 17-18 مليون برميل نفط يوميًّا، أي ما يشكل حوالي خمس إنتاج النفط اليومي ونحو 40% من إجمالي الخام المتداول يوميًّا.
2- استهداف منشآت النفط: من الواضح أن التهديدات التي تتعرض لها منشآت الطاقة في المنطقة حاليًّا أكثر خطورة من أي وقت مضى، حيث تطال أهدافًا حيوية، وأية أضرار تلحق بها ستؤثر بلا شك على عمليات إنتاج ونقل النفط أو الغاز الطبيعي بشدة للأسواق الدولية. وفي هذا الإطار، تعرضت أربع سفن تجارية راسية بالقرب من ميناء الفجيرة -الذي يعد مركزًا عالميًّا لتخزين الوقود وتموين السفن- لعمليات تخريبية بحسب وزارة الخارجية الإماراتية في 12 مايو الجاري.
وفي أعقاب ذلك بيومين فقط، تعرضت محطتا ضخ نفط لخط الأنابيب "شرق-غرب" الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي لهجوم من طائرات بدون طيار "درونز" مفخخة نفذته جماعة الحوثيين حسبما أعلنت في قناة "المسيرة" التابعة لها. وسبق أن قادت جماعة الحوثيين هجمات على المنشآت النفطية بالسعودية في العام الماضي كان من بينها هجوم على ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر في شهر يوليو، وهجوم آخر على مصفاة شركة أرامكو في الرياض بالشهر نفسه.
3- هجمات إلكترونية: يبدو أن شركات النفط في المنطقة كذلك عرضة لهجمات إلكترونية محتملة من قبل إيران بحسب عدد من التقارير الدولية الصادرة مؤخرًا، وذلك في إطار محاولات طهران إلحاق أضرار أشد اتساعًا بقطاع الطاقة، وسبق أن شن قراصنة يُعتقد أنهم مرتبطون بالحكومة الإيرانية هجومًا إلكترونيًّا على شركة أرامكو السعودية وذلك في عام 2012، مما أدى حينذاك إلى شل جزئي لعمليات الشركة قبل أن تتصدى الشركة له لاحقًا. كما قام قراصنة إيرانيون خلال العام نفسه بمحاولات لاختراق شركات الطيران والبتروكيماويات السعودية.
دلالات متنوعة:
تكشف الحوادث الأخيرة التي تستهدف إمدادات الطاقة عن مجموعة من الدلالات السياسية والاقتصادية، يتمثل أبرزها في الآتي:
1- تهديد واشنطن: على ما يبدو فإن طهران ترغب في إرسال إشارات تحذير لواشنطن عبر تنفيذ هذه الحوادث بأن لديها من الوسائل التي تُمكِّنها من الرد على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها مؤخرًا، إذ بإمكانها أن تتسبب في حدوث اضطراب في إمدادات الطاقة للأسواق الدولية، الأمر الذي قد يؤدي إلى صعود أسعار النفط بشكل واسع، وبما يؤثر سلبًا على الاقتصادات المتقدمة بما فيها الاقتصاد الأمريكي.
كما لا يُمكن للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في ضوء التطورات الأخيرة الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات منخفضة، الأمر الذي يعتبره جوهريًّا من أجل إرضاء المستهلك الأمريكي ونيل ثقته في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومن وجهة نظر إيران، ربما تدفع هذه الاعتبارات الإدارة الأمريكية للتخلي جزئيًّا عن تشديد العقوبات الاقتصادية عليها وبضغط أيضًا من القوى الدولية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو الدول الآسيوية التي تُولي تأمين الطاقة أولوية قصوى لديها.
2- تخوفات طهران: بجانب رسائل الضغط على الإدارة الأمريكية، يتضح جليًّا أن طهران ووكلاءها يتخوفون من مشاريع نقل النفط البديلة لطريق هرمز. فعلى سبيل المثال، يُعد ميناء الفجيرة أحد منافذ الإمارات البديلة لتصدير النفط من خليج عمان للأسواق الآسيوية والأوروبية بدلًا من هرمز، وذلك من خلال خط أنابيب "أبو ظبي للنفط الخام" الذي يمتد لمسافة 400 كلم من حقل حبشان بإمارة أبوظبي مرورًا بسويحان إلى الميناء، وبسعة تقارب 1.5 مليون برميل يوميًّا (أي نصف صادراتها للعالم تقريباً).
ومن جانب آخر، يُعد خط أنابيب "شرق-غرب" بالسعودية أحد البدائل الرئيسية لنقل النفط دون المرور بمضيق هرمز، حيث يقوم بنقل النفط الخام من الحقول بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على ساحل البحر الأحمر، ويمتد الخط لمسافة 1200 كلم، ويقوم بنقل 2 مليون برميل من النفط الخام يوميًّا من أصل طاقته الكلية البالغة 5 ملايين برميل يوميًّا، كما تخطط شركة أرامكو لتوسيع طاقته إلى 6.5 ملايين بحلول عام 2023.
3- توظيف الدرونز: تكشف الحادثتان الأخيرتان عن لجوء طهران ووكلائها لاستخدام الطائرات دون طيار "الدورنز" في استهداف المنشآت النفطية، وتتميز الأخيرة بأن لديها قدرة على تحديد أهدافها بدقة، وضرب الأهداف بسهولة، حيث تسير وفقًا لبرنامج محدد يتم برمجتها عليه لطريق تسلكه، كما يمكنها القيام بعمليات خاطفة بكل سهولة دون التعرض لخسائر كبيرة مثل الطائرات الحربية.
ترتيبات جديدة:
في الواقع، فإن الحادثتين الأخيرتين بالإمارات والسعودية لم تُلحق سوى أضرار محدودة بمنشآت النفط، وكان من السهل محاصرتهما من قبل سلطات البلدين، كما أنهما لم تؤثرا بشكل أو بآخر على إمدادات النفط. وعلى الرغم من ذلك، فإن قيام طهران ووكلائها بتكرار مثل هذه الحوادث سوف يفرض عددًا من المتغيرات الجديدة في أسواق النفط العالمية التي تتمثل في الآتي:
1- النقل البحري للنفط: قد تُضطر شركات النقل البحري، على خلفية تعرض مسارات النقل البحري لتهديدات متكررة، لاتباع أساليب تحوطية لتأمين شحنات النفط في الأجل القصير، على غرار تحميل شحنات النفط على سفن صغيرة بدلًا من السفن كبيرة الحجم، حيث لدى الأولى سرعة أعلى بما يجعلها تستطيع التحرك على مسافة أقرب من ساحل عمان، وتفادي المرور بالقرب من مضيق هرمز. ومن المرجّح أيضًا أن تدفع هذه التطورات شركات النقل البحري لفرض رسوم إضافية لعمليات النقل والتأمين على شحنات النفط العابرة لمضيق هرمز أو الموانئ القريبة من إيران.
2- أسعار النفط: استجابت أسواق النفط بشكل سريع للتطورات الأخيرة، وفور الإعلان عن الهجوم على محطتي ضخ النفط بالسعودية ارتفع خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط على مدى جلستي 14 و15 مايو بأكثر من 2% إلى 71.77 دولارًا للبرميل و62.02 دولارًا للبرميل على التوالي. ومع ذلك، قد يكبح صعود أسعار النفط في الأيام المقبلة عوامل أخرى يأتي في صدارتها انخفاض الطلب العالمي على النفط بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بجانب ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي.
بيد أن ذلك لا ينفي أن الأسعار سوف تتعرض لصعود كبير إذا ما تم إغلاق مضيق هرمز بشكل جزئي أو كلّي. وبحسب تقديرات بنك رويال أوف كندا، فإن حدوث توترات بالممرات الملاحية بمنطقة الشرق الأوسط سيقود لارتفاع أسعار النفط بأكثر من 10 دولارات للبرميل ليتخطى حاجز الـ 80 دولارًا.
وختامًا، يمكن القول إن أسواق النفط العالمية تواجه تهديدًا متصاعدًا بسبب التهديدات القائمة بغلق مضيق هرمز بجانب محاولات استهداف منشآت حيوية للنفط، الأمر الذي يستلزم حشد الجهود الدولية لمواجهة الأخطار الإيرانية بالمنطقة لضمان تدفق إمدادات المنطقة للأسواق الدولية واستقرار مستويات الأسعار.