يبدو أن تنظيم "داعش" يحاول في المرحلة الحالية تأسيس خلايا أو أفرع تابعة له في دول ومناطق جديدة، على نحو انعكس في إعلانه، عبر وكالة "أعماق" للأنباء التابعة له في 18 إبريل 2019، عن أول هجوم له في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي أطلق عليها مسمى "ولاية وسط إفريقيا"، وزعم أنها تابعة لما وصفها بـ"الخلافة". ورغم أن اتجاهات عديدة أبدت شكوكًا أولية في أن يكون "داعش" هو التنظيم الذي قام بتنفيذ الهجوم أو أوعز بذلك، لا سيما في ظل وجود عدد من الجماعات والميليشيات المسلحة في الكونغو الديمقراطية، إلا أن اعتبارات عديدة ترجح أن يكون التنظيم هو الذي نفذ تلك العملية بالفعل، خاصة وأنه يسعى خلال تلك الفترة الأخيرة إلى تعزيز نشاطه في القارة الإفريقية.
توقيت لافت:
حرص تنظيم "داعش"، بالتوازي مع تنفيذ الهجوم، على إعلان تأسيس ولاية جديدة تابعة له في الكونغو الديمقراطية، على خلاف الهجمات الأخرى التي نفذها في بعض الدول مثل الفلبين وغيرها، حيث غالبًا ما كان يكتفى بإعلان مسئوليته فقط، دون تأسيس ولاية جديدة، على غرار ما حدث عقب الهجوم الذي استهدف الكاتدرائية الكاثوليكية في مدينة هولو الفلبينية، فى 27 يناير 2019، وأسفر عن مقتل 27 شخصًا.
ويشير ذلك إلى أن التنظيم يسعى إلى تأكيد وجوده في الكونغو الديمقراطية، خاصة وأنه لا يعلن عن ولاية جديدة في إحدى الدول دون أن يكون له نفوذ بها، وقدرة على البقاء لفترة من الزمن.
وقد كان لافتًا أن الهجوم الأخير وقع بعد فترة وجيزة من سقوط الباغوز، آخر معاقله في سوريا، على يد ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بشكل يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن التنظيم قد يحاول توجيه رسائل متعددة تفيد قدرته على تنفيذ عمليات في مناطق جديدة، بعد تراجع نشاطه ونفوذه في المناطق الرئيسية التي كان قد سيطر عليها في الأعوام الأربعة الماضية.
وربما يفسر ذلك أيضًا المحاولات المتعددة من قبل عناصره لشن هجمات إرهابية جديدة، رغم كونها لن تؤدى إلى استعادة المناطق التي فقد السيطرة عليها داخل سوريا، على غرار الهجوم الذي شنه في 26 مارس 2019، واستهدف عبره قوات كردية بشمال سوريا، في أول إعلان عن عملية نوعية منذ سيطرة الميليشيا الكردية على آخر جيوب التنظيم.
أسباب متعددة:
يمكن تفسير حرص "داعش" على إعلان مسئوليته عن العملية الإرهابية التي وقعت في الكونغو الديمقراطية في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- استغلال البؤر المضطربة: ما زال التنظيم حريصًا على تبني السياسة نفسها التي سبق أن اتبعها في كل من العراق وسوريا، وهى العمل على استغلال تصاعد حدة الأزمات الداخلية وتراجع قدرة الدولة على ممارسة سلطاتها بشكل كامل، وهو ما يبدو جليًا أيضًا في حالة الكونغو الديمقراطية، التي تشهد انتشارًا لبعض التنظيمات المسلحة، تشير تقديرات عديدة إلى أن عددها يصل إلى 12 جماعة مسلحة، مثل جماعة "ماى ماى كاتا كاتانغا"، إلى جانب العصابات الإجرامية.
واللافت في هذا السياق، هو أن رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، سبق أن حذر، في بداية إبريل 2019، من احتمال قيام "داعش" بمحاولات لتعزيز تواجده في القارة الإفريقية بعد هزيمته عسكريًا في سوريا والعراق، بشكل يؤشر إلى أن بعض دول المنطقة ربما رصدت تحركات عديدة دعمت من احتمال اتجاه التنظيم إلى محاولة دعم نشاطه داخلها.
2- الانتشار أفقيًا: فرضت الهزائم العسكرية التي تعرض لها التنظيم في كل من سوريا والعراق ضغوطًا قوية عليه، لدرجة أضفت مزيدًا من الشكوك إزاء قدرته على الاستمرار كتنظيم رئيسي على خريطة التنظيمات الإرهابية في العالم، بل إن الشعارات نفسها التي سبق أن تبناها، على غرار شعار "باقية وتتمدد"، أصبحت موضع تساؤلات عديدة بعد التطورات الميدانية التي قلصت من القدرات العسكرية والبشرية التي امتلكها "داعش" في الأعوام الأخيرة.
ومن هنا، بدأ التنظيم في الإعلان عن تنفيذ عمليات إرهابية في مناطق بعيدة عن معاقله الرئيسية، ليس فقط لتأكيد قدرته على البقاء، وإنما، وربما يكون ذلك هو الأهم، لإثبات قدرته على التمدد في مناطق متفرقة وفي وقت واحد، في إطار ما يمكن تسميته بـ"الانتشار أفقيًا"، والذي انعكس في ظهور خلايا وأفرع تابعة له في أفغانستان والفلبين وشمال إفريقيا إلى جانب الكونغو الديمقراطية.
ومن دون شك، فإن هذه السياسة يمكن أن تساعد التنظيم في استقطاب عناصر جديدة من تلك المناطق، لتعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي تعرض لها في العامين الأخيرين.
ومن هنا، كان لافتًا أن الهجوم الأخير الذي وقع في الكونغو الديمقراطية سبق بفترة وجيزة العمليات الإرهابية المتزامنة التي وقعت في سيريلانكا، في 21 إبريل الجاري، واستهدفت ثلاثة كنائس وفنادق، بشكل أسفر عن مقتل ما يقرب من 300 شخص وإصابة المئات.
3- تصاعد حدة الضغوط: ربما تعكس تلك النوعية من العمليات الإرهابية، في رؤية اتجاهات عديدة، مستوى الضغوط التي بات يتعرض لها التنظيم في الفترة الحالية، خاصة بعد أن ساهمت الهزائم العسكرية التي منى بها في تضييق الخناق على قيادته، ولا سيما زعيمه أبو بكر البغدادي، على نحو يزيد من احتمال اعتقاله أو قتله، في مرحلة لاحقة، وهو ما يبدو أن "داعش" يحاول الاستعداد له مسبقًا من خلال تنفيذ عمليات إرهابية والإعلان عن تأسيس أفرع جديدة له في دول ومناطق مختلفة.
وعلى ضوء ما سبق، يبدو أن مساعي التنظيم للتمدد داخل القارة الإفريقية سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة، خاصة كلما تعرض لمزيد من الضربات العسكرية في المناطق التقليدية التي سبق أن سيطر عليها وما زال يتواجد فيها عن طريق خلاياه "النائمة"، على نحو يفرض على الدول الإفريقية رفع مستوى التنسيق الأمني فيما بينها للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الهزائم العسكرية التي منى بها "داعش" في المنطقة.