ستبرز إلى الوجود أحد أهم مرافق البنى التحتية الخليجية للطاقة، التي سيترتب عليها تحولات تنموية كبيرة، فقد اتفق مؤخراً على إقامة شبكة خليجية للغاز سبق وأن أشرنا إلى أهميتها أكثر من مرة هنا، حيث اتفقت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان على إقامة شبكة خليجية للغاز الطبيعي ستمتد لاحقاً إلى كل من الكويت والبحرين، على أن يتم ربطها مع العراق والأردن ومصر.
الغاز الطبيعي أضحى مكوناً أساسياً للتنمية، حيث تزداد أهميته مع مرور الوقت، باعتباره طاقة نظيفة وأساسية في إنتاج الكهرباء وكلقيم للصناعات البتروكيماوية والأسمدة والصناعات البلاستيكية، بالإضافة إلى حقنه في الآبار لزيادة الطاقة الإنتاجية لحقول النفط، إذ تعتبر هذه الجوانب أساسيات للتنمية في شتى المجالات، وهو ما تحتاجه الدول الخليجية والعربية بصورة ملحة.
لقد حدثت بعض التطورات السريعة والمهمة في السنتين الماضيتين عجلت من الاتفاق حول إقامة هذه الشبكة، فقد تمت اكتشافات كبيرة لمصادر الغاز الطبيعي في كل من الإمارات والسعودية والبحرين، وهو ما سيحول هذه البلدان إلى منتج رئيس للغاز الطبيعي الذي تحتاجه سلطنة عُمان والكويت والعراق والأردن بشدة، مما يحول شبكة الغاز الخليجية إلى أحد أهم مشاريع التكامل وربط المصالح المتكافئة بين هذه البلدان، ويساهم في تنفيذ الكثير من المشاريع التنموية الحيوية.
وإلى جانب ذلك، يتوقع أن تتحول السعودية إلى أحد كبار منتجي الغاز في السنوات القليلة القادمة، فبالإضافة إلى اكتشافات الغاز في المملكة، فإنها تبني وفق وزير الطاقة الروسي علاقة استراتيجية مع روسيا لتطوير إنتاج الغاز من القطب الشمالي، وهو ما سيحول البلدين إلى لاعبين أساسيين في سوق الغاز العالمي إلى جانب دورهما الأساسي الحالي في سوق النفط، وسيؤدي ذلك إلى تهميش دور دول كبيرة منتجة للغاز حالياً، كقطر وإيران، حيث يبرز هنا أيضاً دور دول أخرى مهمة منتجة للغاز، كأستراليا التي تحولت مع بداية العام الجاري إلى أكبر مصدر للغاز المسال في العالم متجاوزة قطر، وكذلك والولايات المتحدة الأميركية التي ستضاعف إنتاجها ثلاث مرات مع نهاية العام القادم.
ذلك يعني أن قواعد اللعبة في سوق الغاز ستتغير جذرياً في غضون السنوات الثلاث القادمة، وهو ما يضفي المزيد من الأهمية على الشبكة الخليجية، مما يعني أنه من الممكن أن يتشكل «كارتيل» للدول المنتجة للغاز على غرار «أوبك» التي تضم البلدان الرئيسة المنتجة للنفط، حيث حاولت قطر إقامة مثل هذا التكتل سابقاً، إلا أن لا أحد يثق في النظام القطري المراوغ والطاعن من الخلف في أقرب أشقائه الخليجيين، ما أدى إلى عدم التجاوب مع الدعوة القطرية من قبل كبار منتجي الغاز.
وهذا ما ينطبق أيضاً على شبكة الغاز الخليجية المطروحة منذ سنوات، إلا أن سعي قطر باعتبارها أكبر منتج في دول المجلس الى فرض وصايتها على الشبكة وعدم ثقة بقية دول المجلس في التوجهات القطرية المستقبلية أجل إقامة مثل هذه المشروع الحيوي. صحيح أن هناك خط «دولفين» العامل بين ثلاث دول خليجية، إلا أن أحد أهم أسباب استمراره هو مروره بدولة الإمارات التي ضمنت وصوله إلى سلطنة عُمان متجاوزة العراقيل التي يمكن أن تنتهجها قطر.
الدلائل تشير إلى أن شبكة الغاز الخليجية سيتم إنجازها بأسرع وقت ممكن، فالتعاون الخليجي من دون النظام القطري الحالي يبدو أكثر انسجاماً وثقة وفعالية، إذ يمكن لقطر أن تنضم إلى هذه الشبكة متى ما تخلت عن دورها التخريبي والتحريضي في المنطقة، فالتعاون والتكامل الاقتصادي من الحساسية بحيث لا يستقيم مع غياب الثقة السائدة مع قطر بسبب ممارساتها وألاعيبها المزعزة للاستقرار والأمن واللذين من دونهما لا يمكن الحديث عن تعاون تنموي إقليمي مفيد وبناء.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد