كشف صحافي إسرائيلي معروف خلال الأسبوع الجاري ما قال «إنها تفاصيل جديدة بشأن خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية برعاية إدارة ترامب». وأوضح أن تقريره استند إلى ملاحظات حصل عليها من أحد قادة الجالية اليهودية في الولايات المتحدة كان جزئاً من مجموعة صغيرة من قادة الجالية أطلعهم مسؤول رفيع المستوى في الإدارة على التفاصيل قبل أسبوعين سابقين فقط.
ونظراً لأنني كنت قد سمعت عن ذلك اللقاء، وتكهّنت بحدوث «التسريب المتوقع»، كنت قد بدأت أقرأ وأنا متأهب للشعور بالغضب، لكنني بدلاً من ذلك وجدت أنني أشعر بطريقة ما بشيء بين الملل والتسلية بقراءة المحتوى. وفي الوقت ذاته، شعرت بالقلق، ليس بسبب ما قيل أو لم يقل في «الخطة»، وإنما بسبب ما اشتبهت أنه القصد من وراء التسريب!
وبعد انتظار دام قرابة عامين من أجل ما يُسمى ب«صفقة القرن»، تضمّنت ملاحظات التقرير المنشور نسخة مخفّفة مما كان قد عرضه رئيس الورزاء الإسرائيلي «إيهود باراك» على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل زهاء عقدين ماضيين وأقل مما عرضه وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» قبل عامين فقط. وتضمنت عناصر الاتفاق الدائم: إقامة دولة فلسطينية على 85 في المئة من الضفة الغربية مع تبادل أراض لتعويض الفلسطينيين عن التكتلات الاستيطانية في الضفة الغربية التي تضمها إسرائيل، ولن يتم إخلاء المستوطنات الإسرائيلية خارج تلك التكتلات على أن يتم إخلاء «التجمعات غير القانونية»، وسيتم تقسيم القدس، لتكون القدس الغربية من نصيب إسرائيل، ويحصل الفلسطينيون في المقابل على «بعض المناطق العربية» في القدس الشرقية، لكن المدينة القديمة والأماكن المقدسة فستظل تحت السيطرة الإسرائيلية. ولم يأت التقرير على ذكر غزة أو اللاجئين الفلسطينيين، ولم يكن هناك أي بند بخصوص السيادة الفلسطينية على الحدود أو الموارد.
وعندما قرأت الملاحظات، وجدت صعوبة في فهم أنه بعد عامين على وجود ترامب في منصبه، لم يخرج فريقه سوى بهذا المقترح المفاجئ والرديء بدرجة محرجة. وأتصور أنه كان عليهم أن يعلموا علم اليقين أنه لا توجد حكومة إسرائيلية سترغب في التنازل عن 85 في المئة من الضفة الغربية، ولا يمكن أن يقبل أي رئيس فلسطيني اتفاقاً يبقي سيادة إسرائيلية على مناطق في القدس المحتلة، ولا يتناول قضايا غزة واللاجئين أو السيادة. وبالنسبة للإسرائيلين، هذه الخطة تعطي الكثير، وبالنسبة للفلسطينيين، لا تعطي سوى القليل. لكن ما أثار فضولي كان التعليق الأخير في ملاحظات القائد اليهودي الذي أشار إلى أن المسؤول في البيت الأبيض، مصدر الخطة، حضّ الإسرائيليين على عدم رفضها، وأن يتركوا الفلسطينيين ليكونوا هم الطرف الرافض!
وبالنظر إلى أنه كان من الواضح تماماً أن الخطة لم تكن حلاً جاداً للصراع، لذا أتصور أنه كان هناك سبب آخر لإطلاق بالون الاختبار. والسبب الوحيد الذي يمكن أن أتخيله لكل من التسريب ولتحذير إسرائيل من رفض الخطة هو إظهار إدارة ترامب والإسرائيليين بالمنطقيين والمتحمسين لاستيعاب الفلسطينيين بحيث يمكن تسهيل مفاتحات الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه الدول العربية من أجل العمل بصورة أكثر انفتاحاً مع دولة الاحتلال. وربما كان يمكن تحقيق هذه النتيجة لولا تخريب مبادرة السلام العربية.
وكانت المبادرة العربية قد أعطت التزاماً عربياً بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن بعد أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة في حرب عام 1967، والتوصل إلى حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية. لكن من جانب آخر سيطالب «الاتفاق المُسرّب» الدول العربية بتطبيع العلاقات استناداً إلى خطة معيبة لن ترفضها إسرائيل غير أنها لن تطبقها أبداً. وبعد تطبيع العلاقات في نهاية المطاف سيظل «الفلسطينيون الرافضون» تحت نير الاحتلال!
وفي هذا السياق، من المهم أن نستذكر أنه بالنسبة للرئيس ترامب، لم تكن أبداً مسألة حقوق الفلسطينيين في حدّ ذاتها تشكل أي أولوية أو حتى مجرد اهتمام. وإن كانت تمثل شيئاً، فهي مجرّد مسألة مزعجة ينبغي التغلب عليها من أجل إبرام «صفقة القرن» التي تجمع العرب وإسرائيل. ويبدو أن الإدارة الأميركية تتصور أنه إذا لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق، فربما، فقط يمكن ممارسة خدعة! لكنه احتمال بعيد تماماً.
والمؤكد أن هذه المحاولة العرجاء ستفشل لأنها تقلل من تقدير القادة العرب وتتجاهل ما يعرفونه عن منطقتهم وشعوبهم. ومثلما أظهر استطلاع حديث للرأي أجريناه مؤخراً، أنه على رغم من القضايا المؤرقة في الشرق الأوسط كافة، لا تزال فلسطين محور اهتمام في أرجاء المنطقة، ولا تفريط بين العرب في هذه القضية، ولن يحدث أي تطبيع للعلاقات في جميع دول المنطقة مع إسرائيل إلى أن تُطبق بنود مبادرة السلام العربية كاملة. وحتى في ذلك الحين، سيكون التطبيع سلعة يصعب ترويجها. وربما يكون هناك تهديد تمثله الأيديولوجيات المتطرفة وإيران، لكن ما لم تدركه إدارة ترامب حتى الآن هو أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل من دون تحقيق عدالة حقيقية للفلسطينيين لن يكون سوى منحة لآلة الدعاية الإيرانية ولمُجنّدي المتطرفين.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد