أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الاتفاق النووي:

إيران والغرب..حسابات معقدة للمكسب والخسارة

17 يوليو، 2015


وقعت الأطراف المتفاوضة في "فيينا" يوم 14 يوليو 2015 اتفاقاً يقضي بتسوية الخلاف النووي بين إيران ودول مجموعة "5+1" بعد تمديد للعملية التفاوضية أسبوعين إضافيين عن الموعد الذي سبق إقراره خلال جولة "لوزان" التي أسفرت عن توقيع "اتفاق العمل الإطارى" يوم 2 أبريل الماضي.

وبموجب هذا الاتفاق، فإن على إيران تقديم حزمة من التنازلات بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، تستوجب وضع كافة أبعاده ومكوناته تحت إشراف دولي ومراقبة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من سلمية أهداف هذا البرنامج، مقابل رفع تدريجي للعقوبات عنها.

وعلى أثر ذلك، ستفتح إيران منشآتها النووية أمام المفتشين الدوليين، بما فى ذلك العسكرية منها، وتخفض أعداد أجهزة الطرد المركزي، وتتخلى عن أغلب مخزونها من اليورانيوم المخصب، فضلا عن التعاون بشأن سابق الأنشطة التي قامت بها في هذا المجال، مع استمرار حظر السلاح عنها، واستمرار العقوبات ضد "الحرس الثوري" والمؤسسات المرتبطة به، بالإضافة لاستمرار العقوبات المفروضة على خلفية ملف البرنامج الصاروخي، ووضعها على قوائم الدول الراعية للمنظمات الإرهابية.

وتتفاوت ردود الأفعال الإقليمية والدولية بشأن هذا الاتفاق، فرغم أنه سيجرى التصديق عليه بمجلس الأمن الدولى يوم 20 يوليو الجاري، ورغم كون هذا الإجراء شكلياً، نظراً لأن المفاوضات جرت بعيداً عن الأمم المتحدة؛ فإن بعض الدول الإقليمية بالشرق الأوسط، وعلى رأسها إسرائيل والسعودية – كل وفقاً لتوجهه ومصالحه – أبدت تخوفها من تداعيات هذا الاتفاق على السلوك المستقبلي للنظام الإيراني تجاه قضايا الشرق الأوسط. فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى "نتنياهو" على عدم اعتراف دولته بما ورد بهذا الاتفاق وعدم التزامها به في ظل استمرارية النهج العدائي الممنهج تجاه إسرائيل وبقائها.

وبادرت المملكة العربية السعودية بالإعلان عن استعداداها لمواجهة أي مسلك عدائي لإيران خلال الفترة القادمة بشكل حازم وفوري، وقام وزير خارجيتها "عادل الجبير" بزيارة للولايات المتحدة التقى خلالها بالرئيس "أوباما" ونظيره "جون كيري"، سعياً وراء الحصول على ضمانات أمريكية بعدم السماح بتوسع الدور الإيراني في المنطقة على حساب الحلفاء التقليديين لـ"واشنطن" في منطقة الخليج، خاصة مع وجود أطروحات عدة تناولت ذلك في سياق "براجماتية" السياسة الخارجية الأمريكية التي ترى في إيران العنصر الأكثر فعالية في معادلة الفوضى التي تعم الشرق الأوسط وتتواجد فيها إيران كعامل مشترك؛ الأمر الذي يطرحها بقوة كعنصر مؤثر في تسوية أي ملفات خلال المرحلة القادمة، خاصة فيما يتعلق بالملفين السوري والعراقي وما يرتبط بهما في مسألة تقويض ثم القضاء على التهديد الذي يمثله تنظيم "داعش"، وأهمية الدور الإيراني في الترتيبات اللاحقة على هذه المرحلة.

تقييم الحسابات والتوازنات الأمريكية

بالنظر للرؤية الأمريكية للاتفاق، فإنه من المهم جداً التفرقة بين وجهتي نظر الإدارة الديموقراطية وأعضاء الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون من هذا الإتفاق. فإدارة الرئيس "أوباما" ترى أهمية مرحلية في التوصل لصيغة تفاهم مع إيران وفتح حوار واسع المجال معها، وهذا لن يتأتى إلا في حالة التوصل لصيغة ما ترتبط بالمهدد الرئيسي الأول، والذي يتمثل – واقعياً – في ضبط إيقاع السلوك الإيراني، وفي القلب منه القضية النووية التي تدرك الولايات المتحدة أنها لا تمثل تهديداً آنياً لمصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجيين بالشرق الأوسط.

ولكن الاتفاق يحقق مكاسب تتجاوز مستوى تحجيم الطموحات النووية الإيرانية، فالرئيس "أوباما" الذي يقترب من إنهاء فترة ولايته الثانية يسعى لتكريس "آفاق جديدة" تعود بأبعاد إيجابية على المصالح الأمريكية وتعزز من وضعية الحزب الديموقراطي وفرص مرشحه القادم في الانتخابات الرئاسية القادمة من خلال استقطاب القواعد الشعبية الرافضة للدخول في مغامرات عسكرية جديدة بالشرق الأوسط من ناحية، وجذب الداعمين التقليديين للحزب الجمهوري من جماعات المصالح، وأبرزها تلك المرتبطة بقطاعي النفط والغاز، والمجمع الصناعي العسكري وما يرتبط به من قطاعات أخرى تعمل في مجال التكنولوجيا والطيران. وهذه الجماعات تتطلع لفرص حقيقية للنفاذ للأسواق الإيرانية التي تحتاج لإنفاق مليارات الدولارات التي سيجرى الإفراج عنها بموجب التخفيف من العقوبات، والتي تقدر مبدئياً بحوالي 100 مليار دولار، وتحتاجها إيران للاستثمار بشكل عاجل في القطاعات الحيوية التي تضررت جراء العقوبات الطويلة التي طالتها.

ويراهن الرئيس الأمريكي على تجاوز العقبات التي قد يضعها الكونجرس أمام إدارته أثناء التصويت على مضمون الاتفاق، وما سيتبع ذلك من مطالبات بتجميد بعض القرارات التي سبق للكونجرس إقرارها بشأن فرض العقوبات ضد إيران، وما سوف تضعه من ضغوط من جماعات المصالح المستفيدة من رفع هذه العقوبات على أعضاء الكونجرس، لاسيما من الجمهوريين الذين سيخوضون انتخابات التجديد الجزئي القادمة المواكبة لانتخابات الرئاسة الأمريكية، والذين قد يساندون الديموقراطيين الذين سيصوتون لصالح الاتفاق.

وفضلا عن ذلك، تبدو هناك فرص محدودة أمام إقدام الكونجرس على الدخول في أزمة مع البيت الأبيض، خاصة بعد تهديد الرئيس "باراك أوباما" باستخدام "الفيتو الرئاسي" في مواجهة أي محاولة لعرقلة إقرار الاتفاق، مما يؤكد اندفاع الإدارة الأمريكية نحو تثبيت ما تم التوصل إليه مع الطرف الإيراني.

وعلى الرغم مما تؤكده كافة المعطيات من أن الإدارة الأمريكية مقدمة على خطوة إيجابية نحو تطوير العلاقات مع إيران بعيداً عن التطبيع الرسمي مرحلياً؛ فإن "واشنطن" لاتزال بعيدة عن إعطاء إيران دور واسع في الشرق الأوسط نظراً لتشككها من إمكانية التزام "طهران" بالاتفاق الذي جرى توقيعه، لاسيما وأن القرار الإيراني له حسابات معقدة يصعب التنبؤ بها، لأن مسألة موازنة معادلة القوى هناك تدخل ضمن اختصاصات المرشد الأعلى الذي يتحسب بدوره من إمكانية وقوع مصادمات بين مراكز القوى في إيران على خلفية النتائج التي ستترتب على تطبيق الاتفاق؛ الأمر الذي قد يؤدي بإيران إلى عدم الالتزام، وهو ما سيضع الرئيس "أوباما" في موقف حرج رغم التقدير لذلك.

كما أن مسألة قلق الحلفاء العرب من مستقبل التقارب الإيراني ـ الغربي ورفع العقوبات تعد من العوامل التي تدخل ضمن الحسابات المعقدة لإدارة الرئيس "أوباما" رغم المكاسب التي ستتحقق للولايات المتحدة من خلال الدخول في حزمة جديدة من الاتفاقات الاستراتيجية مع دول الخليج العربي وبعض الأطراف الإقليمية الأخرى، وما ستتضمنه من صفقات تسلح نوعي جديدة.

وإضافة لذلك، فإنه على الإدارة الأمريكية أن تتحسب من أمر حيوي خلال الفترة القادمة، ويتمثل في أن إيران أصبحت رقماً هاماً في معادلة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة من خلال قدرتها على إثبات صحة التوجه الذي تبناه الرئيس الديموقراطي، وبالتالي الدفع بالديموقراطيين للاستمرار بالبيت الأبيض، أو إثبات وجهة نظر الجمهوريين ومن ورائهم الداعمين لإسرائيل، وبالتالى إنتاج إدارة جمهورية متشددة نتيجة لإخلال النظام الإيراني بتعهداته الواردة بالاتفاق.

ولذلك، فإن إيران واقعياً أصبح لديها القدرة على التأثير في القرار الأمريكي خلال الفترة القادمة، والتي تمثل حساسية شديدة للديموقراطيين كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، حيث ستزيد إيران من ضغوطها على الولايات المتحدة.

إيران.. حسابات المكسب والخسارة

أما في إيران، يبدو الموقف أكثر وضوحاً رغم تركيبته المعقدة، نظراً لتعدد مواقف الأطراف، فقد بادر الرئيس الإصلاحي "حسن روحاني" في نفس يوم التوقيع على الاتفاق – في خطوة استباقية – بإلقاء كلمة حول نجاح إيران في ظل رئاسته في تحقيق تقدم نوعي وغير مسبوق بشأن تسوية أزمتها مع الغرب. وبالنسبة لمن يدرك التعقيدات المحيطة بتركيبة نظام الحكم في إيران والتوازنات المحيطة بها، فلا شك أن "روحاني" قد ورط النظام في القبول بالاتفاق رغم إدراكه لوجود ثغرات فيه تتجاوز الخطوط الحمراء لأطراف رئيسية داخل معادلة الحكم بإيران. كما دفع بخطابه هذا جموع المؤيدين للشوارع للاحتفال بالإنجاز ورفع سقف الطموحات لدى هؤلاء بانتهاء العزلة والحصار، الأمر الذي يضع ضغوطاً على المحافظين بكافة أطيافهم حال سعيهم لتقويض ما تحقق عبر المفاوض الإيراني.

لذلك، وفي خطوة اختلفت عن سابقتها، سارع المرشد الأعلى "علي خامنئي" في اليوم التالي للتوقيع إلى محاولة موازنة الموقف، خاصة مع استباق الآلة الإعلامية للمحافظين بانتقاد الاتفاق، وهو ما أعطى للمرشد مؤشراً لا ريب فيه من إمكانية الدخول في أزمة حقيقية قد تؤدي به لضرورة تحديد موقفه بالانحياز لأحد الطرفين، وبالتالي القبول أو الرفض الكامل للاتفاق، وهو ترجيح نهائي لا يحتمل التراجع عنه، وهو نهج بعيد كل البعد عن منهاج "خامنئي" الساعي دائماً لاستمرار الصراع بين الأطراف داخل منظومة الحكم وبقاءه هو كعنصر مرجح، مما يعطيه فرصة المناورة بكل طرف وفقاً لمقتضيات الموقف، خاصة أن الرئيس "روحاني" قد زاره عقب التوقيع على الاتفاق لمحاولة استمالته لإقرار الإتفاق، في حين أن "خامنئي" قد أثنى على جهود المفاوضين وشكك في الوقت ذاته من إمكانية الوثوق ببعض الأطراف المقابلة.

وتكمن الإشكالية هنا في أن الأطراف التي تبدو متصارعة في إيران تخضع في نهاية الأمر لمنظومة محكمة تؤدي بها في النهاية للقبول بما يقرره المرشد "خامنئي"، وبالتالي فإن الصراع واقعه مطلوب من جانب مؤسسة الإرشاد التي ترى فيه تكريساً لوضعيتها، خاصة وأن كافة مؤسسات النظام الفاعلة في الأمور السياسية الداخلية والخارجية خاضعة لتوجيهات "الولي الفقيه". لذلك، فإن قرار "خامنئي" بضرورة إخضاع الاتفاق لرأي المشرع (ويقصد به هنا "مجلس الشورى الإسلامي" الذي يسيطر عليه المحافظون) يؤشر أولاً إلى موازنة اعتماد الإصلاحيين على الشارع نظراً لافتقادهم الأغلبية البرلمانية، وبالتالي وجود رأي شعبي آخر يمثله نواب الشعب يعارض الاتفاق، وثانياً التلويح من بعيد بخطوة موازية للبيت الأبيض بالضغط على الكونجرس المعارض للاتفاق حتى يضغط هو بدوره على النواب المحافظين المعارضين للاتفاق.

من جانب آخر يدرك "خامنئي" بأنه حال إجازته للاتفاق، فإن عليه أن يضمن للمؤسسة الرئيسية التي يعتمد عليها في تثبيت نظام الحكم في إيران مصالحها التي اكتسبتها على مدى حكم النظام الإسلامي بإيران، وهي مؤسسة "الحرس الثوري" التي يستشعر قادتها بإمكانية تراجع نفوذهم في مقابل المؤسسات المدنية التابعة للدولة بعدما كانوا يسيطرون على مفاصل اقتصاد الدولة الإيرانية، خاصة قطاعات النفط والغاز والإنشاءات وقطاع الطيران المدني، فضلا عن كون الحرس الثوري هو المنفذ الحقيقي للسياسة الخارجية الإيرانية من خلال تواجده في الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وفي هذا السياق، فإن الحرس الثوري يقوم من خلال المؤسسات المحافظة، ومنها الإعلام، بوضع مزيد من الضغوط ليس على الإصلاحيين فقط، ولكن واقعياً على المرشد "خامنئي"، وإن كان بأسلوب غير مباشر من خلال تفنيد تجاوز مضمون الاتفاق للخطوط الحمراء التي سبق لـ"خامنئي" التوجيه بعدم الخوض فيها كونها غير قابلة للتفاوض – رغم إدراك هؤلاء لكون المفاوضين غير مخولين للخوض فيها دون الحصول على موافقة المرشد – في محاولة لإحراجه أمام دوائر النظام سعياً وراء محاولة تحقيق مكاسب تعوض الخسائر المتوقعة.

وتتمثل هذه النقاط التي يطرحها المحافظون كأدوات للضغط في الآتي:

1 ـ تضمن الاتفاق تحديد عشر سنوات لإبطاء وتيرة البرنامج النووي الإيراني، في حين أن "خامنئي" قد سبق له التأكيد على عدم قبول إيران لأي إتفاقات طويلة المدى تقوض من فرص تطوير البرنامج النووي.


2 ـ الرفض السابق للمرشد بتفتيش المنشآت النووية العسكرية، بينما جاء الاتفاق ليقضي بذلك، ومنها موقع "بارشين" العسكري.

3 ـ تحجيم التخصيب بمنشأة "فوردو" رغم سابق رفض "خامنئي" ذلك.

4 ـ اشتراط الرفع الفوري للعقوبات، وهو ما لم يحدث، لأن الاتفاق نص على رفعها تدريجياً.

5 ـ إبداء "خامنئي" في مناسبات عدة عدم الثقة بنزاهة دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين أن الاتفاق يعطي الوكالة ومفتشيها دوراً واسعاً في مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية، وكذلك عارض المرشد سابقاً تخفيض أعداد أجهزة الطرد المركزي، إلا أن الاتفاق يقضي بنقيض ذلك.

من هنا، فإن مسألة إنهاء الخلاف حول الملف النووي الإيراني تتجاوز في أبعادها هذه القضية من حيث الأبعاد السياسية والتقنية لدى الجانبين لما هو أبعد من ذلك، لاسيما بالنسبة للنظام الحاكم في إيران، والذي يستمد مشروعيته منذ الثورة عام 1979 من مجموعة من الشعارات التى ارتبطت بصك النظام مصطلح "مقاومة الاستكبار".

وعليه، فإن الإبقاء على هذا الشعار "الأيقونة" يمثل الفرصة الحقيقية لاستمرارية النظام ومنهاجه الأيديولوجي، وأي تعديل على ذلك سيؤدي بالتبعية لتفريغ النظرية والحالة الثورية المرتبطة بها من مضمونها؛ وبالتالي بدء الانهيار التدريجي لمصفوفة النظام والمصالح المتراصة المرتبطة به؛ وهو ما يشير واقعياً إلى أن القضية تتجاوز إقرار النظام للاتفاق من عدمه لأن مسألة الالتزام بتنفيذ بنوده التي هي في الواقع خاضعة للعديد من الاعتبارات قد تؤدي لهدمه من الأساس، وعلى رأس هذه الاعتبارات إمكانية عرقلة "الحرس الثوري" لتفتيش المنشآت التابعة له، وهو ما يستدعي إيجاد صيغة تفاهم متكاملة داخل النظام تحافظ على مصالح مراكز الثقل فيه وبضمان من المرشد.

هل حققت إيران مكاسب مقبولة أم لا؟

بعيداً عن كافة التعقيدات السابقة، فإن الدولة الإيرانية قد حققت عديداً من المكاسب جراء عملية التفاوض الطويلة التي خاضتها مع دول مجموعة "5+1" على مدى عامين، بدأت بشكل جدي عام 2013 رغم سابق الجولات التي لم تؤتِ بثمار إيجابية نتيجة افتقاد الإرادة السياسية لذلك، ومن أبرز هذه المكاسب ما يلى:ـ

1 ـ نجاح النظام في الحصول على مشروعية دولية من خلال المفاوضات المباشرة المستمرة مع عدد من الدول التي طالما عملت بشكل عدائي ضده، لاسيما الولايات المتحدة، فضلا عن الاعتراف الدولي بشرعية البرنامج النووي الإيراني والحقوق النووية السلمية لإيران، والحفاظ بالتالي على غالبية المكتسبات التي حققها البرنامج.

2 ـ تحييد إسرائيل بعيداً عن التأثير على مسار العملية التفاوضية خلال مراحلها المختلفة، وإبعاد الولايات المتحدة عن الوقوع تحت تأثير الدعايات الإسرائيلية التي دأبت على التشكيك في نوايا النظام الإيراني تجاهها.

3 ـ تحديد الخيارات والبدائل للمسار التفاوضي في العمل العسكري، الأمر الذي أسهم في إقرار الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، للنهج التفاوضي كخيار وحيد لتسوية الملف النووي نظراً لارتفاع كلفة البديل الآخر، ومحدودية فرص نجاحه في إرساء الاستقرار بالشرق الأوسط، والذي أسهمت إيران في إشعاله لخدمة مسار العملية التفاوضية.

4 ـ تسويق النظام الإيراني للاتفاق داخلياً باعتباره نصراً يحسب للنهج الثوري الذي يتبناه النظام، مستغلاً الرغبة الشعبية في الخروج من الأزمة بأي ثمن ممكن.

التمدد الإيراني.. إلى أين؟

ارتباطاً بما تقدم، فإنه سواء التزم النظام الإيراني بالمقررات الواردة بالاتفاق النووي مع القوى الغربية من عدمه، فإن المكسب الأكثر أهمية يتمثل في نجاحه بإيجاد عنصر مساومة حقيقي في مواجهة الولايات المتحدة للتغاضي عن سلوكه تجاه عديد من قضايا المنطقة، مستغلا رغبة "واشنطن في إنجاح الاتفاق من ناحية، والتسويق لذلك في مواجهة المعارضة الجمهورية من ناحية أخرى. فضلا عن إمكانية استعانة الولايات المتحدة بالنفوذ والقدرات الإيرانية لضبط الإيقاع في منطقتي المشرق العربي والخليج العربي في ظل وجود نقاط تماس عديدة بين المصالح الأمريكية والإيرانية، وبما يطرح إيران – مرحلياً – كعامل مساعد لتسوية هذه القضايا، خاصة في سوريا والعراق، مقابل ضغط أمريكي على السعودية لتسوية الملف اليمني، الأمر الذي ينبئ بإقدام النظام الإيراني على محاولة تكريس نفوذه ورفع وتيرة تدخله في قضايا المنطقة بشكل أكثر حدة خلال المرحلة القادمة.

ونظراً لإدراك الولايات المتحدة لهذه الأبعاد، فإنها ستسعى إلى موازنة هذا التمدد المتوقع وإمكانية اتسام السلوك الإيراني بمزيد من العدوانية في محاولة لفرض أمر واقع جديد من خلال الإقدام على دعم القدرات العسكرية للحلفاء من دول الخليج العربي، وكذا دعم أنشطة المعارضة الإيرانية سياسياً لتشكيل عنصر ضاغط على النظام الإيراني وتطلعاته، وإن كان العامل الأكثر تأثيراً على النظام في إيران يكمن في المديين المتوسط والبعيد في إمكانية توقع حدوث تحلل في التركيبة الداخلية للمجتمع الإيراني جراء الاندفاع لمسايرة التوافد الغربي على إيران حال عدم قدرة النظام على السيطرة عليه، أو الإخلال المتعمد ببنود الاتفاق للجم هذا الاندفاع.