لم تنجح حكومة الرئيس حسن روحاني، حتى الآن، في تمرير المشروع الذي قدمته إلى مجلس الشورى الإسلامي والخاص بمكافحة غسل الأموال ومنع تمويل الإرهاب، بعد أن أجل الأخير النقاش حوله لمدة شهرين, قبل أن ينخرط المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي في الجدل الذي تصاعد حوله بتأكيده "عدم الحاجة إلى الانضمام لاتفاقيات لا يعرف عمق أهدافها" خلال اجتماعه بنواب المجلس في 20 يونيو الجاري.
ورغم أن البرلمان برر تأجيل المشروع بحاجته إلى مزيد من النقاش والتعديل، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات المستمرة بين الحكومة من ناحية وتيار المحافظين الأصوليين إلى جانب الحرس الثوري من ناحية أخرى، حول الخيارات المتاحة أمام إيران للتعامل مع تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لم تكن بعيدة عن هذا القرار الذي اعتبرته الحكومة ضربة قوية للجهود التي تبذلها من أجل تعزيز احتمالات مواصلة العمل بالاتفاق النووي حتى بعد الخطوة الأخيرة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاهه.
اعتبارات عديدة:
سعى تيار المحافظين الأصوليين من البداية إلى عرقلة مساعي الحكومة لتمرير المشروع الجديد الخاص بمنع تمويل الإرهاب وغسل الأموال داخل مجلس الشورى، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- استحقاقات مضادة: اعتبر بعض أقطاب تيار المحافظين الأصوليين أن تمرير هذا المشروع يمكن أن يعرقل الجهود التي تبذلها إيران من أجل الحفاظ على دعمها للميليشيات الإرهابية المنتشرة في بعض دول الأزمات، خاصة حزب الله اللبناني والميليشيات التي كونتها إيران لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب التنظيمات المسلحة في العراق واليمن وغيرها.
وفي رؤية هذا الاتجاه، فإن تمرير هذا المشروع، الذي سيساعد إيران على الانضمام إلى مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال "FATF"، سوف يلقي بمزيد من الأضواء على المساعدات التي تقدمها إيران لتلك المنظمات التي بات بعضها مصنفًا من قبل بعض القوى الدولية والإقليمية كتنظيم إرهابي، وسيضع حدودًا لمدى قدرة إيران على الاستمرار في تعزيز تمددها في الإقليم.
وقد كان لافتًا أن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية وضعت، خلال اجتماعها في 30 مايو 2018، شروطًا عديدة لقبول الانضمام إلى المعاهدات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب، على غرار اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب "TFC"، جاء في مقدمتها التحفظ على تعريف "العمل الإرهابي" والفصل بينه وبين ما تسميه بـ"المقاومة المشروعة"، وهى الإطار الذي تحاول من خلاله إيران تبرير إقدامها على تقديم مساعدات لتلك التنظيمات الموجودة في دول الأزمات.
وهنا، فإن إيران لا تسعى فقط إلى مواجهة الضغوط التي تتعرض لها من جانب القوى الدولية والإقليمية المعنية بأزمات المنطقة، والتي تتهمها بدعم الإرهاب والتسبب في نشر الفوضى وعدم الاستقرار وعرقلة جهود تسوية الأزمات الإقليمية المختلفة، وإنما إلى تمرير هذا الدعم على الساحة الداخلية، بعد أن بات أحد أهم العوامل التي تسببت في اندلاع احتجاجات عديدة في بعض المدن الرئيسية، لم يعد منظموها يفصلون بين تردي الأوضاع المعيشية واستنزاف الخزينة الإيرانية في مغامرات خارجية لا طائل منها.
ولذا، يتوقع أن يواجه المشروع، حتى في حالة إقراره من جانب البرلمان، تحديًا آخر يتمثل في المرور من "مقصلة" مجلس صيانة الدستور، الذي يمتلك سلطة البت في تشريعات البرلمان، ويتبنى توجهات متشددة إزاء التعامل مع مثل تلك النوعية من الملفات.
2- توسيع هامش المناورة: يرى المحافظون الأصوليون أن تأجيل البت في مشروع الحكومة يمكن أن يعزز من موقعها التفاوضي مع الدول الأوروبية، التي تسعى، حسب تصريحات مسئولي الحكومة، إلى مواصلة العمل بالاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي. ووفقًا لذلك، فإن مجرد الإسراع في تمرير المشروع والانضمام إلى الاتفاقية الدولية يمكن أن يوجه "رسائل خاطئة" إلى الأوروبيين بأن الضغوط التي تتعرض لها إيران تدفعها دومًا إلى تبني سياسة أكثر مرونة تستجيب من خلالها لبعض التحفظات التي تبديها الدول الأوروبية تجاه الدعم الذي تقدمه إيران للتنظيمات المسلحة الموجودة في بعض دول المنطقة.
وهنا، فإن المحافظين يحاولون الرد على الحملة التي نظمتها حكومة الرئيس روحاني من أجل الترويج للتداعيات الإيجابية التي يمكن أن تفرضها مصادقة مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور على المشروع والانضمام إلى الاتفاقية الدولية على مصالح إيران. إذ قال مساعد وزير الخارجية للشئون الدولية عباس عراقجي خلال حضوره جلسة لمجلس الشورى خصصت لمناقشة المشروع، في 20 مايو الماضي، أن "المساعدة التي يمكن أن تقدمها الدول الأوروبية لمواصلة العمل بالاتفاق النووي سوف ترتبط بانضمام إيران إلى معاهدة FATF".
وقد بدأ تيار المحافظين في استغلال عدم قدرة الدول الأوروبية على إقناع الشركات الأوروبية بمواصلة العمل داخل إيران بعد أن عزفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن منحها إعفاءات من العقوبات التي ستفرضها على إيران خلال المرحلة القادمة، من أجل تأكيد أن تقديم "حوافز" للدول الأوروبية، على غرار الانضمام إلى تلك المعاهدة، قبل أن ينجح الأوروبيون في تعزيز استمرار العمل بالاتفاق، من شأنه الإضرار بمصالح إيران، على أساس أن هذه الخطوة سوف تضع قيودًا على الأنشطة الخارجية التي يقوم بها "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري المسئول عن العمليات الخارجية.
3- قلق من توجهات الحكومة: تزعم اتجاهات عديدة أن حكومة الرئيس روحاني تحاول الدخول في مفاوضات مع الدول الأوروبية حول بعض الملفات الإقليمية، من أجل دعم قدرتها على اتخاذ إجراءات لتعزيز فرص استمرار تطبيق الاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة. ومن هنا يمكن تفسير تركيز المرشد الأعلى علي خامنئي والمسئولين العسكريين على تأكيد رفض إجراء مفاوضات حول هذه الملفات، باعتبار أن ذلك يمثل، في رؤيتهم، مدخلاً لتقليص نفوذ وتمدد إيران في المنطقة.
ولذا لم تحظ تصريحات مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي، في 29 مايو 2018، والتي قال فيها أن "إيران لن تجري مفاوضات مع الدول الأوروبية بشأن نفوذها في المنطقة إلا حول اليمن"، بقبول من جانب تيار المحافظين، الذي أبدى استياءه قبل ذلك أيضًا إزاء ما أسمته الحكومة بـ"المشاورات السياسية" التي جرت مع الدول الأوروبية حول الملف اليمني في روما في 3 مايو الفائت، باعتبار أن ذلك يخرج عن صميم سلطات الحكومة، خاصة أن هذه الملفات تخضع لإشراف القيادة العليا والمؤسسات العسكرية والأمنية النافذة في النظام.
من هنا، يمكن القول إن إيران سوف تشهد تصاعدًا في حدة الصراعات السياسية بين الحكومة وخصومها السياسيين خلال المرحلة القادمة، على ضوء اتساع نطاق الخلافات حول الملفات التي ترتبط بالمسارات المحتملة للاتفاق النووي، رغم حرص الحكومة في الوقت نفسه على تأكيد التزامها بتوجهات القيادة العليا في النظام، الخاصة بعدم الاستمرار في الالتزام ببنود الاتفاق النووي في حالة عدم حصول إيران على العوائد الاقتصادية المتوقعة منه.