أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تيار ثالث:

دور الأصوليين الجدد في انتخابات إيران

24 فبراير، 2016


يسعى تيار المعتدلين، الذي يضم الإصلاحيين والمحافظين التقليديين، إلى تحقيق نتائج بارزة في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي التي سوف تجرى بالتزامن مع انتخابات مجلس الخبراء في 26 فبراير الحالي. ورغم إدراك تيار المعتدلين للعقبات العديدة التي تقف أمامه، لاسيما فيما يتعلق برفض مجلس صيانة الدستور لعدد كبير من مرشحيه، والحملات القوية التي يشنها تيار المحافظين الأصوليين إلى جانب المؤسسات النافذة مثل الحرس الثوري ووسائل الإعلام القريبة من مكتب المرشد والحرس على غرار صحيفة "كيهان" وموقع "رجا نيوز"، إلا أنه يحاول تحقيق أهدافه من خلال تبني آليات جديدة لم تكن موجودة من قبل.

سياسات المعتدلين

يتمثل أهم آليات المعتدلين في التنسيق مع كوادر بارزة داخل تيار المحافظين الأصوليين، من أجل العمل على إحداث انقسام داخل هذا التيار، بشكل يمكن أن يُضعف من احتمالات ظهور كتلة محافظة واحدة وكبيرة في الدورة الجديدة للبرلمان. ويُعَّول المعتدلون، في هذا السياق، على بروز جناح سياسي جديد داخل تيار المحافظين الأصوليين، يمكن تسميته بـ"الأصوليين الجدد" الذين يتبنون رؤى وسياسات تتباين بدرجة ما، مع الاتجاهات العامة التي يتبعها تيار المحافظين الأصوليين.

وربما يؤشر ذلك إلى حدوث تغيير ملحوظ في السياسات التي كان يتبعها المعتدلون في الفترة الماضية، خاصةً في التعامل مع الأزمات التي تسبب فيها مجلس صيانة الدستور برفضه لترشيحات كثير من كوادرهم وأنصارهم، حيث بدأوا في إدراك أن الانسحاب من الانتخابات والعزوف عن المشاركة فيها، سواء من خلال التصويت أو الترشيح، كان يصب في صالح المحافظين الأصوليين، الذين كانوا يسيطرون على معظم المؤسسات بسبب انسحاب المعتدلين من المنافسة.

ويبدو أن ذلك هو ما دفع المعتدلين إلى الإصرار على ترشيح عدد كبير من المستقلين القريبين من رؤاهم وسياساتهم، والتنسيق مع الأصوليين الجدد الذين قد يتجهون تدريجياً نحو تشكيل تيار ثالث في إيران بين المعتدلين والمحافظين. كما أنهم اتجهوا إلى حث أنصار تيار المعتدلين على التصويت بكثافة في الانتخابات، خاصةً في العاصمة طهران، التي يعول عليها المعتدلون في تحقيق نتائج بارزة، باعتبار أن نسبة المشاركة السياسية العالية تأتي دائماً في صالح المرشحين المعتدلين.

توجهات الأصوليين الجدد

يقود التيار الأصولي الجديد رئيس مجلس الشورى الحالي "علي لاريجاني"، الذي يُبدي باستمرار تحفظات عديدة على السياسة المتشددة التي يتبناها المحافظون الأصوليون، ويسعى في كثير من الأحيان إلى دعم الإجراءات التي تتخذها حكومة الرئيس "حسن روحاني"، وهو ما بدا جلياً في عملية التصويت على الاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015 وبدأ تنفيذه لاحقاً في يناير 2016، في مجلس الشورى، حيث كان موقف "لاريجاني" سبباً رئيسياً في تمرير الاتفاق دون مشاكل كبيرة داخل البرلمان، وهو ما تسبب في دفع بعض النواب الأصوليين إلى توجيه انتقادات قوية للاريجاني لدعمه سياسات الحكومة الحالية.

كما يمثل "علي مطهري"، وهو ابن رجل الدين البارز "آية الله مرتضي مطهري" الذي يعتبر منظر الثورة الإسلامية في إيران وصهر "علي لاريجاني"، أحد الأعضاء البارزين الذين سعى المعتدلون إلى التنسيق معهم، خاصةً في ظل الانتقادات القوية التي يوجهها إلى المحافظين الأصوليين والمؤسسات السياسية والأمنية التي يسيطرون عليها، وعلى رأسها مجلس صيانة الدستور، وهو ما دفع الأخير إلى رفض ترشيحه في الانتخابات القادمة، قبل أن يغير موقفه في مرحلة التصفية الثانية للمرشحين.

ويبدو الأصوليون الجدد أقرب إلى التوجهات العامة التي تتبناها حكومة الرئيس "روحاني"، حيث أنهم يحرصون على تأكيد التزامهم بالثوابت التي يعتمد عليها نظام الجمهورية الإسلامية، لكنهم في الوقت نفسه يؤيدون الانفتاح على الخارج وتوسيع هامش الحريات العامة وإفساح المجال للقطاع الخاص، على حساب الشركات التي تعمل لصالح بعض المؤسسات العسكرية على غرار الحرس الثوري، كما يدعون إلى تبني سياسة أكثر اعتدالاً مع الإصلاحيين الذين يتهمهم النظام بتدبير ما يُسمى بـ"فتنة عام 2009"، والتي تشير إلى حركة الاحتجاجات التي قادها الإصلاحيون لرفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في هذا العام وأسفرت حينها عن فوز الرئيس السابق "أحمدي نجاد" بفترة رئاسية ثانية.

وفي هذا السياق، دعا "علي مطهري"، أكثر من مرة، إلى رفع الإقامة الجبرية على زعيمي تلك الاحتجاجات وهما المرشحان الخاسران في الانتخابات الرئاسية عام 2009 "مير حسين موسوي" و"مهدي كروبي"، وهو ما دفع المحافظين الأصوليين إلى توجيه انتقادات قوية لمطهري، بل إنه تعرض لاعتداءات متعددة من قبل أنصارهم، مثلما حدث في مدينة شيراز في مارس 2015.

هدفان رئيسيان للمعتدلين

يبدو أن المعتدلين يسعون، من خلال التنسيق مع كوادر الأصوليين الجدد في الانتخابات القادمة، إلى تحقيق هدفين رئيسيين، هما:

1- منع المحافظين الأصوليين من تشكيل كتلة كبيرة وقوية في الدورة الجديدة لمجلس الشورى، من خلال تصعيد حدة التنافس فيما بينهم ودفعهم إلى تكوين أكثر من جناح سياسي داخل البرلمان. وبعبارة أخرى، يحاول المعتدلون الرد على إقصاء مجلس صيانة الدستور لعدد كبير من مرشحيهم من خلال منع المحافظين الأصوليين من السيطرة بشكل مطلق على البرلمان في دورته الجديدة.

2- دعم قدرة حكومة "روحاني" على تمرير مشروعاتها في البرلمان خلال دورته الجديدة، من خلال التنسيق مع الأصوليين الجدد من أجل مواجهة أي رفض محتمل من جانب المحافظين الأصوليين لهذه المشروعات، خاصةً في ظل حالة التحفز التي يبدو عليها المحافظون الأصوليون في الوقت الحالي، الذين يتحينون الفرصة لعرقلة الجهود التي يبذلها "روحاني" من أجل استثمار رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بعد الوصول للاتفاق النووي في تعزيز نفوذ تيار المعتدلين الذي يقوده داخل مؤسسات الدولة.

تحركات مضادة

ما سبق لا ينفي في مجمله أن هذه الخطوات التي اتخذها المعتدلون والأصوليون الجدد، ربما تدفع المحافظين الأصوليين إلى شن مزيد من حملات الانتقاد والتشويه ضدهم، بهدف تقليص قدرتهم على تحقيق نتائج بارزة في الانتخابات. بل إن اتجاهات عديدة بدأت تشير في الوقت الحالي إلى أن المحافظين الأصوليين يستعدون لطرح اسم مرشح منافس لـ"علي لاريجاني" على رئاسة المجلس، خلال الدورة الجديدة، وهو "غلام علي حداد عادل" رئيس مجلس الشورى السابق والنائب البارز في تكتل الأصوليين في البرلمان، والذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع المرشد خامنئي، وهو ما يمكن أن يضع عقبات جديدة، في حالة حدوثه، أمام حكومة روحاني في الفترة المتبقية من ولايته الرئاسية.

ولاشك أن الصراع السياسي المتصاعد داخل إيران في الفترة الحالية، لا ينفي أن الحسابات الخاصة بالمرشد الأعلى "على خامنئي" سوف يكون لها دور بارز في تحديد توازنات القوى السياسية داخل البرلمان، خلال دورته الجديدة، وهو ما سوف تكشف عنه نتائج الانتخابات التي سوف تكون اختباراً حقيقياً لمدى قدرة المعتدلين على مواصلة جهودهم للعودة مرة أخرى إلى السلطة.