مر عام 2017 بخيره وشره، وأتخير من أحداث العام ثلاثة تقع كلها في شريحة التطورات السلبية، فعلى الصعيد العربي أتخير أزمة النظام القطري مع محيطيه الخليجي والعربي والتي وإن كانت قد تفجرت في يونيو، إلا أن جذورها تمتد إلى العقد الأخير من القرن الماضي بعد الانقلاب الذي أفضى إلى تدشين سياسة قطرية جديدة تسعى لدور قيادي توظف فيه وفوراتها المالية الطائلة في تأسيس ذراع إعلامية لخدمة هذا الدور وإنجاز الوساطات في النزاعات العربية بالإغراءات المالية ولاحقاً في تمويل عمليات التخريب السياسي لخدمة مشروع بالإسلام السياسي خاصة بعد أحداث ما سُمي «الربيع العربي»، وفي البدء طال التخريب السياسي دولاً كمصر ثم الانتقال لاحقاً لدول الخليج ذاتها، وقد جرت عدة محاولات من قِبَلها لوقف هذه الممارسات دون جدوى، فقد ثابر النظام القطري على ممارساته حتى تفجرت الأزمة الراهنة في منتصف 2017 والتي أدت إلى قطع الدول الثلاث بالإضافة إلى مصر، علاقاتها بالدوحة. وساعدت مواقف انتهازية دولية النظام القطري على المضي في غيه، ومن جانبها تمسكت الدول المقاطعة بمواقفها لأن الأمن والاستقرار لا يحتملان أي تهاون، ولا شك أن الأزمة قد أحدثت شرخاً في مجلس التعاون الخليجي لن يلتئم إلا بتغيير جذري في سياسات النظام القطري.
وعلى الصعيد الإقليمي ازداد بروز الدور التركي في المجال العربي، فكان تدخل تركيا في الشؤون العربية لافتاً، وكان بعضه برضا طرف عربي، كتدخلها العسكري في قطر، وخطواتها الأخيرة في السودان، وبعضه كان صراعياً كتدخلها العسكري في سوريا والعراق، وعلاقتها بجماعة «الإخوان» الإرهابية. وفي الحالتين كان أثر هذا التدخل التركي ملموساً على الأمن العربي، خاصة في قطر وليبيا. غير أن التطورات الأخيرة في العلاقات التركية السودانية تستحق وقفة، إذ نجد أنفسنا للمرة الأولى أمام تطورات يتوقع أن تفضي إلى قاعدة عسكرية تركية في موقع بالغ الحساسية بالنسبة لأمن البحر الأحمر عامة والأمنين المصري والسعودي خاصة، وذلك بعد أن أعطى السودان تركيا حق ترميم جزيرة «سواكن» وإدارتها لمدة غير محددة.
وعلى الصعيد العالمي لا شك أن القرار الصادم الأبرز كان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقد مثل هذا القرار خطراً داهماً على القضية الفلسطينية بقدر ما يثير احتمالات تسويتها على نحو بالغ الإجحاف ليس بالحقوق الفلسطينية فحسب وإنما بحقوق أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية كافة، غير أن القرار حمل معه أيضاً فرصة توليد الاستجابة المناسبة للاستفزاز الذي مثله للشعب الفلسطيني والأمة العربية والعالم الإسلامي وأتباع الديانة المسيحية، وقد كان؛ فانتفض الشعب الفلسطيني وانتشرت المظاهرات الرافضة في البلدان العربية والإسلامية وأعلنت السلطة الفلسطينية نهاية أي دور محتمل للإدارة الأميركية في عملية التسوية، وتقدمت مصر بمشروع قرار لمجلس الأمن صحيح أنه لم يُقَر بسبب الفيتو الأميركي، لكنه حصد موافقة باقي أعضاء مجلس الأمن دون استثناء مما أكسبه أهمية سياسية فائقة دفعت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة إلى تهديد الدول الأعضاء التي ستصوت بالموافقة على مشروع القرار المُقدم للغرض نفسه إلى الجمعية العامة، غير أن سبع دول فحسب غير الولايات المتحدة وإسرائيل اعترضت على مشروع القرار الذي حظي بموافقة 128 دولة في إشارة لفقدان الولايات المتحدة المقوم المعنوي لدورها القيادي في العالم، غير أن هذا كله على أهميته لا يكفي وإنما ثمة نقلة نوعية مطلوبة في العمل الفلسطيني والعربي.
هكذا شهد عام 2017 استمراراً بل تفاقماً للتحديات التي تواجه العرب منذ سنوات على الرغم من تحقيق انتصارات لا شك فيها كتصفية دولة «داعش» المزعومة، لكن بقايا الإرهاب مازالت قادرة على التهديد كما أن خطر التفكيك في الوطن العربي مازال قائماً والقوى الإقليمية المحيطة به مازالت تحاول استباحته ناهيك بتحدي السياسة الراهنة للرئيس الأميركي، ويعني هذا أن عام 2018 لن يكون للأسف عاماً سياسياً سعيداً وإنما مُحَملاً بتحديات جسيمة يتعين علينا أن نواجهها.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد