يبدو أن تنظيم "داعش" في أفغانستان يسير على درب التنظيم الأم في العراق وسوريا، خاصة فيما يتعلق باستهداف الطائفة الشيعية، وهو ما يعود إلى رغبة التنظيم في "توسيع النشاط العملياتي" في بؤر عدة، وكذلك "التأكيد على الثبات الفكري"، كما أن تصاعد استهداف الشيعة يساعده في "جذب عناصر جديدة"، في ظل حاجته إلى موارد بشرية تساعده في الانتشار، كما أن ذلك الاستهداف يُعد بمثابة "عمليات انتقامية" لما حدث لمقاتلي التنظيم في العراق وسوريا، ويساعده في ذلك سهولة الاستهداف عبر ما يمكن تسميته بـ"الهدف الرخو"، وأخيرًا فإن ذلك الاستهداف يمكن أن يمنح التنظيم "تمددًا جغرافيًّا" في مناطق جديدة.
ويبدو أن التنظيم سيظل يمارس هذا الاستهداف، الأمر الذي يُشير إلى احتمالية أن تشهد البلاد موجة عنف قادمة يقودها التنظيم، لا سيما في ظل حرصه على الانتشار داخل وخارج أفغانستان.
ومنذ ظهور تنظيم "داعش" في أفغانستان وهو يستهدف الطائفة الشيعية في البلاد من خلال الهجمات الإرهابية، وقد زاد معدل تلك الهجمات مؤخرًا، وكان من أشهرها الهجوم الانتحاري الذي استهدف مسجدًا للشيعة الهزارة، في مدينة هرات غربي أفغانستان، في مطلع أغسطس الجاري، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 30 شخصًا، وإصابة العشرات بجراح، الأمر الذي يطرح عددًا من التساؤلات حول أسباب تركيز ما يُعرف بتنظيم "ولاية خراسان" على استهداف أبناء الطائفة الشيعية في أفغانستان، لا سيما في ظل تمدده، وقدرته على امتصاص الضربات، والتي كان من أشهرها ضرب أحد معاقله في منطقة "نانجرهار" بـ"أم القنابل"، في أبريل 2017، ورغم ذلك لا يزال قادرًا على الاحتفاظ بقوته وحيويته.
من جهة ثانية، فإن هذا الاستهداف يأتي في الوقت الذي تخفف فيه منافسته التقليدية "حركة طالبان"، من خطابها العدائي تجاه الشيعة، وعدم الإعلان عن استهدافهم عسكريًّا لأسباب طائفية، وإنما يتم تبرير الاستهداف بالتواجد في صفوف ميليشيات عسكرية موالية للحكومة الأفغانية التي تقاتل ضد الحركة.
استهداف متصاعد:
تعددت العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيم "ولاية خراسان" تجاه الطائفة الشيعية منذ ظهور التنظيم في عام 2015، فبخلاف العملية السابقة، قام التنظيم بقتل ما يقرب من (50) شخصًا معظمهم من طائفة الهزارة الشيعية، من بينهم نساء وأطفال، في السادس من شهر أغسطس الجاري، وذلك عندما شن مقاتلوه هجومًا على نقطة تفتيش تابعة لمنطقة "ميرزا أولانغ" بإقليم "ساريبول" شمالي أفغانستان، وذلك بعد محاصرة عدد من القرى لأكثر من 3 أيام، تم بعدها جمع العشرات من الأهالي، ثم تم إطلاق الرصاص مباشرة عليهم. وقد أشارت بعض التقارير الأفغانية إلى أن المهاجمين تلقوا دعمًا من بعض مقاتلي حركة "طالبان"، مما يُعد تعاونًا نادرًا بين الطرفين ربما فرضته الظروف.
وقد شن التنظيم أيضًا في وقت سابق، هجومًا على مسجد للطائفة الشيعية في 2 يوليو 2017، من خلال تفجير قنبلة وُضعت في محراب المسجد، وقت صلاة المغرب، مما أسفر عن إصابة 6 أشخاص بجروح.
كما أن هجوم التنظيم على السفارة العراقية في العاصمة "كابول" نهاية شهر "يوليو" الماضي، والذي جاء بالتزامن مع الهزائم المتتالية التي يتعرض لها التنظيم في معقله الرئيسي في العراق وسوريا؛ جاء بدوافع طائفية، كون السفارة تمثل الحكومة العراقية التي يعتبرها التنظيم ممثلة للشيعة الرافضة، حيث جاء في بيانه عن الهجوم أنه جاء كردٍّ على ما قام به الجيش العراقي الشيعي من قتل وتعذيب في حق المسلمين السنة في الموصل، خاصة وأن عملية الهجوم على السفارة جاءت بعد تنظيم مؤتمر صحفي للحكومة العراقية "بمناسبة انتصار قوات الجيش العراقي على تنظيم "داعش"، وتحرير مدينة الموصل"، وذلك في 13 يوليو 2017.
دوافع الاستهداف:
يبدو أن هناك مجموعة من الأسباب التي تقف وراء تصاعد استهداف تنظيم "ولاية خراسان" للطائفة الشيعية في أفغانستان، خاصة في ذلك التوقيت الذي يتصاعد فيه نشاط التنظيم في البلاد، في الوقت الذي يتراجع فيه "التنظيم الأم" في العراق وسوريا. ويمكن تحديد أهم هذه الأسباب في الآتي:
1- توسيع النشاط العملياتي: إذ إن تنظيم "داعش" يسعى إلى إثبات تواجده على الساحة عبر شنه العديد من الهجمات الإرهابية، سواء ضد حركة طالبان أو ضد الحكومة الأفغانية، أو حتى ضد القوات الأجنبية. ولكن يبدو أن التنظيم يرغب في توسيع نطاق عملياته عبر استهداف "الهزارة" الشيعة في البلاد، مستغلًّا رغبة حركة طالبان في تجنب الظهور بصورة المستهدف للشيعة، وذلك لأسباب سياسية؛ حيث ترغب الحركة في تحسين صورتها في تلك المرحلة، تحسبًا لأي مفاوضات سياسية قادمة، خاصة بعد تحسن علاقاتها مع إيران خلال الفترة الأخيرة.
وبالتالي يبدو أن التنظيم يسعى إلى استغلال تلك النقطة، ليثبت أنه يقاتل دفاعًا عن عقيدة، ودون أي حسابات سياسية، مما يجعل لعملياته ضد الشيعة رصيدًا بين التنظيمات المتطرفة، لا سيما وأن استهدافه للمواطنين السنة سيلقى رفضًا من الشارع الأفغاني، وسيُفقده الكثير من التعاطف الذي يمكن أن يوفر له الحواضن الإرهابية.
2- التأكيد على الثبات الفكري: من المعروف أن الفكر "الداعشي" قائم بشكل كبير على العداء للشيعة، لا سيما وأن "الأب الروحي" للتنظيم ومؤسسه، أبو مصعب الزرقاوي، قد انشق على تنظيم القاعدة بسبب الخلاف حول استهداف الشيعة، وهذا ما كشف عنه المتحدث السابق باسم "داعش" "أبو محمد العدناني" في أغسطس 2016، بأنهم كانوا يبتعدون تمامًا قبل إعلان "خلافة داعش" عن استهداف إيران والشيعة، امتثالًا لقرارات قادة تنظيم القاعدة، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحهم مع إيران، وبالتالي فإن استهداف التنظيم للشيعة الهزارة يعد تأكيدًا على ثبات الخط الفكري، وأن التنظيم في أفغانستان ما زال متمسكًا بالأسس الفكرية الداعشية رغم حالة الانحسار التي يعاني منها التنظيم الأم، وهذا ما يجعله واحدًا من أخطر فروع التنظيم.
3- جذب عناصر جديدة: من المعروف أن التنظيمات الإرهابية بشكل عام، بما فيها تنظيم "داعش" تقتات على النزاعات الطائفية، نظرًا إلى أنه يصعب عليها العيش في بيئة مستقرة، لا تعاني من النزاعات. ومن المعروف أن أفغانستان تعاني من بعض الصراعات الطائفية، خاصة منذ صعود حركة طالبان للحكم، في منتصف التسعينيات وحتى عام 2001. لذا، فإن التنظيم يحاول أن يستغل تلك النزاعات في تجنيد عناصر جديدة، تحت شعار الدفاع عن عقيدة أهل السنة في مواجهة الرافضة، ووقف المشروع "الصفوي" في البلاد، معتمدًا على انتشار التشدد والتطرف بين العديد من الشباب الأفغاني، مما أوجد لديه حالة من العداء الطائفي يتم استخدامها في التجنيد.
4- توجيه ضربات انتقامية: يشهد تنظيم "داعش الأم" تراجعًا حادًّا في العراق وسوريا بسبب الضربات التي وُجِّهت له من قبل الجيشين النظاميين في كلا الدولتين اللتين يعتبرهما التنظيم ممثلتين للشيعة، وتقاتلان من منطلق طائفي، وبالتالي فإن التنظيم يرى أن استهداف الشيعة في أفغانستان بمثابة رد أو انتقام لما تعرض له رجال التنظيم في الموصل وغيرها من المدن، من باب القاعدة التي تبنتها التنظيمات المتطرفة، والتي تقول إن "الكفر ملة واحدة"، وهذا ما يبيح لهم استهداف الشيعة في أي مكان، لذا أعلن التنظيم عبر مجلته الأسبوعية "النبأ"، في عددها 92 الصادر في 2 أغسطس 2017، أن الدافع لاستهداف السفارة العراقية في العاصمة "كابول" هو الرغبة في الانتقام لما حدث لإخوانهم في الموصل.
5- استغلال الهدف الرخو: يسعى كوادر تنظيم "داعش" في أفغانستان إلى توسيع عملياتهم الإرهابية، عبر ما يمكن تسميته التركيز على "الهدف الرخو"، والذي يمكن أن يمثله أبناء الطائفة الشيعية، لا سيما وأن معظم من يتم استهدافهم مواطنون مدنيون وليسوا عسكريين، وبالتالي يسهل استهدافهم بأقل مجهود وبأقل التكاليف، لا سيما وأنه يكفرهم ولا يفرق في القتل بين الرجال والنساء، مما يجعل الطائفة كلها في مرمى نيران التنظيم، خاصة وأنه يصعب حمايتهم في ظل الوضع الأمني المتدهور في البلاد، وعدم وجود حكومة مركزية قادرة على حماية مواطنيها، خاصة وأن استهداف القرى غير الشيعية لن يحقق مكاسب للتنظيم.
6- التمدد الجغرافي: لا يقتصر استهداف تنظيم داعش للشيعة على القتل فقط، وإنما يهدف أيضًا إلى التوسع الجغرافي، عبر التمدد في القرى التي يتواجدون فيها، مثل سيطرة مجموعة مسلحة من مقاتلي التنظيم على عدة قرى في ولاية "سربل" شمال البلاد، تقطنها أغلبية شيعية، في بداية شهر أغسطس الجاري، حتى إن بعض التقارير تشير إلى أن أعضاء التنظيم باتوا يتواجدون فيما يقرب من 11 ولاية على الأقل في أفغانستان، وهو ما يدل على أن التنظيم يرغب في التمدد عبر التركيز على استهداف المناطق والقرى الشيعية في البلاد.
بؤرة انطلاق:
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول، إن استهداف تنظيم "داعش" للشيعة في البلاد قد يتصاعد خلال المرحلة القادمة من أجل تثبيت وضعه على الساحة، ولما يحققه له ذلك الاستهداف من مكاسب، خاصة في ظل رغبته في أن يصبح بؤرة داعشية يتم الانطلاق منها للتمدد جغرافيًّا، الأمر الذي يشير إلى احتمالية أن تشهد المنطقة موجة عنف قادمة خلال المرحلة المقبلة.