فرضت مخاطرُ وتهديدات التنظيمات الإرهابية على الأمن القومي التونسي، تفكيرَ حكومة "يوسف الشاهد" في اتخاذ عدد من الإجراءات، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي بالتنسيق مع دول الجوار التي تعاني من خطر الإرهاب، مثل الجزائر.
غير أن هذه الإجراءات يواجهها عدد من التحديات التي قد تحد من جهود مكافحة الإرهاب داخل البلاد، وهو ما يُرجِّح أن تلجأ الدولة للمزيد من الإجراءات، لا سيما تكاتف جهود المؤسستين الأمنية والعسكرية في إطار حربها ضد الإرهاب الذي أثر سلبًا على حالة الاستقرار السياسي والأمني، وكذلك الإضرار بالاقتصاد الوطني والتماسك الاجتماعي في البلاد.
وقد اتخذت حكومة "الشاهد" عددًا من الإجراءات والسياسات الخاصة بمكافحة الإرهاب في البلاد، وذلك على المستويين الداخلي والإقليمي، من أهمها ما يلي:
على المستوى الداخلي:
1- إصدار وزارة الداخلية قرارًا، في 9 يونيو 2017، يقضي بفتح تحقيق قضائي حول تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني بليبيا "العقيد أحمد المسماري" تحدث فيها عن معلومات حول شبكة تقوم بتمويل جماعات إرهابية في تونس وليبيا والقارة الإفريقية تونس ودول شمال إفريقيا، وتقوم بدعم التنظيمات الإرهابية ومنها تنظيما "داعش" و"القاعدة".
2- مطالبة البرلمان التونسي السلطات القضائية في يونيو الجاري بإجراء تحقيقات في مصادر تمويل "جمعية تونس الخيرية" ومجالات عملها وأنشطتها.
3- إعلان وزارة الداخلية في 30 مايو 2017 تعقب واعتقال عددٍ من الخلايا الإرهابية النائمة التابعة لجماعة "جند الخلافة" التابعة لتنظيم "داعش"، وذلك بعد محاصرة هذه الخلايا بمناطق في تونس العاصمة شمال البلاد، وفي إقليم "حاسي الفريد" من محافظة "القصرين" الواقعة على الحدود مع الجزائر، وذلك بعد إثبات علاقتهم المباشرة بدعم الجماعات الإرهابية المتحصنة في الجبال، وعلاقتهم ببعض التنظيمات الإرهابية في ليبيا.
4- إصدار السلطات القضائية تعليق نشاط حزب "التحرير" ذي التوجهات الإسلامية بسبب مخالفته قانون الأحزاب والجمعيات لسنة 2011، وذلك عبر التحريض على الكراهية، والدعوة لإقامة دولة الخلافة الإسلامية بتونس، وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها تعليق نشاط الحزب في أغسطس 2016، لنفس الأسباب.
5- إعلان الرئاسة التونسية في 16 مايو 2017 تمديد حالة الطوارئ لمدة شهر إضافي، والتي كانت فرضتها منذ عام ونصف عقب اعتداء انتحاري قُتل فيه 12 من عناصر الأمن الرئاسي، وذلك في إطار مواصلة الحرب على الإرهاب، وقد جددت الحكومة التونسية فرض حالة الطوارئ على البلاد منذ نوفمبر 2015 لمدد زمنية تراوحت ما بين شهر إلى 3 أشهر.
6- سن تشريعات وقوانين لمكافحة الإرهاب، وذلك منذ عام 2011 عندما سنت الدولة قانونًا للعفو العام عن مجموعات متطرفة، وأسقطت بحقهم المتابعات الأمنية، غير أن ذلك أتاح الفرصة لهذه العناصر بإعادة ترتيب صفوفها، والانضمام إلى جماعات جهادية أكثر تطرفًا، مثل تنظيم داعش، كما سنت الحكومة تشريعات تسمح بدمج المقاتلين داخل المجتمع، وذلك في إطار ما سُمي بـ"قانون التوبة" على غرار قانون "الوئام المدني" الذي اقترحه الرئيس الجزائري "عبدالعزيز بوتفليقة" بعد وصوله إلى السلطة في أبريل 1999 لإنهاء الأزمة الأمنية والسياسية التي كانت تعانيها البلاد فيما عُرف بـ"العشرية السوداء"، غير أن قانون التوبة لا يحظى بقبول الرأي العام التونسي.
على المستوى الإقليمي:
1- التنسيق التونسي مع الجزائر لمناقشة كيفية مواجهة الأخطار والتهديدات التي تُواجه الدول، حيث اجتمع وزيري الخارجية في 6 يونيو بالعاصمة الجزائرية لمناقشة الترتيبات المشتركة التي يُمكن اتخاذها لمواجهة تداعيات استمرار الأزمة الليبية على الأمن القومي لهذه الدول، خاصة العائدين من ليبيا، وتهديد التنظيمات الإرهابية المتواجدة في ليبيا لأمن هذه الدول.
فقد أشارت الأجهزة الأمنية التونسية إلى نجاح التنظيمات الجهادية التونسية خلال الفترة 2012–2014 في الحصول على الدعم اللوجستي والمادي والعسكري من قبل الجماعات الجهادية المسلحة الليبية، وفي مقدمتها "قوات فجر ليبيا" و"أنصار الشريعة"، وهو ما ساعدها في تحويل جنوب تونس إلى ما يشبه مجالها الحيوي الذي تنشط فيه خلاياها النائمة بحرية شبه كاملة في علاقة وثيقة مع شبكات تهريب السلع والمخدرات التي أحكمت قبضتها على المعابر الحدودية.
2- التنسيق التونسي العربي لتوحيد جهود مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال استضافة تونس لأعمال مجلس وزراء الداخلية العرب في أبريل 2017 من أجل التنسيق المشترك بين الدول العربية لمواجهة التحديات المرتبطة بانتشار الأفكار المتطرفة والتنظيمات الإرهابية.
تحديات ضاغطة:
تواجه إجراءات مكافحة الإرهاب في تونس عددًا من التحديات والعقبات التي قد تعرقل جهود الدولة لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية التي تواجه البلاد، خاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، وعدم قدرة الحكومة على الخروج من أزمتها في حل الأزمة الاقتصادية الحالية، وذلك على النحو التالي:
1- عودة المقاتلين، حيث يمثلون أول التحديات التي تواجه جهود المؤسسات الأمنية والعسكرية الخاصة بمكافحة الإرهاب بالبلاد، والبالغ عددهم حوالي 800 عنصر (وفقًا لتصريحات وزير الداخلية "الهادي مجدوب" في ديسمبر 2016). ورغم إخضاع السلطات لأعداد كبيرة منهم للتحقيقات، ووضع الآخرين للإقامة الجبرية، إلا أنهم لا يزالون يمثلون خطرًا على الأمن القومي للبلاد.
غير أن مصادر أخرى تشير إلى أن تونس تعد المصدر الرئيسي للإرهابيين في سوريا والعراق القادمين من القارة السمراء. وبحسب تقديرات مختلفة، هناك أكثر من 6 آلاف تونسي بين صفوف التنظيمات الإرهابية هناك، بالإضافة إلى حوالي 5 آلاف آخرين تمكنت السلطات التونسية من منعهم من السفر للانضمام لتلك التنظيمات الإرهابية، غير أنهم يظلون خطرًا على الأمن القومي للبلاد.
2-حدود قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهة التنظيمات الإرهابية في الداخل، خاصة مع قلة أعداد المنتسبين لهذه الأجهزة في مقابل تزايد أعداد العناصر الإرهابية التي تحتاج من هذه الأجهزة لتخصيص أعداد أكبر من أجل أعمال المراقبة والضبط والإحضار والمواجهة المسلحة إن اقتضى الأمر. وكذلك لجوء بعض التنظيمات الإرهابية لإنهاك هذه الأجهزة عبر إطلاق "إنذارات كاذبة" بشأن ارتكاب عمليات إرهابية في عدة مواقع مختلفة، وهو ما حدث في تونس عام 2011، وكان ذلك إما لإرهاق الأجهزة الأمنية أو للتمويه قبل القيام بعملية كبيرة وفقًا لأسلوب عمل تنظيم داعش، وهو ما يتسبب في ارتباك عمل هذه المؤسسات، واستنزاف الجهود لمواجهة أية تهديدات محتملة.
3- إدراك المؤسسات الأمنية لظاهرة الإرهاب وفهمها بشكل كامل من حيث أسبابها ومظاهرها، الأمر الذي يتطلب إعداد دراسات وافية حول التنظيمات الإرهابية والعناصر المنتمين إليها في ظل صعوبة المعرفة المسبقة بمصادر ومواقع الهجمات الإرهابية المستقبلية.
4- إشكالية العامل الزمني الذي يُمثِّل عنصرًا هامًّا بالنسبة لأجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية لتحديد أوقات ومواقع تنفيذ الهجمات الإرهابية، وهو ما يمثل مشكلة للأجهزة الأمنية لمراقبة الحدود التونسية، سواء مع ليبيا أو الجزائر.
5- صعوبة اختراق التنظيمات الإرهابية من الداخل، والتي تعتمد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية للتواصل مع عناصرها، بالإضافة إلى كونها تنظيمات تتمتع بنوع من الحماية اللوجستية من قبل من يدير هذه التنظيمات من الخارج، وهو ما يمثل صعوبة أمام الأجهزة الأمنية لاختراقها.
مخاطر متزايدة:
خلاصة القول، تمثل التهديدات الإرهابية خطرًا متزايدًا على الأمن القومي التونسي، كما تمثل تحديًا كبيرًا للأجهزة الأمنية والعسكرية المنوطة بمواجهة التنظيمات الإرهابية.
فتونس لا تزال تعاني من خطر آلاف الإرهابيين الموجودين فيها، الذين ساهم حكم الإسلاميين في مرحلة ما بعد أحداث عام 2011 في تقوية شوكتهم، ومن ذلك الاعتراف القانوني الرسمي بحزب "التحرير" المعروف بتوجهاته المتطرفة. ومن شأن عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر والصراع في كلٍّ من سوريا والعراق أن يزيد من تحديات مواجهة الإرهاب في البلاد.